خفض أسعار الفائدة… وتاثيرها علي الاقتصاد الخليجي
مع تزايد التوقعات بخفض «الاحتياطي الفيدرالي» الأميركي لأسعار الفائدة مجددًا خلال اجتماعه المقرر يوم الخميس، تتوجه الأنظار نحو تأثير هذا القرار، الذي يأتي بعد الانتخابات الأميركية، على اقتصادات دول الخليج وبنوكها.
ستعقد اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة في «الاحتياطي الفيدرالي» اجتماعًا يستمر يومين، بدءًا من يوم الأربعاء، حيث يُتوقع أن تُعلن في نهايته عن خفض أسعار الفائدة الفيدرالية بمقدار 25 نقطة أساس. ومن المتوقع أن يتزامن هذا مع خفض مماثل للفائدة من قبل المصارف المركزية الخليجية المرتبطة عملاتها بالدولار، باستثناء الكويت التي تعتمد على سلة من العملات.
أفادت الخبراء في “ستاندرد آند بورز”، بأن أسعار الفائدة المنخفضة ينبغي أن تعزز الاقتصادات غير النفطية في دول الخليج من خلال دعم الطلب على الائتمان وقطاعات مثل العقارات والبناء. وتوقعت أن يصل متوسط النمو في دول الخليج إلى 3.3% خلال الفترة من 2024 إلى 2027، مقارنةً بـ1% في عام 2023، مدعومًا بالنشاط القوي في القطاع غير النفطي وزيادة إنتاج النفط.
بعد أن وصلت أسعار الفائدة إلى أعلى مستوياتها منذ عدة سنوات في محاولة للحد من أسوأ موجة تضخم شهدها العالم منذ جيل، تواجه المصارف المركزية الآن ضغوطًا كبيرة لتغيير هذا الاتجاه. ومن بين البنوك المركزية الكبرى التي بدأت بالفعل اتخاذ خطوات نحو سياسة نقدية أكثر مرونة، نجد بنك كندا، والبنك المركزي الأوروبي، والبنك المركزي السويسري.
وبالتالي، يمكن القول إن التقدم نحو خفض التضخم، بالإضافة إلى الارتياح الذي يوفره التيسير المالي من قبل البنوك المركزية، يمثلان “اليقين” الاقتصادي الوحيد لهذا العام، في ظل الظروف الجيوسياسية القاتمة التي تعاني منها العديد من المناطق حول العالم، والتي تُعتبر من أبرز المخاطر التي تهدد الاقتصادات والأسواق العالمية.
يعتبر السؤال حول توقيت وقوة انتعاش النمو ذا أهمية خاصة للأسواق المالية، وكذلك للمسار المتوقع لأسعار الفائدة. يعتمد تسعير الفائدة أيضاً على الإجابة عن سؤال محوري: هل هناك مخاطر سلبية مرتبطة بسيناريو الهبوط الناعم في الولايات المتحدة؟ يشير هذا السيناريو إلى أنه بعد تشديد السياسة النقدية بشكل كافٍ، يمكن أن يعود التضخم إلى المستوى المستهدف دون حدوث ركود اقتصادي أو زيادة كبيرة في معدل البطالة.
ومع ذلك، فإن هذا يتطلب الحذر من ظهور الاختناقات والمخاطر المرتبطة بتوقعات التضخم بسرعة، بمجرد أن يبدأ النشاط في الارتفاع، مما يستدعي إعادة تقييم توقعات السياسة النقدية، وإنهاء مبكر للتيسير النقدي وزيادة في عائدات السندات.
قطاع مصرفي قوي
قد يتأثر التحسن الملحوظ في أداء القطاع المصرفي بدول مجلس التعاون الخليجي إذا استمر تراجع ضغط التضخم في الولايات المتحدة، واستمر الاحتياطي الفدرالي في سياسته التيسيرية. فهذان العاملان قد يؤديان إلى تقليص أرباح البنوك.
