مقالات

تطوير شبكات الجامعات يضمن نقل المعرفة بكفاءة وأمان

بقلم رفعت الكرمي، استشاري اول لدى “جونيبر نتوركس”

لم تتغير على مدى قرون طويلة الرسالة التي تؤديها الجامعات، والمتمثلة في ضمان نقل المعرفة وتوفير بيئة مواتية للبحث العلمي، لكن سبل تحقيق هذه الرسالة قد تطوّرت بمرور الوقت.

ونجِد اليوم أن جودة النماذج التعليمية التي تتمحور حول الطلبة وتركّز على إثراء تجربتهم، تعتمد اعتماداً كبيراً على جودة شبكات تقنية المعلومات التي تقوم عليها الأنظمة الرقمية للجامعات، وتُعد من أكثر الشبكات تعقيداً في العالم. لقد أصبح بإمكان الجامعات اليوم، لحسن الحظ، الاعتماد على تقنيات الأتمتة والذكاء الاصطناعي لدعم مهام الإنتاج والعمل وضمان سيرها بسلاسة.

التحديات والتعقيدات في الشبكات التقنية الجامعية

كمثل المؤسسات الكبيرة، تواجه الجامعات تحدياً لإتاحة الاتصال أمام أعداد كبيرة من المستخدمين. لكن في حين أن موظفي المؤسسات أكثر ثباتاً بمرور الوقت من الطلبة الذين يتخرجون في الجامعات ويتركون الدراسة بعد بضع سنوات لزملاء جدد يحلّون في أماكنهم، تجد الجامعات أنفسها مضطرة إلى التعامل بطريقة خاصة مع استراتيجيات الأمن وأذونات الوصول إلى الموارد الرقمية وبيانات مركز الأبحاث وما إلى ذلك، باعتبارها مكوّنات أساسية لإدارة الشبكات التقنية التي تتأثر حتماً بهذا المزيج دائم التغيّر من المستخدمين.

وعلاوة على ذلك، فإن الأجهزة المتصلة بشبكة الجامعة شديدة التنوّع؛ فإذا كان بإمكان المؤسسات اختيار مسألة السماح لموظفيها باستخدام أجهزتهم الشخصية في الاتصال بالشبكة المؤسسية، تُضطر الجامعات إلى التعامل مع هذه المسألة، لأن لكل طالب جهازه أو أجهزته الشخصية التي تتراوح بين الحاسوب المحمول أو اللوحي أو الهاتف الذكية، بعضِها أو جميعِها، والتي ينبغي أن تكون قادرة على الوصول إلى شبكة الجامعة، بغض النظر عن خصائصها التقنية، الأمر الذي يفرض على فرق تقنية المعلومات العاملة في الجامعة تعقيداً كبيراً تجب مواجهته والتعامل معه.

وعلى الجامعات، من ناحية أخرى، الحرص على ضمان اتصال الطلبة بالشبكة الجامعية أثناء سفرهم أو دراستهم عن بُعد. وبينما تشيع هذه المشكلة بين المؤسسات، تجد الجامعات أنها ملزمة عموماً بتغطية شبكاتها لمناطق جغرافية واسعة جداً. ففي فرنسا، مثلاً، أدّت الرغبة في دمج عدد من الجامعات إلى إنشاء حرم جامعي واسع ومجزّأ، تنتشر فروعه على امتداد كيلومترات عديدة.

الجائحة سرّعت التحوّل الرقمي في الجامعات

شكّلت الجائحة تحدياً كبيراً وضع على المحكّ قدرة الشبكات الجامعية على الصمود، فأحدثت تغييرات في التجربة الرقمية للدراسة الجامعية، شملت تقديم المحاضرات عن بُعد وتشكيل منظومات من الأدوات الرقمية المناسبة لضمان الإدارة الناجحة للتعلّم التشاركي عن بعد.

