التكنولوجيا المتنقلة، محفز للابتكار والتنمية الاجتماعية والاقتصادية
منذ حوالي أربعين عامًا، أنجزنا ما لا يمكن تصوره من خلال إجراء مكالمات صوتية بين الناس من أي مكان. وفي يومنا هذا، توجد اشتراكات للهاتف المحمول أكثر من عدد سكان الأرض.
لقد تحولت تكنولوجيا الاتصالات من كونها رفاهية إلى كونها حاجة بشرية أساسية، وبالأخص لجيل الألفية والشباب حيث بات الاتصال مهماَ للغاية.
نحن نعلم أن الاتصال يحسن الحياة اليومية، من الأشياء الصغيرة التي تعود عليها الكثير منا مثل استخدام المحافظ الرقمية في المجتمعات التي لا توجد بها خدمات مصرفية تقليدية، والهواتف الذكية للتنقل عبر المدن، والأجهزة القابلة للارتداء لتتبع صحتنا ولياقتنا البدنية، إلى الأشياء الكبيرة التي لم نتصورها مثل قدرة الأطباء على إجراء تشخيص دقيق للمريض عن بُعد.
لسوء الحظ، لا يزال هذا الواقع حلماً لأكثر من ثلث سكان العالم الغير قادرين على الاستفادة من الفوائد الاجتماعية والاقتصادية والبيئية التي تصاحب الاتصال واسع النطاق. من خلال الاستثمارات المطلوبة في البنية التحتية والنظم البيئية والسياسات، يمكن للعديد من الأشخاص الاستمتاع بهذه الفوائد وتغيير العالم.
التسريع الرقمي
بينما مكنت الأجيال السابقة من شبكات الهاتف المحمول من الاتصال عبر الصوت وبعض البيانات الأساسية، فإن الجيل الرابع غير الطريقة التي نعيش بها ونتفاعل وندير الأعمال. فتقنيات اتصال الجيل الرابع، بالإضافة إلى الهواتف الذكية ونظامها البيئي للتطبيقات أنتجت اقتصاد تطبيقات جدد تبلغ قيمته أكثر من ست تريليونات دولار أمريكي، أو ما يعادل سبعة بالمائة من الناتج العالمي.
تم تسريع الاتجاه نحو الرقمنة مع ظهور جائحة كوفيد-19. وخلال هذه الأوقات الصعبة، قمنا بتمكين واختصار عامين من التحول الرقمي في غضون أشهر مما حددت وتيرة التسارع معايير سرعة الابتكار.
أدى التقاء الوباء العالمي والتسارع الرقمي إلى زيادة راحتنا في التعاون عبر الإنترنت وأدوات الاتصال باستخدام التكنولوجيا لتقليص المسافة ومحاكاة الوجود الفعلي. وبينما لا يمكننا إلغاء الحاجة إلى الاتصال البشري، يشعر ملايين الأشخاص الآن بالراحة في استبدال الأحداث الفعلية بأحداث افتراضية، مما يفتح إمكانيات جديدة لكيفية عملنا وعيشنا.
ستصبح محاكاة التواجد الفعلي عبر الإنترنت جزءًا من العالم الجديد فيما يسميه البعض الميتافرس (metaverse) والبعض الآخر ويب 3.0، تستعد الصناعات الخفيفة للترفيه والإعلام لقيادة هذا التحول.
تحول الصناعة
مع الجيل الخامس، فإن تحول المؤسسات ذات موجودات كثيرة سيؤدي إلى شكل جديد من التصنيع يعتمد على الرقمنة.
وسيوفر تقارب العالم الفعلي والرقمي عددًا كبيرًا من الفوائد لتطوير المنتجات وتكوينها مما يسمح بالتحكم في الأشياء الفعلية في العالم الافتراضي. سيتم استخدام” التوائم الرقمية” (النسخ المتماثلة الافتراضية) في أتمتة الصناعة مما يساعد في الصيانة التنبؤية في المصانع الذكية وتحسين التدفقات اللوجستية.
الاتصال في المستقبل سيسمح بالتعاون في الوقت الفعلي بغض النظر عن الموقع وبالتالي يوسع الاتصال الوصول إلى موهوبين وخبراء حول العالم مما يجعل هجرة الأدمغة من الماضي.
التكنولوجيا المتنقلة تقود التنمية الاقتصادية
لا يمكن المبالغة في دور التكنولوجيا المتنقلة كمحفز للابتكار والتنمية الاجتماعية والاقتصادية. أظهرت الدراسات التي أجرتها إريكسون وكلية إمبريال في لندن الصلة الواضحة بين انتشار النطاق العريض للأجهزة المحمولة ونمو الناتج المحلي الإجمالي. تؤدي زيادة انتشار النطاق العريض للأجهزة المحمولة بنسبة 10 في المئة إلى زيادة في إجمالي الناتج المحلي بنسبة 0.8 في المئة. ويزداد هذا التأثير في البلدان ذات الدخل المنخفض مما يتيح تحقيق قفزات كبيرة في التنمية الاقتصادية عبر الاستثمار في البنية التحتية للنطاق العريض المتنقل.
