أرمينيا: بلد التراث الحضاري والطبيعي وحسن الضيافة والتنوع
أرمينيا: بلد التراث الحضاري والطبيعي وحسن الضيافة والتنوع
يريفان – محمد حميد
تعرف أرمينيا ببلاد الغنى التراثي والثقافي والحضاري والمعماري، القابع في منطقة القوقاز الجبلية متوسطا قارتي آسيا وأوروبا.
وفي زيارتنا كوفد إعلامي لهذا البلد التاريخي العظيم بدعوة كريمة من وزارة الاقتصاد والسياحة، يستطيع الانسان أن يكوّن فكرة جيدة عن البلد، واهميته، من خلال جولاته فيه، أو من خلال ما يلمسه ويعرفه من سكانه، أو يتعرف عليه من مراجعه المختصة، ومن الصعب أن يخفي المرء دهشته، وانبهاره لما يكتشفه ويعرفه عن هذا البلد المميّز.
من أهم ما يمكن أن تتضمنه زيارة هذا البلد هو جبل آرارات وقمتيه الرئيسيتين – سيس وماسيس، وهذا الجبل الرائع والمذهل يمكن مشاهدته من أي مكان في يريفان تقريباً وفي أي وقت من السنة.
ثقافة الشعب الأرمني، وحسن ضيافته، ولياقته، تجعل من أرمينيا وجهة سياحية مميزة، فالأرمنيون لا يتركون فرصة تمر من دون إعداد وليمة لضيوف أو أصدقاء، وتحويل أي لقاء إلى احتفال.
وتقدّم أرمينيا نموذجاً فذّاً في عالم المأكولات، منها أقدم الأطباق الأوروبية والأعرق في منطقة جنوب القوقاز، والمطبخ الأرمني متنوع نابع من عشق الأرمن للتوابل والأعشاب والزهور البرية، وهناك دائماً مجموعة واسعة من الأطباق المحلية في العديد من المطاعم التقليدية في أرمينيا وخصوصاً في عاصمتها يريفان.
تبدأ التجربة مع الطبق الصحي المكوّن من شوربة كريمية محضّرة من اللبن الزبادي الأرمني، ثم الـ”تولما”، ورق العنب المحشو باللحم المفروم والأرز؛ والكفتة، و “تشي كفتة” وأهمها طبق “خوروڤاتس”، أضف إلى ذلك، الباستورما (لحوم مجففة متبّلة)، بالإضافة إلى مجموعة متنوعة من الأجبان. .
ولأرمينيا وجهة رائعة لممارسة رياضات المغامرات بسبب تضاريسها الجبلية وطقسها اللطيف، فهذه البلاد ملائمة جداً لممارسة هواية الطيران الشراعي والإنزلاق على الحبال وركوب المناطيد الهوائية التي تعمل بالهواء الساخن، والاستمتاع بالمشي لمسافات طويلة وتسلق جبل أراغاتس، أعلى نقطة في البلاد على ارتفاع يزيد عن 4090 متراً فوق سطح البحر.
أما بالنسبة لعشاق التزلج والتزحلق على الجليد، فإن أرمينيا هي أرض العجائب الشتوية بالمعنى الحرفي للكلمة لما تتمتع به من ظروف مناخية ممتازة لكلا النشاطين.
والحياة الليلية في أرمينيا، واحدة من أكثر المشاهد النابضة بالحيوية فيها وجزء لا يتجزأ من حياة الشباب في البلاد. بينما يزور العديد من السائحين العاصمة يريفان لاكتشاف ساحة الجمهورية ومسرح الأوبرا والباليه والمعرض الوطني لأرمينيا وماتيناداران ومواقع أخرى، فإن الحياة الليلية في هذه المدينة هي من العجائب الحقيقية. تعد النوادي والحانات والملاهي والحفلات التي تتواصل طوال الليل أمراً شائعاً للغاية.
كما يمكن اكتشاف أفضل الموسيقيين والفرق الموسيقية في المدينة، خصوصاً في “Kami Music Club”، الواقع خلف مسرح موسكو مباشرةً.
معالم
وبإمكان السياح أيضاً الاستمتاع بمجموعة متنوعة من المعالم الهندسية المعمارية الأكثر جمالاً في العالم، والبداية من وسط العاصمة يريفان، حيث فندق “توفنكجيان” العريق بهندسته المعمارية وألوان حجارته المميزة باللونين الأسود والسكري، مروراً بساحة العاصمة العامة الرائعة بهندستها وبشكلها الدائري.
