تأثير السوشيال ميديا على ثقافة المجتمعات العربية ندوة المكتب الثقافي المصري بالرياض
الرياض: محمد حلمي
د. عمرو عمران: هذه الندوة تطرح واحدا من أكثر الموضوعات الحيوية والجدلية في الوقت الراهن
د. أحمد إسماعيل: وسائل التواصل الحديثة أسهمت في تقريب الثقافات والأماكن والأزمنة
د. مطلق المطيري: الخطاب العربي في السوشيال ضعيف ويغذي التعصب وعدم قبول الآخر
أقام المكتب الثقافي المصري بالرياض يوم أمس الأربعاء السادس من يناير 2021م، ندوة ثقافية إعلامية تحت عنوان “السوشيال ميديا وتأثيرها الإعلامي والثقافي في المجتمعات العربية”، وقد تناولت هذه الندوة التي أقيمت برعاية السفير أحمد فاروق سفير جمهورية مصر العربية بالمملكة العربية السعودية، وحضور القنصل العام الدكتور إيهاب عبدالحميد، وتحت إشراف الأستاذ الدكتور عمرو عمران الملحق الثقافي ورئيس البعثة التعليمية المصرية بالمملكة، عددا من المحاور والقضايا الثقافية والإعلامية المتعلقة بتأثير وسائل الاتصال والتواصل على ثقافة المجتمعات العربية، حيث شارك فيها من مصر الأستاذ الدكتور أحمد عبدالحميد إسماعيل أستاذ الأدب بكلية دار العلوم وكلية اللغة العربية بجامعة الإمام محمد بن سعود، وشارك من المملكة العربية السعودية الأستاذ الدكتور مطلق بن سعود المطيري أستاذ الإعلام الدولي بكلية الآداب جامعة الملك سعود.
بدأت الندوة التي أدارها الشاعر والكاتب الصحفي السيد الجزايرلي، بكلمة ترحيبية للأستاذ الدكتور عمرو عمران هنَّأ فيها الأمة العربية والإسلامية بذكرى المولد النبوي الشريف، كما هنَّأ الأخوة المسيحيين في كل ربوع مصر، وكذلك أبناء الجالية المصرية من المسيحيين المقيمين على أرض المملكة، وكل الناطقين بالعربية وعشاقها، بمناسبة اليوم العالمي للغة العربية الذي احتفل به العالم في الثامن عشر من ديسمبر الماضي، مشيراً إلى أن هذه الندوة تأتي في إطار حرص المكتب الثقافي المصري بالرياض على تنويع الأنشطة الثقافية التي يقيمها.
وأشار الدكتور عمرو عمران إلى أن هذه الندوة تطرح واحدا من أكثر الموضوعات الحيوية والجدلية في الوقت الراهن، وهو موضوع “السوشيال ميديا وتأثيرها الإعلامي والثقافي في المجتمعات العربية”، لأن الأدوات المستخدمة في السوشيال ميديا بشكل عام، يتم تصنيفها كأدوات اتصال إعلامي بمفهومه الحديث، إلا أن النتائج المرتبطة بها تمتد إلى كل الاتجاهات، ويصل تأثيرها إلى كل جوانب الحياة.
وأكد الدكتور عمرو عمران أنه كان حريصا على أن يتم طرح هذه الندوة بالمفهوم الثقافي الواسع الذي يشمل إلى جانب علوم الإعلام كل العلوم الأخرى التي تندرج تحت مظلة الخطاب الثقافي كالأدب والنقد والطب والمجتمع وغيرها من الاهتمامات الإنسانية التي تستخدم السوشيال ميديا بالسلب أو بالإيجاب، وهو ما جعلها ندوة فاعلة ومكتملة العناصر.
وفي ورقته البحثية العميقة، تطرق الأستاذ الدكتور أحمد عبدالحميد إسماعيل إلى الجذور التاريخية لوسائل الاتصال والتواصل، مشيراً إلى أنه في الماضي وما قبل عصر النهضة، كانت هذه الوسائل تتمثل في الكتاب والخبر والرسالة والترجمات، وقبلها بزمن كانت حركة الإنسان على الأرض بديلاً لحركة الرسائل الإلكترونية، ولا يبعد عنّا أنّ من أهم أشكال التواصل التي بُني عليها تغيير الأمم والفكر رُسل الملوك قديمًا إلى الممالك المناظرة.
