هل أصبح الاقتصاد هو المرشح الثالث في سباق الانتخابات الامريكية
تجذب الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة اهتماماً عالمياً كبيراً، حيث تشتد المنافسة بين الرئيس السابق الجمهوري دونالد ترمب ونائبة الرئيس الحالية والمرشحة الديمقراطية كامالا هاريس على منصب الرئاسة. هذه الانتخابات قد تؤثر بشكل كبير على مستقبل الاقتصاد الأميركي، الذي يعد الأكبر في العالم، خاصة في ظل التحديات العديدة التي تواجه نموه.
تتصدر نائبة الرئيس كامالا هاريس والرئيس السابق دونالد ترمب الاقتراع المقرر يوم الثلاثاء، بينما يأتي الاقتصاد في المرتبة الثالثة ضمن أولويات المعركة الانتخابية، حيث شكل محوراً رئيسياً في الحملتين وأسهم في إبقاء السباق الانتخابي متقارباً للغاية.
أكد محللون وخبراء اقتصاديون أن الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة تمثل حدثًا محوريًا يؤثر بشكل كبير على الاقتصاد الأميركي والأسواق المالية. وأشاروا إلى أن اختلاف السياسات الاقتصادية بين المرشحين الحاليين قد يؤدي إلى تأثيرات متنوعة على القطاعات الاقتصادية وثقة المستثمرين.
تتناول السياسات الاقتصادية للمرشحين قضايا حيوية، حيث تربط كامالا هاريس سياساتها بسجل إدارة الرئيس جو بايدن، لكنها تقترح أيضًا مبادرات جديدة تهدف إلى تحسين الوضع المالي للطبقة المتوسطة والعائلات ذات الدخل المنخفض، من خلال ما تسميه “اقتصاد الفرص”.
لكن تأثير الاقتصاد على النتائج ليس بالأمر البسيط. من جهة، يشهد الاقتصاد نمواً مستمراً، مما أدى إلى خلق ملايين من فرص العمل وزيادة الأجور. ومن جهة أخرى، ارتفعت الأسعار بشكل ملحوظ منذ تولي الرئيس جو بايدن منصبه، مما أثر سلباً على القدرة الشرائية، وهو ما ينعكس على مزاج الأميركيين.
تحديات النتائج المتقاربة والسيناريوهات المتوقعة
وفيما يتعلق بالقطاعات الاقتصادية التي قد تشهد تغييرات ملحوظة، أوضح نادر حداد أن القطاعين الصناعي والتجاري هما الأكثر تأثراً بالسياسات التجارية والتعريفات الجمركية، حيث إن فرض تعريفات مرتفعة قد يضر بالشركات التي تعتمد على المواد الخام المستوردة. كما أشار حداد إلى أن قطاع الطاقة قد يتأثر أيضاً بالسياسات البيئية، حيث إن فوز مرشح يدعم الطاقة النظيفة قد يؤدي إلى تراجع في صناعة الوقود الأحفوري.
بالإضافة إلى ذلك، قد يتأثر قطاع الرعاية الصحية بالسياسات المتعلقة بالتأمين الصحي والإنفاق على الرعاية الصحية. وأكد حداد أن التوجهات السياسية للمرشحين تلعب دوراً في ثقة المستثمرين، من خلال تحديد مستوى الاستقرار والتوقعات المستقبلية للاقتصاد. وأشار إلى أن السياسات التي تدعم الأعمال وتقلل الضرائب قد تعزز من ثقة المستثمرين.
لم تركز هاريس على أرقام الوظائف والنمو، بل وجهت رسالتها نحو ما تسميه “اقتصاد الفرص”. في المقابل، تعهد ترمب بفرض مجموعة من التخفيضات الضريبية والرسوم الجمركية، مقدماً صورة أكثر تشاؤماً عن الاقتصاد. وفي عطلة نهاية الأسبوع، حذر من أن فوز هاريس قد يؤدي إلى “ركود اقتصادي مشابه لعام 1929”.