يجمع الأمكنة المختلفة وسط العاصمة لون حجرها الزهري الفاتح أو البيج الذي أعطى التسمية ليريفان ب”المدينة الزهرية”، وتزدان هندستها المعمارية بالقناطر، والأعمدة، وتلفت الأنظار عدة نوافير متنوعة الأشكال والحركة.
للمتحف الوطني حضور هام بطبقاته المتعددة، يكتنز حضارات سابقة متناوبة على البلد، تعبّر عنها القطع الأثرية القديمة والنادرة كالحذاء المصنوع من الجلد والذي وجد منذ آلاف السنين بحالة جيدة في أحد الكهوف في أرمينيا.
وفي المتحف جناح خاص للأزياء التراثية عند الأرمن، وللبدلات العسكرية وبزات الجنرالات، وقطع الأسلحة النادرة والسيوف ومعدات حربية.
ويمكن مشاهدة العديد من التماثيل البرونزية لأهم الشخصيات الأرمنية.
ولا بد من جولة على معالم أثرية ودينية وعمرانية، ومنها “دير نورافانك” وهو تحفة دينية قديمة يشتهر بموقعه الجغرافي والمناظر المحيطة به، ويعتبر أحد أهم المجمعات الدينية حيث يضم عدة كنائس، ومراكز ثقافية ليكون مركزاً روحياً وتعليمياً وثقافياً في المنطقة التي يقع فيها، وقد كان مركز أهم فناني العصور الوسطى الذين أبدعوا في حياتهم، ودفنوا فيه.
ومن المعابد الهامة “معبد غارني” القائم على قمة إحدى التلال محاطاً بالجبال العالية، تفصل بينها أودية عميقة، يخرقها نهر هادر يصل صوت مياهه إلى أماكن بعيدة نظراً لقوتها.
يعرف عن معبد “غارني” إنه أشهر رمز لأرمينيا قبل المسيحية، وهو المبنى الوحيد المبني من الأعمدة في العصر اليوناني – الروماني.
أنشئ المبنى في القرن الأول الميلادي كمعبد لإله الشمس الوثني، وبعد تحول أرمينيا الى المسيحية أوائل القرن الرابع، تحوّل المعبد الى مصيف ملكي.
انهار المبنى في زلزال عام 1679، وبدأت عمليات التنقيب في الموقع في أوائل ومنتصف القرن العشرين، وتم إعادة البناء النهائي للمتحف بين عامي 1969-1975.
خزان آزات
واللافت بين الجبال وجود “خزان آزات” الكبير على ارتفاع 1050 متراً عن سطح البحر وسط سلسلة من الجبال من كل الاتجاهات.
وفي تاريخ البلد إنه في عام 301 بعد الميلاد، شرعت أرمينيا في التخلص من المعابد الوثنية والبدء في بناء عدد لا يحصى من الكنائس. ولا تزال هذه الهياكل العمرانية الرائعة قائمة حتى اليوم، تشير إلى مهارة الشعب الأرمني الشهيرة.
من هذه الهياكل “كاتدرائية إشميادزين”، وهي أول الكنائس التي يتم تشييدها في أرمينيا بالإضافة إلى أول كاتدرائية في العالم في مدينة “إشميادزين”.
وهناك “دير غيغارد” الغامض الذي يبلغ عمره أكثر من 800 عام، المنحوت جزئياً في الجبل.
ومن الأنشطة الممتعة، هناك ركوب الترام الجوي “أجنحة تاتيف”، التلفريك الذي يعد الأطول من نوعه في العالم، ثم دير “تاتيف” الذي يرجع تاريخه إلى القرن التاسع، والذي يحتل موقعاً متميّزاً على هضبة بازلتية كبيرة.
من أروع ما تتمتع به أرمينيا هي “بحيرة سيفان”، وهي الأكبر والأجمل في القوقاز، وتقع في أعالي الجبال بحيث يبدو أن سطح الماء يكاد يداعب السماء عند النظر إليه من الضفة. إنه المكان المثالي للاسترخاء في أيام الصيف الحارة.
أرمينيا هي حقاً جوهرة مخفية ووجهة سياحية لا مثيل لها. مع مثل هذا التاريخ الغني، والثقافة الاستثنائية والتنوع اللامتناهي من عوامل الجذب السياحي المتاحة، يجب أن تتربع هذه الوجهة على رأس لائحة كل سائح لاكتشاف هذه البلاد حقاً وتجربة كل ما تزخر به من روعة.