هل يستطيع اقتصاد الصين تحمل حرب تجارية جديدة مع أمريكا؟
في سياق الحديث عن الرسوم الجمركية التي يُتوقع أن يعلنها الرئيس الأمريكي المقبل دونالد ترامب، وما قد تفرضه من قيود على الاقتصاد الصيني، أشار محللون إلى أن الصين قد تلجأ إلى مزيد من التحفيز الاقتصادي، وتعزيز قطاع التصنيع، والسماح بتراجع قيمة اليوان لتعويض الآثار السلبية المحتملة التي قد تنجم عن ولاية ترامب الثانية على الاقتصاد الصيني.
وقد هنّأ الرئيس الصيني شي جينبينغ، يوم الخميس، دونالد ترامب بمناسبة انتخابه رئيساً للولايات المتحدة، داعياً إلى “تعزيز الحوار والتواصل” بين البلدين، وفقاً لوكالة “شينخوا”.
جاء الانتصار الكبير الذي حققه المرشح الجمهوري في الانتخابات الرئاسية يوم الثلاثاء ليخلق حالة من عدم اليقين في الولايات المتحدة وحول العالم.
أما بالنسبة للصين، فقد تؤدي عودة ترامب إلى البيت الأبيض إلى تغيير في العلاقات الصينية-الأمريكية التي شهدت توتراً في السنوات الأخيرة بسبب العديد من القضايا الخلافية، بما في ذلك تايوان، التجارة، حقوق الإنسان، والتنافس بين البلدين في مجال التكنولوجيا المتقدمة.
إلى جانب أزمة تفاقم عدم البيع وتوقف القطاع، ساهم فشل الشركات الكبرى في تطوير العقارات في الوفاء بالتزاماتها في زيادة الضغوط على الاقتصاد الصيني.
إجراءات شاملة لتعزيز الطلب المحلي
وفي هذا السياق، أشار دينيس شين، كبير خبراء الاقتصاد في شركة “سكوب” للتقييمات، إلى أن “الصين ستشهد نمواً أبطأ نتيجة لإدارة ترامب الثانية، على الرغم من أن هذه الخسائر ستعوض جزئياً من خلال التحفيز المالي والنقدي”.
كرر الرئيس الأميركي المنتخب، دونالد ترمب، تهديداته بفرض رسوم جمركية تصل إلى 60% على السلع الصينية، مما قد يؤدي إلى تقليص التجارة بين الولايات المتحدة والصين ويؤثر سلباً على الصادرات التي كانت تمثل نقطة مضيئة نادرة للاقتصاد الصيني هذا العام.
هذا الأمر قد يعقد جهود بكين في استقرار اقتصادها الذي يعاني من ركود في سوق العقارات منذ سنوات، بالإضافة إلى الضغوط الانكماشية المستمرة.
وقد زاد احتمال تصاعد الحرب التجارية من التوقعات بأن تتخذ السلطات الصينية إجراءات تحفيزية أكثر قوة لتعزيز الطلب المحلي، لتعويض أي تراجع في الصادرات.
أثارت الحزمة المالية التي تم الإعلان عنها يوم الجمعة الماضي خيبة أمل المستثمرين الذين كانوا يتطلعون إلى إجراءات أكثر مباشرة لتعزيز الاستهلاك، على الرغم من أن وزير المالية، لان فو آن، أشار إلى إمكانية اتخاذ خطوات أكثر جرأة في العام المقبل.
توقع العديد من محللي الاقتصاد أن تقوم الصين بزيادة العجز الكبير في الموازنة كاستجابة لإعادة انتخاب ترامب، وهو ما يعد من بين الخيارات السياسية الأكثر طرحًا في الاستطلاعات. ومن المتوقع أن يتبع ذلك تخفيف السياسة النقدية، بالإضافة إلى مزيد من تدابير دعم الإسكان وزيادة الاستثمار في التصنيع المتقدم. ومع ذلك، لم يذكر سوى عدد قليل من المحللين أن المساعدات النقدية المباشرة كانت مطروحة للنقاش.
أفاد أكثر من نصف المشاركين في الاستطلاع بأن بكين قد تقوم بتخفيض قيمة اليوان، مما سيساهم في تعزيز تنافسية الصادرات الصينية ويساعد في تعويض بعض التعريفات الجمركية المحتملة. ومع ذلك، اختلف المحللون الاقتصاديون بشكل كبير حول مدى تأثير أي تخفيض في قيمة العملة، حيث تراوحت التقديرات بين 7.3 و8 يوانات مقابل الدولار الواحد بحلول عام 2025.