وتساءل الدكتور أحمد إسماعيل: هل نعد رُسل النبي صلى الله عليه وسلم إلى مصر واليمن وأطراف الجزيرة وسائل تواصل حديثة آنذاك؟، وهل لو كانت وسائل التواصل الحديثة موجودة كانت تقوم مقام جيوش الفتح والغزوات؟، موضحاً أن هناك أمما مثل مصر واليمن وبعض قبائل الجزيرة العربية، وما وراء السند والهند دخلت الإسلام دون مقاومة، لمجرد أن عرفت الإسلام عن طريق التواصل بلا حروب، ثم قامت حركة تواصل ثقافي مكثفة تمثلت في تقبل العرب المسلمين لثقافات الإغريق والفرس والرومان والهند وترجمتها، وانتقل هذا التواصل إلى أوروبا ومنها إلى العالم الجديد في الأمريكتين، فعرفنا عصر النهضة من خلال تواصل الأمم عبر القنوات الثقافية السابقة، وقد عرف العرب هذا التواصل الجديد عبر الترجمات الروائية، ثم السينما التي مثلت القوة الناعمة للغرب وتحديدًا أمريكا بعد الحرب العالمية الثانية، مؤكداً أن النهوض الأمريكي قام بقوة على التواصل “الفني السينمائي” ومن خلاله وُلدت شركات الإعلام الكبرى، وعُرف دورها في إبداع السوشيال ميديا حتى أصبح لوسائل التواصل الحديثة قيمة في تقريب الثقافات والأماكن والأزمنة عبر شبكة معرفية جعلت العالم كله قرية صغيرة.
وبصورة مغايرة لتناول البعد الإعلامي المتعلق بأدوات السوشيال ميديا وتأثيرها في المجتمعات العربية، تحدث الأستاذ الدكتور مطلق بن سعود المطيري عن علاقة السوشيال ميديا بالتغيُّر الاجتماعي والثقافي وبناء الهوية، مؤكداً أهمية التفريق بين السوشيال ميديا بطابعها الخدماتي الإيجابي وبين السوشيال ميديا بطابعها الثقافي والسياسي السلبي، مشيراً إلى أنه في ظل أزمة كورونا على سبيل المثال لم نستطع أن نشتري الخبز إلا باستخدام التطبيقات الرقمية، وهذا يعني أننا لا نستطيع أن نستغني عن الجانب الخدمي في السوشيال ميديا، ولكن الأمر يختلف تماما عندما نتطرق للجانب الثقافي والاجتماعي والإعلامي، حيث يبدو خطابنا العربي في هذه الاتجاهات خطابا ضعيفا وغير مؤثر، وقد أصبحت ثقافة المجتمعات العربية قائمة على التلقي الذي يكتفي باستقبال الرسائل من مصادرها الغربية الأكثر قوة وتأثيرا.
وعبَّر الدكتور المطيري عن استغرابه من الأعداد الكبيرة التي تتابع صفحات السوشيال ميديا ذات المحتوى السطحي الفارغ من القيم الثقافية العميقة، بينما لا تحظى الصفحات ذات المحتوى الجاد إلا بأعداد قليلة من المتابعين والمتفاعلين، وهو ما يعكس ضعف الخطاب العربي الذي يغذي التعصب والعنصرية وعدم قبول الآخر.
وقد شهدت الندوة الكثير من المداخلات الثرية لعدد من الناشطين عبر منصات التواصل الاجتماعي من بينهم اليوتيوبر الشهير الدكتور محمد الغندور الذي تحدث عن تجربته في توظيف السوشيال ميديا لتقديم خدمات طبية حظيت بتفاعل من قبل ملايين المشاهدين والمتابعين، كما تحدث الإعلامي فوزي بدوي عن تجربته في تأسيس صحيفة المصريين بالخارج ومدى الاستفادة المتبادلة بين السوشيال ميديا والصحافة الإلكترونية، وتحدثت الإعلامية الدكتورة أمل كنانة عن تجربتها كمقدمة برامج وآليات التفاعل بين الإعلام المرئي ومنصات التواصل الاجتماعي، وفي مجال الثقافة الغذائية تحدثت الأستاذة لبنى خالد عن تجربتها عبر مواقع التواصل الاجتماعي من خلال صفحتها “الشيف لبنى”، وإلى جانب تجارب الناشطين على مواقع السوشيال ميديا، تفاعل عدد كبير من الحضور من خلال الأسئلة والمداخلات التي أثرت الندوة بالكثير من الآراء والرؤى المتنوعة، ومن بينهم المسرحي الدكتور أيمن عبدالحميد، ورسام الكاريكاتير أشرف عبدالله، وأستاذ اللسانيات الدكتور أكرم السيسي، والإعلامي أحمد دسوقي، والمهندس أحمد مناع، والدكتور محمد فاروق، والإعلامي أحمد دسوقي الذي أشار إلى قضية مهمة تتمثل في تراجع حقوق الملكية الفكرية في وسائل الاتصال الحديثة، وختم الشاعر السيد الجزايرلي فعاليات الندوة بكلمة حول تجربة استخدام المؤسسات الثقافية لوسائل التواصل الاجتماعي في تنظيم أنشطتها الثقافية، مؤكدا أن الواقع الافتراضي الذي فرضته أزمة كورونا سيظل سؤالا مطروحا لسنوات قادمة لأنه يمثل أحد الخيارات والبدائل المهمة لاستخدام أدوات تواصل مختلفة لمواجهة الأزمات.