تسهيلات ضريبية جديد ….كيف تتمكن مصر من إصلاح المنظومة الضريبية؟
في إطار الجهود المستمرة لتحسين الإيرادات العامة وتقليل أعباء الموازنة، أعلن وزير المالية المصري أحمد كجوك أن الحزمة الأولى من التسهيلات الضريبية تمثل انطلاقة قوية نحو تعزيز الشراكة مع مجتمع الأعمال بهدف تحسين بيئة الاستثمار.
تهدف الحكومة المصرية إلى تخفيف الأعباء عن المجتمع الضريبي، وجذب مستثمرين جدد، ودعم السيولة لدى الشركاء. كما تسعى إلى توحيد وتبسيط وتحسين الخدمات الضريبية المقدمة، وإنهاء جميع الملفات والنزاعات القديمة.
قال خلال الربع الأول إننا حققنا فائضًا أوليًا قدره 90 مليار جنيه، وهو رقم لم نشهده منذ سنوات، مما يدل على أن النشاط الاقتصادي يحقق إيرادات، والأرقام تدعم ذلك، على الرغم من فقداننا 90% من إيرادات قناة السويس بسبب الأوضاع الجيوسياسية. وأضاف أن معدل الدين الداخلي لأجهزة الموازنة انخفض بنسبة 4.7% من الناتج المحلي، رغم التحديات الاقتصادية الصعبة. وأشار إلى أن الوزارة تهدف إلى الحفاظ على تحقيق فوائض أولية سنوية لتقليل معدل الدين إلى أقل من 85% من الناتج المحلي بنهاية العام المالي المقبل.
كما أوضح أن المتحصلات الضريبية من ضريبة القيمة المضافة ارتفعت بمقدار 57 مليار جنيه، بنسبة 45%، لتصل إلى 185 مليار جنيه خلال فترة الدراسة. وارتفعت الحصيلة من الضرائب على الممتلكات بنحو 44.3 مليار جنيه، بنسبة 81.7%، لتبلغ 98.6 مليار جنيه، كما زادت المتحصلات من الضرائب على التجارة الدولية بنحو 14 مليار جنيه، بنسبة 92%، لتصل إلى 29.4 مليار جنيه.
سرعة رد القيمة المضافة
وتسمح منظومة المقاصة المركزية للممولين بالتسويات الإلكترونية بين مستحقاتهم ومديونياتهم لدى الحكومة لتوفير السيولة النقدية للشركاء.
وقال كجوك، إنه وللمرة الأولى سيوضع حد أقصى لغرامات التأخير لا يتجاوز أصل الضريبة حتى لا يتحمل الشريك الممول أعباء كبيرة نتيجة تأخر الفحص الضريبي أو لطول فترة حل المنازعات، وسنعمل على تشجيع غير المسجلين ضريبياً على التسجيل وسنفتح معهم صفحة جديدة من دون النظر للماضي، ولن تطالب مصلحة الضرائب كل من يبادر بالتسجيل بأي مستحقات ضريبية عن الفترات السابقة، ومنح فرصة جديدة للممولين لتوفيق أوضاعهم قبل الفحص وتشجيعهم على الامتثال الطوعي لأحكام القوانين الضريبية، بالسماح بتقديم أو تعديل الإقرارات الضريبية من عام 2020 إلى 2023 من دون التعرض للعقوبات المقررة تأكيداً لمبدأ الثقة، لافتاً إلى مضاعفة حد الالتزام بتقديم دراسة تسعير المعاملات بين الأشخاص المرتبطة ليصبح 30 مليون جنيه (0.612 مليون دولار) سنوياً.
تسعى الحكومة المصرية إلى تسريع عملية رد ضريبة القيمة المضافة وزيادة عدد المستفيدين منها إلى أربعة أضعاف سنوياً، بهدف توفير السيولة المالية اللازمة للمشاريع. كما تخطط لإلغاء الإقرارات غير المدعومة بمستندات للأشخاص الاعتبارية في عام 2025، وللأفراد في عام 2026. ونعمل على توسيع نظام الفحص بالعينة ليشمل جميع المراكز والمناطق والمأموريات الضريبية، وذلك لتخفيف الأعباء عن الممولين وتعزيز الثقة في التعامل مع الشركاء الممولين.
وتتبنى الحكومة المصرية سياسات مالية متوازنة تهدف إلى تحقيق الانضباط المالي وتعزيز النشاط الاقتصادي. كما تسعى لتحسين شمولية إعداد ومتابعة الموازنة من خلال دمج 59 هيئة اقتصادية ضمن مفهوم الحكومة العامة. وتعمل على إعداد الموازنة بشكل استراتيجي متوسط المدى، مع التركيز على تحديد سقف لدين الحكومة العامة والاستثمارات العامة، مع الأخذ في الاعتبار ربط الإنفاق العام بتحسين ملموس في جودة وشمولية الخدمات العامة، وذلك من خلال استكمال تطبيق موازنة البرامج والأداء بشكل كامل.