وفي هذا السياق، أشارت يون سون، المديرة المشاركة لبرنامج الصين وشرق آسيا في مركز ستيمسون للأبحاث في واشنطن، إلى أن دونالد ترامب يسعى إلى “استعادة توازن معين في التبادلات التجارية بين الولايات المتحدة والصين”. وأضافت: “مع ميله إلى ممارسة ضغط أكبر قبل التوصل إلى اتفاق، أتوقع أن يفرض هذه الرسوم الجمركية”.
وبحسب محضر المكالمة الهاتفية التي أجراها شي مع ترامب، والذي نشره الإعلام الرسمي الصيني، أعرب الرئيس الصيني عن أمله في أن “يتمسك الجانبان بمبادئ الاحترام المتبادل والتعايش السلمي والتعاون المربح لكليهما”. كما دعا الرئيس الصيني البلدين إلى “تعزيز الحوار والتواصل بينهما، وإدارة خلافاتهما بشكل مناسب، وتطوير التعاون المتبادل المنفعة”.
محاولات صينية لتجنب صدمات خارجية جديدة
التقى شي جينبينغ ودونالد ترامب أربع مرات، حيث أعرب الرئيس الأمريكي المنتخب حديثًا عن تقديره لـ “العلاقة القوية جدًا” التي تجمعه بالرئيس الصيني.
كما أشار إلى أنه يمكنه إقناع ترامب بعدم القيام بعملية عسكرية ضد تايوان من خلال فرض رسوم جمركية تصل إلى 150% على المنتجات الصينية.
وذكر بعض المحللين الاقتصاديين، مثل رايموند يونغ من بنك “أي أن زد”، أن بكين تفضل الحفاظ على استقرار قيمة عملتها بدلاً من الانخراط في خفض تنافسي لقيمتها.
يمكن أن يؤدي ضعف قيمة اليوان إلى زيادة تدفقات رأس المال إلى الخارج، مما قد يثبط عزيمة المستثمرين في دولة من المتوقع أن تشهد أول تدفق صافٍ سنوي للاستثمار الأجنبي المباشر منذ عام 1990 على الأقل.
وفي الآونة الأخيرة، تم تداول اليوان في الأسواق الخارجية عند مستوى 7.25 مقابل الدولار، وهو أدنى مستوى له منذ أغسطس الماضي.
يمكن أن تدفع الرسوم الجمركية التي فرضها ترمب الصين إلى تعزيز علاقاتها مع شركاء تجاريين آخرين، مثل دول جنوب شرق آسيا وحتى الاتحاد الأوروبي، الذي اتبع نهج الولايات المتحدة في زيادة الحواجز التجارية للحد من تدفق السلع الصينية الرخيصة.
بينما يرى البعض أن المصنعين الصينيين قد يزيدون من استثماراتهم في مواقع الإنتاج الخارجية لتفادي الرسوم الأميركية وحماية أنفسهم من الصدمات التجارية، حذر آخرون من أن سعي المصدرين الصينيين لزيادة مبيعاتهم إلى دول أخرى لتعويض خسائرهم في السوق الأميركية قد يؤدي إلى ردود فعل قوية من تلك الدول، مما قد يزرع بذور حرب تجارية متصاعدة على عدة جبهات بالنسبة لبكين.
هل يمكن للاقتصاد الصيني مواجهة سيناريو جديد مشابه؟
تواجه الصين تحديات كبيرة، حيث تعاني من تباطؤ في الاستهلاك وتواجه أزمة حادة في قطاع العقارات، نتيجة لمديونية بعض المطورين وانخفاض الأسعار في السنوات الأخيرة.
في هذا الإطار، يجتمع المسؤولون في البرلمان الصيني هذا الأسبوع في بكين لوضع خطة لإنعاش الاقتصاد.
ويشير المحللون إلى أن فوز دونالد ترامب قد يدفع القادة الصينيين إلى تعزيز هذه الخطة، خاصة لمواجهة الرسوم الجمركية الإضافية التي هدد ترامب بفرضها في المستقبل.
وإذا قام ترامب بتنفيذ تهديداته، فإن هذه الرسوم الجمركية الكبيرة قد تشمل بضائع صينية تصل قيمتها إلى 500 مليار دولار تُصدّر إلى الولايات المتحدة، وفقًا لشركة “باين بريدج إنفستمنتس”.