كان تقييم الأميركيين للاقتصاد منخفضاً خلال إدارة بايدن، نتيجة الإحباط الناجم عن ارتفاع الأسعار. ومع ذلك، يظهر تأثير الانقسام الحزبي الحاد، حيث تُظهر استطلاعات جامعة ميشيغان أن الجمهوريين يرون الاقتصاد في حالة أسوأ مما كان عليه حتى خلال فترة الجائحة في العام الأخير من رئاسة ترمب، بينما يعتقد الديمقراطيون أنه في حالة أفضل مقارنة بعهد ترمب.
تعهدت هاريس بتخفيض الضرائب على العائلات ذات الدخل المتوسط والمنخفض، بالإضافة إلى تقديم إعفاءات ضريبية لأصحاب الأعمال الصغيرة والمبتكرين. وفي المقابل، تدعو إلى زيادة معدل الضرائب على الشركات الكبرى من 21% إلى 28% بهدف تحقيق العدالة الضريبية.
أما في مجال التجارة، فتتبنى هاريس النهج الحالي للإدارة، مع الاستمرار في استخدام التعريفات الجمركية لتعزيز التنافسية المحلية، خاصة مع الصين. كما تروج للاستثمارات في البنية التحتية والطاقة المتجددة كجزء من خطتها لتعزيز الاقتصاد.
من جهته، يعتمد ترمب في حملته على استعادة سجله الاقتصادي قبل جائحة كورونا، مع تقديم وعود بمزيد من التخفيضات الضريبية وتقليل اللوائح التنظيمية لتحفيز النمو الاقتصادي.
ووعد ترمب بخفض تكاليف الطاقة من خلال توسيع عمليات التنقيب عن النفط والغاز وإلغاء القوانين البيئية التي يعتبرها عائقًا أمام النمو الاقتصادي. ومع ذلك، يواجه انتقادات بأن سياساته المقترحة، مثل فرض تعريفات جمركية واسعة النطاق وترحيل المهاجرين، قد تؤدي إلى زيادة التكاليف على المستهلكين.
كما تعهد ترامب بتمديد وتوسيع تخفيضات الضرائب التي تم إقرارها في عام 2017، بما في ذلك خفض معدل الضرائب على الشركات إلى 15% للشركات التي تنتج داخل الولايات المتحدة. بالإضافة إلى اقتراحه بإلغاء الضرائب على الضمان الاجتماعي والعمل الإضافي، وهي سياسات من المتوقع أن تسهم في زيادة العجز المالي.
السياسة التجارية بين واشنطن وأوروبا
يشير الخبراء إلى أن العلاقات التجارية ستظل قضية معقدة بين واشنطن وبروكسل، بغض النظر عن الفائز في الانتخابات. من المتوقع أن يواجه الاتحاد الأوروبي تحديات كبيرة في موازنة علاقاته مع الولايات المتحدة والصين، حيث تُعتبر الصين ثاني أكبر شريك تجاري للاتحاد بعد الولايات المتحدة، وبلغت قيمة التجارة الثنائية بين الصين وأوروبا حوالي 739 مليار يورو في عام 2023.
وقد يُضطر الاتحاد الأوروبي إلى إعادة تقييم تعاملاته التجارية مع الصين إذا ضغطت واشنطن على دوله لتقليص تلك العلاقة، سواء كان ذلك تحت قيادة ترمب أو هاريس.
بالإضافة إلى ذلك، قد تكون “السياسة الخضراء” نقطة خلاف أخرى بين الجانبين. ففوز هاريس قد يعزز من الاتفاقات البيئية مع الاتحاد الأوروبي، بينما قد يستمر ترمب في موقفه المتشكك تجاه القضايا البيئية، مما قد يؤدي إلى تفاقم التوترات بين واشنطن وبروكسل بشأن الالتزامات المناخية والاستدامة.
تعكس هذه الانتخابات عمق الانقسام داخل الولايات المتحدة، وتأثير ذلك في الاقتصاد العالمي. تتجه الأنظار نحو المرشحَين وسياساتهما، وسط ترقب العالم لمعرفة ما ستؤول إليه تلك النتائج، خصوصاً أن تأثيراتها الاقتصادية قد تمتد لتُشكِّل تحولات رئيسية في النظام الاقتصادي العالمي، وتؤثر في علاقات الدول ومصالحها التجارية.