شهدت أسعار المعدن النفيس في مصر ارتفاعاً تجاوز 28% منذ بداية عام 2024، على الرغم من الانخفاض الحاد الذي تعرضت له قيمة الذهب في شهر نوفمبر الماضي.
وفي سياق متصل، ارتفعت أسعار الذهب في الأسواق المحلية المصرية ، تزامناً مع عطلة نهاية الأسبوع للبورصات العالمية، بعد أن أنهت الأوقية تعاملات نوفمبر بتراجع بلغ 3.5%.
ورغم ذلك، تقترب الأسواق المحلية من تسجيل خسارة شهرية تقدر بحوالي 100 جنيه (2.02 دولار) خلال نوفمبر، بعد أن انخفض سعر الغرام إلى أدنى مستوى له عند 3545 جنيهاً (72 دولاراً).
تجدر الإشارة إلى أن المعدن النفيس شهد خسائر كبيرة في نوفمبر الماضي، عقب إعلان فوز الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب في الخامس من الشهر ذاته. جاء ذلك نتيجة لمقترحاته التي تعزز التضخم، مثل فرض الرسوم الجمركية وخفض الضرائب، بالإضافة إلى التوقعات بأن السياسة المالية للإدارة الأميركية الجديدة ستكون توسعية. وهذا قد يمنع البنك الفيدرالي من الاستمرار في تخفيف السياسة النقدية (خفض أسعار الفائدة).
كما أظهر تقرير صادر عن المجلس العالمي للذهب، وهو منظمة دولية خاصة تتابع تطورات أسعار الذهب وتعمل كـ«لوبي» أو «نادي مصالح» يجمع جميع المتعاملين في الصناعة بدءًا من المناجم وصولًا إلى تجار التجزئة، تراجع إقبال المصريين على شراء المعدن الأصفر خلال الربع الثالث من العام الحالي، الذي انتهى في 30 سبتمبر الماضي.
يكشف تقرير المنظمة التي تتخذ من العاصمة البريطانية مقراً لها عن انخفاض الطلب على المشغولات الذهبية بنسبة 19% مقارنة بالربع نفسه من العام الماضي.
أسباب ارتفاع الذهب
ويعزو التقرير هذا الانخفاض في الطلب في مصر إلى الاضطرابات الإقليمية التي يشهدها الشرق الأوسط منذ حوالي عام، بالإضافة إلى أن مبيعات المشغولات الذهبية سجلت أكبر تراجع لها منذ الربع الثاني من عام 2020، الذي شهد انتشار جائحة كوفيد-19. كما أشار التقرير إلى أن انخفاض حيازة المصريين للذهب يعود إلى الظروف الاقتصادية الصعبة التي تمر بها مصر، مما أدى إلى تقليص فائض الدخل الذي يمكن المستهلكين من استثماره في هذا المعدن الثمين.
شهدت مصر اضطرابات اقتصادية حادة في نهاية عام 2023 وبداية عام 2024 نتيجة نقص حاد في الدولار الأميركي ووجود أسعار صرف متعددة. حيث فرضت السوق الموازية أسعارها، ليصل سعر الدولار الأميركي في منتصف فبراير إلى حوالي 70 جنيهاً في هذه السوق، بفارق يزيد عن ضعف سعره في البنوك. وقد أدى ذلك إلى تسعير الذهب وفقاً لأسعار السوق الموازية، ليصل سعر كل غرام من المعدن الأصفر إلى نحو 5000 جنيه في تلك الفترة. ولم تنتهِ هذه الأزمة إلا بعد الإعلان عن صفقة رأس الحكمة، التي قامت الإمارات بموجبها بضخ 35 مليار دولار أميركي في مصر.
أدت حالة انعدام اليقين التي سبقت الإعلان عن صفقة رأس الحكمة إلى دفع العديد من المستثمرين إلى التحوط بالذهب والدولار الأمريكي لحماية مدخراتهم من التآكل، وذلك بسبب المخاوف من ارتفاع سعر الدولار إلى 100 جنيه والتضخم الذي بلغ مستويات قياسية في سبتمبر من العام الماضي، حيث سجل التضخم 38% مقارنة بنفس الشهر من عام 2022.
يشير التقرير إلى أن مصر شهدت أعلى مستوى من الطلب على الذهب خلال الربع الأول من العام الحالي، حيث بلغ 8000 كيلوغرام. لكن الطلب تراجع في الربع الثاني إلى 6800 كيلوغرام، واستمر في الانخفاض في الربع الثالث ليصل إلى 5100 كيلوغرام، مما يعكس تراجعاً بنسبة 19% مقارنة بالربع المماثل من عام 2023، و25% انخفاضاً في الطلب مقارنة بالربع الذي انتهى في 30 يونيو.