محفز لمعالجة أزمات المناخ
على الرغم من هذه الفوائد الاقتصادية، فإن التحول الرقمي يساهم أيضًا في التحدي المناخي الملح الذي يواجه البشرية، لا سيما من خلال الطاقة التي تستهلكها الشبكات ومراكز البيانات التي نبنيها ونشغلها.
في حين أن صناعة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات مسؤولة عن 1.4 في المئة من البصمة الكربونية العالمية، تظهر الأبحاث التي أجرتها شركة إريكسون أن حلول تكنولوجيا المعلومات والاتصالات بإمكانها من خفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري العالمية بنسبة تصل إلى 15 في المئة.
الركائز الأساسية للتحول
نرى ثلاث ركائز أساسية لتمكين الرقمنة: الحاجة إلى بنية تحتية قوية وموثوقة للشبكة؛ بيئة تنظيمية مواتية لتشجيع الاستثمار؛ وتطور ونمو النظم البيئية. يتطلب التحول الرقمي في قاعدته بنية تحتية قابلة للتطوير وموثوقة وديناميكية ومرنة وآمنة، مع استهلاك أقل للطاقة.
بنية تحتية مرنة وقابلة للتطوير
تستثمر البلدان سريعة النمو في الشرق الأوسط مثل الإمارات العربية المتحدة بشكل كبير في قدرات بنيتها التحتية لتمكين التنويع الاقتصادي والنمو في محاولة لتنويع اقتصاداتها. تستثمر هذه الدول الآن في مبادرات الصناعة 4.0 غير مبنية (Greenfield Industry 4.0).
على الحكومات تحفيز عمليات نشر البنية التحتية واسعة الانتشار وعالية الجودة. لا ينبغي إعطاء سعر الطيف الترددي على المدى القصير الأولوية على القيمة طويلة المدى المتولدة. قادت الدول المتقدمة في الشرق الأوسط الطريق في هذا الأمر وبدأت تؤتي ثمارها من خلال تحسين الأداء في العديد من مؤشرات قيادة البنية التحتية العالمية.
سياسة الطيف التي تقود التنمية
من وجهة النظر الحكومية والجهات التنظيمية، الوسيلة الأكبر هي توفر الطيف الكافي والمتناسق بشكل فعّال من حيث التكلفة. الطيف الترددي بمثابة شريان الحياة للاتصالات المتنقلة. الطيف يعتبر مورد وطني محدود والحد منه سيؤدي إلى إبطاء وتيرة التحول الرقمي.
من الضروري زيادة توافر الطيف إلى أقصى حد ووضع جدول زمني واضح وموثوق وطويل الأجل لتخصيصه. لا يضيف الطيف غير المستخدم أو المستخدم قليلاَ قيمة إلى البلاد والوضوح طويل الأمد لتراخيص الطيف ضرورية لتشجيع استثمارات البنية التحتية.
علاوة على ذلك، يجب أن تحفز شروط ترخيص الطيف الاستثمار بالإضافة الى المرونة في استخدام الطيف المخصص لتقنيات متعددة لتقليل التكلفة وزيادة سرعة الأداء. من المهم التمسك بمبدأ الحياد التكنولوجي، لتحفيز الاستثمارات في البنية التحتية وتمكين الابتكار.
تعاون النظام الإيكولوجي
سيصبح من المعتاد عمل مجموعة واسعة من المتعاونين لتحقيق هدف مشترك، وإنهاء الأفكار الموروثة عن المنافسة، والحدود التقليدية، من خلال التركيز على الترابط الحقيقي.
تلتزم شركة إريكسون بالمعايير المفتوحة التي تمكّن ابتكار الأجهزة المتنقلة بالازدهار. سنجمع الشركاء للتعاون والابتكار وإشعال الأفكار الجديدة وتطوير الطرق لكشف وظائف الشبكة التي تمكّن توسيع الابتكارات الرقمية. ومع ذلك، يجب على الدول ضمان سياسات تكنولوجية محايدة حتى تتمكن من الاستفادة من الابتكارات التي تجلبها الأجيال الجديدة من التكنولوجيا.
فرصة لتحقق تقدما حثيثا
يتيح التحول الرقمي للاقتصادات الناشئة فرصة هائلة لتكون لاعبًا رئيسيًا في الثورة الصناعية الرابعة القادمة استنادًا إلى بنية تحتية رقمية عالمية المستوى ومنصات للابتكار. تلعب الحكومات والهيئات التنظيمية وصناعة الاتصالات والنظم الإيكولوجية للتطبيقات أدوارًا رئيسية في تمكين هذا التغيير التدريجي في التنمية.