في هذا السياق، كان على الجامعات أن تتبنى بسرعة كبيرة حلول اتصالات موحّدة، ما أوجد بدوره تحديات واجهتها بعض الجامعات باعتماد إدارة مركزية لتقنية المعلومات وتنظيم اختيار الحلول التقنية لإنشاء شبكة متجانسة يسهل إدارتها على امتداد الحرم الجامعي، فيما قرّرت جامعات أخرى الاستثمار في خدمات رقمية جديدة لقياس كثافة حضور الطلبة في مواقع جامعية معينة لحظة بلحظة، لضمان الامتثال للوائح الصحية التي تتطلّب تحقيق التباعد الجسدي. وكان على الجامعات أيضاً إعادة ضبط شبكاتها الافتراضية الخاصة (VPN) لتسمح بوصول أعداد أكبر من الطلبة عن بُعد إلى الشبكة الجامعية.

لكن بعض الجامعات، في المقابل، لم يكن جاهزاً لهذا التغيير المفاجئ، ما صعّب في إدارة تقنية المعلومات وأصابها بالوهن. وفي واقع الحال، كان الارتفاع في الهجمات الرقمية على الجامعات إحدى النتائج الأخرى التي أسفرت عنها الأزمة الصحية العالمية، ما أعاد تسليط الضوء على حاجتها إلى حلول شبكية قوية وآمنة، تغطّي الأجهزة والبرمجيات.

لقد تميّزت بعض المؤسسات التعليمية في التعامل مع التحوّل الرقمي الاضطراري، مثل جامعة “ريدينغ” في إنجلترا. فنتيجة لأزمة الجائحة، وكغيرها من الجامعات الأخرى في جميع أنحاء العالم، كان على جامعة “ريدينغ” تنفيذ أساليب جديدة للعمل والدراسة عن بُعد، ضمّت اعتماد حلول للاتصالات الموحّدة واجتماعات الفيديو وتعزيز قدرات مشاركة الموارد الرقمية، والتي تشكّل جميعها بيئة التعلّم عن بعد. لقد نجحت الجامعة في تعزيز بنيتها التحتية الشبكية حول العالم وإدارتها بطريقة مناسبة من خلال الذكاء الاصطناعي والهندسة الرشيقة للشبكات. وفي نهاية المطاف، أجرت التحوّل المطلوب في توزيع المحاضرات المنهجية عبر الإنترنت في غضون ستة أسابيع فقط.

نحو شبكات أكثر ذكاءً

تزداد إدارة الشبكات الجامعية تعقيداً، لكن بينما يظلّ هذا التعقيد مماثلاً إلى حدّ ما للتعقيد الحاصل في عالم المؤسسات، فإنه يبرز بوضوح أكبر في منظومة التعليم العالي. كذلك، فإن الجامعات في العموم أقلّ استعداداً من ناحية توظيف الأعداد الكافية والمدربة من العاملين في تقنية المعلومات، ما يجعل من الضروري تبسيط مهامهم وعملياتهم التشغيلية.

لحسن الحظ، فإن تحديث شبكات الجامعات أمر ممكن بالرغم من كل هذه القيود، بفضل نهج تطبيق الذكاء الاصطناعي على عمليات تقنية المعلومات، المعروف اختصاراً بـ AIOps. إذ يمكن، مثلاً، استخدام تقنيات تعلّم الآلات والذكاء الاصطناعي للمساعدة في حلّ المشاكل التي تعترض الطلبة والموظفين الجامعيين أثناء العمليات الشبكية، وذلك للتغلّب على مشكلة نقص الموظفين التقنيين. كذلك، يمكن حتى تصحيح بعض الأخطاء تلقائياً لتسهيل سير عمل فرق تقنية المعلومات كثيراً وتحسين الاستفادة من خبراتهم. ويمكن أن تتيح أدوات الإدارة الشبكية الذكية أيضاً دقة معلومات تشغيلية كبيرة، فضلاً عن القدرة على تشغيل الشبكة عن بُعد بطريقة لا تلامسية.

إن على الجامعات، بُغية تحديث رسالتها وضمان تحقيقها، أن تُحدث التغيير الذي يضمن لها التغلّب على جميع التحدّيات التي تواجهها، والحدّ من تعقيد العمليات الشبكية، لذا فإن تطبيق الذكاء الاصطناعي على عمليات تقنية المعلومات هو الخطوة التالية اللازمة في رحلة تحديث شبكات تقنية المعلومات في الجامعات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى