الروائي عبد الله بن بخيت.. “الثقافة السعودية تنبعث من الرماد”
متابعه جمال علم الدين
أكد الكاتب والروائي السعودي عبد الله بن بخيت، أن الحركة الثقافية السعودية تنبعث من الرماد اليوم، وأن مشكلة بعض الروائيين السعوديين أنهم لا يقرأون.
يمتلك عبد الله بن بخيت تجربة ثرية في الكتابة الصحفية، ويعدّ أحد أبرز الروائيين السعوديين، فضلاً عن كونه ناقداً ومترجماً وكاتب سيناريو.
أقرأ أيضا.. وزير السياحة المصري يستعرض تطور القطاع ضمن حملة ترويجية في روما
روايته “شارع العطايف” من الأعمال التي أثارت الجدل في الشارع السعودي، لما احتوته من جرأة في الطرح، ناهيك عن مسلسله “هوامير الصحراء” الذي اعتبره البعض” إسقاطاً على شخصيات مهمّة في المجتمع السعودي”.
“الشرق” أجرت حواراً مع الناقد والروائي السعودي، حول المشهد الثقافي في المملكة اليوم.
كيف تقرأ المشهد الثقافي السعودي في ظل الحراك الذي تشهده المملكة؟
الحقيقة لم أكن أحلم يوماً أنني سأعيش هذه المرحلة الجديدة من عمر المملكة، كنت أعتقد أن الوضع السابق يتطلب تنازلات تدريجية حتى نصل إلى هنا، لكن القرارات الشجاعة التي اتخذتها قيادة المملكة، أسهمت في هذا التقدّم، وأستطيع أن أقول إن الحركة الثقافية تنبعث من الرماد اليوم.
ترى أن هناك اختلافاً بين الحداثيين والليبراليين فما الفرق بينهما برأيك؟
الحداثيون هم أصحاب الصوت الجديد، واللغة الجديدة في الكتابة الشعرية والقصة القصيرة والنقد وغيره، لم ينشغلوا بالصدام مع المجتمع، ولم يقاتلوا من أجل بقائهم، كانوا يريدون فقط أن ينمو صوتهم ليصبح جزءاً من الحركة الثقافية في المملكة.
كما كانوا يريدون الالتحام مع لغة العصر والخروج من الماضي، فهم منتجون للفن والثقافة والأدب بوصفهم صحفيين، ومثقفين، وكُتّاب، وفعلاً التحموا من خلال الترجمات العربية وغيرها من الأدوات المساندة.
أما الليبراليون، فانشغلوا بالصدام مع المجتمع، وكانوا يكافحون من أجل تغيير الثقافة التي سيطرت على المجتمع، ولا أعني ثقافة التديّن أو تسويق التطرّف فقط، وحين نتحدث عن التطرّف فأنا لا أقصد الإرهاب أو الحركات الجهادية فقط، بل أقصد نوعاً آخر هو تسويق الخرافة من خلال الدين، وهذا أمر خطير على المجتمع.
إن ذلك يحيل المجتمع إلى العقلية الأسطورية البعيدة عن الواقع، وهذا ما يرفضه الليبراليون، فهم يبحثون عن التجديد، والتجديد هو نقطة التقاطع بين الليبراليين والحداثيين؛ لأنه يصبّ في تطوير المجتمع، فالأدب الجديد بحاجة إلى أرضية جديدة غير تقليدية، وهنا يأتي دور الليبرالي.
بلغ عدد الروايات الصادرة خلال العشرين سنة الماضية 1982 رواية، ما سرّ هذه الزيادة؟
الحقيقة أن المجتمع ما زال يخلط بين الراوية والمذكرات والقصّة، وبعض الكُتّاب يكتب روايات لها دور في الإصلاح الاجتماعي، أو دفاعاً عن المرأة، أو حرباً ضدّ الإرهاب. هذه ليست روايات برأيي، بل منشورات تتناول فترة زمنية معيّنة ثم تنتهي، كشعر المناسبات.
مشكلة الكُتّاب في المملكة أنهم لا يقرأون الروايات، ويكتبون الروايات مع ذلك. كما أن بعض الكُتّاب يعتقدون أن الرواية مجرد “سالفة”، ولا يعلمون أن الرواية عمل آخر تماماً، هناك ما يسمّى بالرواية النموذجية، وعلى الكاتب أن يقرأ كثيراً حتى يتطوّر ويتشكّل لديه النموذج.
“شارع العطايف” أحدثت جدلاً كبيراً بسبب جرأتها فهل تقاطعت مع الواقع؟
سؤالك أقرب ما يكون إلى السؤال النقدي، صحيح أنها تحاكي الواقع، لكن الأحداث الموجودة في الرواية خيالية، والحقيقة أن الكاتب عندما يكتب يجب أن يكون لديه ميدان، سواء كان معروفاً مثل “شارع العطايف” أو مختلقاً كحرب النجوم.