على المستوى العالمي، يواصل الذهب تحقيق أرقام قياسية جديدة منذ ديسمبر الماضي، حيث وصل سعر الأوقية اليوم إلى 2782.6 دولار أميركي وفقاً لموقع جولد برايس، محققاً زيادة بنسبة 4 في المئة منذ بداية الشهر الحالي. كما حقق حائزو الذهب أرباحاً تقدر بنحو 39 في المئة مقارنة بالعام الماضي.
ويتوقع المراقبون والمستثمرون في المعدن الأصفر أن يتجاوز سعر الأوقية 3000 دولار أميركي خلال الأشهر القليلة القادمة.
رفض نادي نجيب، سكرتير عام شعبة الذهب بالاتحاد العام للغرف التجارية، الاتهامات الموجهة لتجار الذهب، مشيراً إلى أنه “لم يتم تقديم أي دليل يثبت صحتها”.
وأوضح نجيب أن “الذهب سلعة عالمية حساسة للغاية، وليست محلية، حيث تتأثر بعدد من العوامل مثل أسعار النفط، والدولار، والبورصات العالمية، والأحداث الدولية، بالإضافة إلى الحالة الاقتصادية لكل دولة”.
وأشار نجيب إلى أن عدم نجاح تجربة صندوق الذهب في التأثير بشكل إيجابي على سوق الذهب، بالإضافة إلى إقبال العديد من القطاعات على شراء الذهب كملاذ آمن خلال فترات الاضطرابات الاقتصادية، هو ما يقف وراء الحملة ضد تجار الذهب.
كما أكد نجيب أنه لا يمكن للتجار المحليين، مهما كانت قوتهم، التحكم في الأسعار في ظل سيطرة آليات العرض والطلب، نافياً مسؤولية التجار عن الارتفاعات القياسية للأسعار.
رأى أن الاتهامات الموجهة لتجار الذهب لن تؤدي إلى إنهاء الأزمة، بل ستساهم في رفع الأسعار، حيث أن إغلاق مئات المحلات والتوقف عن تحديد الأسعار سيزيد من تفاقم المشكلات في سوق الذهب بشكل عام.
وأشار إلى أن الحكومة تسعى دائمًا للبحث عن شماعة لتبرير إخفاقاتها في معالجة أزمة الدولار، مضيفًا أن “الحل الذي وجدته هو تحميل تجار الذهب مسؤولية ارتفاع أسعار الذهب والدولار”.
عبّر المتحدث عن استغرابه من تكرار الاتهامات المتعلقة بـ “العثور على كميات من السبائك الذهبية والدولارات ومبالغ مالية كبيرة لدى التجار”، متسائلاً باندهاش: “ماذا يمكن أن يحتفظ به التجار بخلاف هذه الأشياء؟”، مشيراً إلى أن هذه الاتهامات تضر بالاستثمار والسوق، مما يؤدي إلى توقف عمليات البيع وصعوبة تحديد الأسعار، وفقاً لما ذكره.
سخر بشدة من الاتهامات الموجهة للتجار بشأن مسؤوليتهم عن ارتفاع سعر الدولار، مشدداً على أن البنك المركزي هو الذي يتحكم في تدفق الدولارات إلى المستوردين والتجار. لذا، فإنه من غير المنطقي تحميل التجار وزر ارتفاع أسعار الذهب وتراجع قيمة الجنيه. وأكد أن الحملة ضد التجار ستزيد من تفاقم الأزمة.
الدولار وتاثيرة علي ارتفاع الذهب
أوضح الدكتور هاني بشير، الخبير الاقتصادي المتخصص في المال والأسواق المالية العالمية، أن الارتفاع غير المسبوق في أسعار الذهب يعود إلى مجموعة من العوامل الاقتصادية العالمية، مثل التضخم المتزايد، والتوترات الجيوسياسية، وتوقعات تباطؤ الاقتصاد العالمي.
وأشار بشير إلى أن استقرار الجنيه المصري في الفترة الأخيرة يعود إلى جهود البنك المركزي المصري، الذي تمكن من تثبيت أسعار الفائدة للحفاظ على استقرار العملة.
وفيما يتعلق بكيفية التعامل مع الزيادة الكبيرة في أسعار الذهب، نصح بشير المستثمرين بتوزيع محفظة استثماراتهم والاحتفاظ بالذهب كجزء منها، مع تجنب اتخاذ قرارات مفاجئة بشأن البيع أو الشراء. وأكد أن استثمار الأموال في الذهب ينبغي أن يكون جزءًا من استراتيجية استثمارية طويلة الأجل.