وتواجه دول مجلس التعاون الخليجي تحديًا في قدرتها على مواكبة السياسة النقدية للفدرالي الأميركي دون التأثير سلبًا على نموها الاقتصادي. خاصة وأنها تسعى حاليًا إلى تنويع مصادر اقتصاداتها وتعزيز قطاع مصرفي قوي قادر على تمويل الأنشطة الاقتصادية غير النفطية، مما سينعكس إيجابًا على النمو في هذا القطاع.
ومع ذلك، هناك قلق متزايد بشأن ارتفاع مخاطر التضخم نتيجة لصدمات خارجية قد تؤثر على أسعار السلع الأساسية وغيرها. على سبيل المثال، قد تؤدي التوترات الجيوسياسية في منطقة الشرق الأوسط إلى تعطيل حركة التجارة عبر البحر الأحمر وخليج عدن، مما قد يرفع تكاليف الشحن. وتشير تحليلات صندوق النقد الدولي إلى أن زيادة تكاليف الشحن قد تؤدي إلى ارتفاع معدل التضخم بمقدار 0.7 نقطة مئوية.
رغم هذه التحديات، تبدو التوقعات لدول مجلس التعاون الخليجي أكثر تفاؤلاً مقارنة ببقية دول العالم، وذلك بفضل إلغاء تخفيضات إنتاج النفط، واستمرار أسعار النفط في مستويات مرتفعة على الصعيد الدولي، بالإضافة إلى نمو القطاعات الاقتصادية غير النفطية. ولا شك أن معدلات التضخم المعتدلة وقرار البنوك المركزية بتخفيف القيود على السياسات النقدية اعتباراً من النصف الثاني من العام الحالي سيساهمان في تعزيز هذا النمو في تلك الدول.
من المحتمل أن يكون تأثير خفض أسعار الفائدة محايداً إلى حد كبير على مستويات السيولة، مع توقع تقليص الخسائر غير المحققة في محافظ استثمار البنوك الخليجية. ومع ذلك، يُقدّر أن يكون المبلغ الناتج عن ذلك صغيراً نسبياً، حيث يُتوقع أن يصل إلى 2.8 مليار دولار بنهاية عام 2023. كما يمكن أن تشجع أسعار الفائدة المنخفضة البنوك على الاستفادة بشكل أكبر من أسواق رأس المال الدولية، خاصة في الدول التي تحتاج فيها إلى سيولة إضافية لتعزيز نمو الإقراض، مثل المملكة العربية السعودية.
تخفيف الأثر السلبي
يتقلص الأثر السلبي لانخفاض أسعار الفائدة من خلال النقاط التالية:
1- اتخاذ الإدارة إجراءات لإعادة هيكلة ميزانيات البنوك، وذلك عبر تثبيت أسعار الفائدة عند مستوياتها الحالية أو استبدال الأسعار المتغيرة بأسعار ثابتة.
2- عودة الودائع إلى أدوات غير مدفوعة الفائدة، حيث شهدنا في العامين الماضيين انتقال الودائع إلى أدوات مدفوعة الفائدة في بعض الأسواق. في السعودية، على سبيل المثال، انخفضت نسبة الودائع تحت الطلب إلى إجمالي الودائع إلى 53% بنهاية عام 2023، مقارنة بـ 65% بنهاية عام 2021. ومن المتوقع أن يحدث انتقال مرة أخرى إلى أدوات غير مدفوعة الفائدة إذا انخفضت أسعار الفائدة، وذلك حسب حجم الانخفاض، مع الإشارة إلى أن هذه العملية قد تستغرق بعض الوقت.
3- تكلفة محتملة أقل للمخاطر بالنسبة للبنوك: مع انخفاض أسعار الفائدة وإعادة تسعير البنوك للقروض التجارية، قد تتمتع الشركات بمزيد من المرونة المالية، مما يساعد في تحسين جدارتها الائتمانية وبالتالي تقليل احتياجات البنوك من المخصصات.
4- تسارع محتمل في نمو الإقراض: يمكن أن تعوض الزيادة في الأحجام عن انخفاض الهوامش، خاصة في الأسواق التي تشهد طلباً مرتفعاً.