عجز دولي: أكثر من4.7 ملايين وظيفة شاغرة في الأمن السيبراني حول العالم
– الذكاء الاصطناعي يعزز الحماية ولا يعوض نقص الكفاءات البشرية
– 86% منالمؤسسات عالميًا تتعرض لاختراقات سيبرانية
كشف تقرير تقني دولي حديث عن تصاعد غير مسبوق في الهجمات السيبرانية وارتفاع كلفتها على مستوى العالم خلال العام الماضي، حيث أظهرت النتائج أن 86% من المؤسسات تعرّضت لاختراق واحد على الأقل في عام 2024، فيما واجهت 28% منها خمسة اختراقات أو أكثر. وتشير هذه الأرقام إلى ارتفاع واضح مقارنة بعام 2021 الذي سجل 80% و19% على التوالي.
ويدعو التقرير أسباب هذا التصاعد إلى اتساع فجوة المهارات المتخصصة في الأمن السيبراني، حيث أكد أكثر من نصف المشاركين من مسؤولي تقنية المعلومات أن نقص الكفاءات والخبرة العملية يمثل العامل الأبرز وراء زيادة معدلات الاختراق.
الذكاء الاصطناعي في المواجهة
وبيّن التقرير الذي أصدرته شركة “فورتينت” المتخصصة في حلول الأمن السيبراني، والمبني على استطلاع شمل نحو 1850 من مسؤولي تقنية المعلومات والأمن السيبراني حول العالم، أن نحو 97% من المؤسسات حول العالم تعتمد حاليًا أو تخطط لاستخدام حلول أمنية مدعومة بالذكاء الاصطناعي، خصوصًا في مجالات كشف التهديدات والاستجابة للحوادث، بينما يرى 87% من المتخصصين أن هذه التقنيات أسهمت في دعم فرق الأمن دون أن تحل محلهم.
وبحسب التقرير، فإن الذكاء الاصطناعي أصبح في آن واحد أداة للحماية ووسيلة للهجوم، إذ يستخدم في تطوير أساليب أكثر تعقيدًا للاختراق، ما يجعل الاعتماد على التقنية وحدها دون وجود خبرات بشرية مؤهلة غير كاف. وأوضح أن 76% من المؤسسات التي تعرضت لهجمات متعددة كانت تمتلك أدوات ذكاء اصطناعي، ما يؤكد الحاجة إلى مزيج متكامل من التقنية والعنصر البشري.
عجز عالمي متزايد
وأشار التقرير إلى وجود عجز عالمي يتجاوز 4.7 ملايين وظيفة شاغرة في تخصصات الأمن السيبراني، ما يترك فجوات شديدة الخطر في منظومات الحماية على مستوى الدول والمؤسسات. كما أفادت 52% من المؤسسات أن الهجمات الإلكترونية كبّدتها خسائر مالية تتجاوز مليون دولار خلال عام 2024، وهي نسبة ثابتة مقارنة بالعام السابق، لكنها تمثل قفزة كبيرة عن عام 2021 التي سجلت 38%.
وأوضح التقرير أن هذا النقص الحاد في الكفاءات يجعل المؤسسات أكثر عرضة للمخاطر، في ظل تنامي موجة الهجمات التي تستهدف البنى التحتية الحيوية والمؤسسات المالية وشركات الطاقة على وجه الخصوص.
السعودية في دائرة الاستهداف
وفي المملكة العربية السعودية، رصد التقرير أن القطاعات الحكومية والمالية وقطاع الطاقة من بين أكثر القطاعات استهدافًا للهجمات السيبرانية، لا سيما تلك القائمة على التصيّد وانتحال الهوية واستخدام أدوات الذكاء الاصطناعي للهجوم.
ورغم الخطوات التنظيمية المتقدمة التي نفذتها المملكة، مثل الضوابط الأساسية للأمن السيبراني (ECC)، فإن وتيرة نمو التهديدات الرقمية تستدعي زيادة سرعة تأهيل الكفاءات الوطنية وتوسيع برامج التدريب المتخصصة لمواكبة التطورات التقنية العالمية.