نحن في المملكة لدينا تجربة روائية عميقة، ومن ثم يفترض بالروائي أن يحاول الالتحام مع مكان معروف؛ لأن الالتحام بالمكان المعروف يُعتبر بوابة للكاتب وللرواية نفسها، حيث يدخلها في صميم المجتمع.
خذ مثالاً على ذلك مصر في الثلاثينات والأربعينات، وروايات نجيب محفوظ الذي أجاد في هذا الأمر، فحين ترى أعماله مثل خان الخليلي، وزقاق المدقّ، وغيرها، تدرك كيف جعلت المصريين يميلون إلى الرواية، لأنها ببساطة لامست واقعهم.
كذلك السينما المصرية، ففي بداياتها كانت تقلّد السينما الأميركية، لكنها لم تلق رواجاً إلا حين انتقلت إلى الواقعية، من خلال القصص المصرية الحقيقية في الريف والقاهرة وبقية المدن، حينها أصبحت ذات قيمة أكبر، لأنها تعبّر عنهم.
لماذا منعت رواية “شارع العطايف”من النشر علماً أنها رُشّحت لجائزة “بوكر” 2010؟
ما يوجد في “شارع العطايف” هو الجانب المزعج من الجنس، لن يجد القارئ أي متعة، كل ما سيجده إنسان مسحوق بسبب الجنس، سيخرج القارئ بصورة موحشة، فالرواية تقدّم العلاقات الجنسية بشكلها القبيح المدمر، وليس الممتع الذي يجذب الإنسان السوي.
أما سبب المنع فهو اسمي، بمعنى أن أي عمل يحمل اسمي يُمنع لأني كنت في صراع دائم مع “المطاوعة”، فأنا أول كاتب يكتب بشكل مباشر عن هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في المملكة، فأصبح الرقيب لا يقرأ ما هو مكتوب، يكفي أن يحمل الكتاب اسمي ليتم منعه.
لكن روايتك الأخيرة “الدحو” الصادرة عام 2021 واجهت المنع أيضاً، ثم فُسحت مؤخراً لماذا؟
دعني أخبرك أن السبب نفسه مازال مستمراً، وهو اسمي، حيث إن العمل يُمنع تلقائياً، ومن دون قراءة، فالرقيب له ميراث، والإدارة لديها قائمة بالأسماء الممنوعة، ولم يتم تحديثها، لكن بعد التواصل معهم والتأكد من خلوّها من أي محاذير تمّ فسحها.
رأيك في الدراما السعودية ربما يُغضب البعض ألا توجد دراما عندنا فعلاً؟
نعم لا توجد، أعطني اسماً لفيلم أو مسلسل، لقد استحوذت علينا الـ “اسكتشات”، فالمنتجون لا يجرؤون على الخروج منها، لأنها تُدرّ عليهم الأرباح، وتجلب الشهرة، والجميع يحاول أن يقلّد مسلسل “طاش ما طاش”، ولو لاحظت فإن أغلب المسلسلات السعودية يتم عرضها بعد المغرب في رمضان، لأنها “اسكتشات” خفيفة وحلقاتها مستقلة.
ماذا ينقصنا كي تكون لدينا دراما حديثة؟
الممثل، فمشكلتنا الأساسية أنه لا يوجد لدينا ممثلون في مجال الدراما، الممثلون السعوديون لم يكتسبوا الخبرة الكافية، ولم يتطوّروا في صناعة الدراما. يعتقد البعض أن المشكلة في الكُتّاب، وأن الكاتب هو الأهم، وهو من يصنع الدراما، لكن دور الكاتب يأتي لاحقاً.
لكن هناك حضور لافت للشباب السعودي في مجال الدراما؟
الدراما ليست تجربة فردية كالرواية التي تعبّر عن صاحبها، الدراما هي عمل جماعي، مجموعة تتضافر على المستوى الإبداعي والتقني لتُخرج العمل، كما أن الأمر يحتاج إلى التدرّج، ويحتاج إلى الدراسة فالتدريب وحده لا يكفي.
هل تتوقّع أن نرى دراما حقيقية في المستقبل؟
يتوقّف ذلك على وزارة الثقافة وهيئة الأفلام، وهيئة المسرح، فإذا ظهرت سينما ومسرح، ظهرت معها الدراما. نحن بحاجة ماسّة لتطوير المسرح، وكانت لنا بدايات في المسرح سابقاً في كلية الآداب بجامعة الملك سعود، لكنها مع الأسف دُمّرت.