دعم التحول الرقمي
قال كارل ويندسور، كبير مسؤولي أمن المعلومات في شركة فورتينت المعدة للتقرير، إن النتائج تؤكد أن فجوة المهارات تمثل تحديًا متزايدًا أمام الاستقرار الرقمي، مضيفًا: “استمرار نقص الكفاءات يؤدي إلى ارتفاع معدلات الاختراق وكلفتها المالية، ويؤثر في قدرة المؤسسات على حماية أعمالها. الاستثمار في تطوير المواهب المتخصصة أصبح ضرورة استراتيجية لضمان أمن الاقتصاد الرقمي حول العالم.”
من ناحيته، أكد سامي الشويرخ، المدير الإقليمي الأول في فورتينت، أن الأمن السيبراني بات عنصرًا أساسيًا في دعم التحول الرقمي والمرونة الوطنية ضمن مستهدفات رؤية المملكة 2030، وقال: “الذكاء الاصطناعي يرفع من كفاءة الدفاعات، لكنه لا يغني عن العنصر البشري. تمكين الكفاءات الوطنية وتزويدها بالمهارات العملية هو الأساس لتحقيق أمن رقمي مستدام للمملكة.”
برامج وطنية رائدة
وسلط التقرير الضوء على المبادرات السعودية الرامية إلى تعزيز القدرات المحلية في الأمن السيبراني، وفي مقدمتها الأكاديمية السعودية الرقمية، وبرامج تطوير القوى العاملة الوطنية في الأمن السيبراني، إلى جانب الشراكات بين القطاعين العام والخاص لتوسيع نطاق التدريب وإعداد جيل جديد من المتخصصين في الذكاء الاصطناعي والتحليل السيبراني.
كما أشار إلى الجهود الدولية في هذا المجال، لافتًا إلى الالتزام بتدريب مليون متخصص عالميًا بحلول عام 2026 من خلال معهد فورتينت للتدريب، الذي يقدّم شهادات مهنية متخصصة وبرامج تدريبية تركز على التقنيات الحديثة والهجمات المدعومة بالذكاء الاصطناعي من الجيل الجديد.
وعي إداري متنام
ولفت التقرير إلى تحسن مستوى الوعي المؤسسي حول أهمية الأمن السيبراني، إذ أكد 76% من مجالس إدارات المؤسسات أنها رفعت مستوى تركيزها على هذا الملف خلال 2024، فيما اعتبرت 96% من المؤسسات الأمن السيبراني أولوية تشغيلية و95% أولوية مالية.
ومع ذلك، يرى 49% فقط من المشاركين أن مجالس إداراتهم تمتلك فهمًا كافيًا للمخاطر المرتبطة باستخدام الذكاء الاصطناعي، في حين يرى الخبراء أن هذه الفجوة المعرفية قد تعيق التنفيذ السليم لاستراتيجيات الحماية المتقدمة.
أهمية الشهادات المهنية
ولفت التقرير إلى أن 89% من صناع القرار يفضلون توظيف مرشحين يحملون شهادات مهنية معترفًا بها، لما توفره من ضمان للمهارة الفنية والقدرة على التعامل مع بيئة التهديدات المتغيرة، بينما تراجعت نسبة المؤسسات التي تموّل تدريب موظفيها للحصول على هذه الشهادات إلى 73% مقارنة بـ89% في عام 2023، ما يشير إلى الحاجة لإعادة تفعيل برامج الدعم والتحفيز في هذا المجال.
نحو اقتصاد رقمي آمن
واختتم التقرير بالتأكيد على أن سد فجوة مهارات الأمن السيبراني يمثل ضرورة إستراتيجية لحماية الاقتصاد الرقمي العالمي وضمان استمرارية الأعمال، داعيًا إلى اعتماد نهج متكامل يجمع بين تطوير الكفاءات، وتوسيع نطاق التدريب، واستخدام الذكاء الاصطناعي بشكل متوازن، بما يعزز جاهزية الدول والمؤسسات لمواجهة التهديدات الرقمية المتطورة ويضمن أمن المجتمعات المستقبلية.