تسهيلات ضريبية جديد
أشار الوزير المصري إلى أن استثمارات عقود الشراكة مع القطاع الخاص بلغت خلال العام المالي الماضي حوالي 19.8 مليار جنيه (0.404 مليار دولار). وتعمل الحكومة على تنفيذ ستة مشاريع جديدة بالتعاون مع القطاع الخاص في العام المالي الحالي بتكلفة استثمارية تتجاوز 27 مليار جنيه (0.551 مليار دولار)، وذلك في إطار حرص الدولة على تعزيز دور ومساهمة القطاع الخاص في النشاط الاقتصادي.
وقد تمكنت الحكومة من تحقيق أعلى فائض أولي خلال الربع الأول من العام المالي الحالي، حيث بلغ 90 مليار جنيه (1.836 مليار دولار)، وهو ما يتجاوز أربعة أضعاف ما تم تحقيقه في العام الماضي، على الرغم من تراجع إيرادات قناة السويس بأكثر من 60%. كما انخفض العجز الكلي للموازنة إلى نحو 2.1% مقارنة بنحو 3.2% في العام الماضي.
أفاد أشرف عبد الغني، مؤسس ورئيس جمعية خبراء الضرائب المصرية ورئيس مجموعة ATC للخدمات المالية والضريبية، بأن دمج الاقتصاد الموازي مع الاقتصاد الرسمي يتطلب تقديم حوافز تشمل جميع أنواع الضرائب، وليس فقط ضريبة الأرباح التجارية.
وأضاف عبد الغني أن الحكومة أصدرت القانون رقم 91 لسنة 2005 بهدف تشجيع القطاع الموازي على الانضمام إلى الاقتصاد الرسمي، إلا أن هذا القانون لم يحقق النتائج المرجوة بشكل كافٍ، حيث اقتصر الإعفاء على ضريبة الأرباح التجارية فقط، دون النظر إلى أنواع الضرائب الأخرى. كما أن اللائحة التنفيذية للقانون اشترطت عدم وجود حصر أو فتح ملف ضريبي للراغبين في الانضمام قبل تاريخ إقرار القانون.
وأشار عبد الغني إلى أن الاقتصاد الموازي يعتبر أن القانون رقم 91 لسنة 2005 قدم حلاً لضريبة الأرباح التجارية، لكنه لم يتطرق إلى ضرائب القيمة المضافة والمرتبات والأجور والدمغة والضريبة العقارية. وأكد أن السوق الموازية تنتظر تعديلات جوهرية لتسهيل انضمامها إلى الاقتصاد الرسمي.
أوضح “أن هذه الشروط والاستثناءات قد أدت إلى تعقيد الأمور، مما جعل البعض يتردد في الانضمام. كما أن المجتمع الضريبي يراقب بعضه البعض، وعندما تتوفر تسهيلات، فإن هناك إقبالاً على الانضمام إلى المنظومة الرسمية”.
وأشار عبدالغني إلى أن قانون المشروعات المتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر، على الرغم من احتوائه على حوافز كبيرة لتشجيع الاقتصاد غير الرسمي على الانضمام إلى المنظومة الرسمية، إلا أنه اتبع نفس نهج القانون رقم 91 لسنة 2005 من خلال الإعفاء من نوع واحد من الضرائب.
استهداف التوسع الأفقي
أشار عبدالغني إلى أن الإعلان عن الأهداف الضريبية يجب أن يتم من خلال توسيع القاعدة الضريبية بدلاً من الاعتماد على التوسع الرأسي وزيادة الأعباء على الملتزمين ضريبياً.
خلال أول شهرين من السنة المالية الحالية، بلغت إيرادات الدولة حوالي 294 مليار جنيه، حيث تشكل الإيرادات الضريبية نحو 88.4% منها، بينما تمثل الإيرادات غير الضريبية 11.6% وفقاً للبيانات الصادرة عن وزارة المالية المصرية. وتستهدف الوزارة تحقيق إيرادات ضريبية تتجاوز تريليوني جنيه خلال العام.
وأوضح عبدالغني أن المجتمع الضريبي يشعر بالقلق عند الإعلان عن الأهداف الضريبية، ويعود ذلك إلى الخوف من أن يتحمل الممولون الحاليون العبء الأكبر، مما يعرف بالتوسع الرأسي.
إن بقاء الاقتصاد الموازي خارج المنظومة الرسمية يؤثر سلباً على العدالة الضريبية وقواعد التنافسية، مما قد يؤدي إلى خروج بعض الأنشطة من السوق بشكل نهائي، وبالتالي حرمان الاقتصاد الوطني من فرص النمو. ومع وجود سوق موازية للاقتصاد الرسمي، نجد أن هناك ملتزمين بالضرائب وآخرين غير ملتزمين، مما يمنح الأخيرين ميزة تنافسية في السوق على حساب الملتزمين الذين يتحملون الأعباء الضريبية، كما أوضح رئيس مجموعة ATC للخدمات.
استهداف ما هو أبعد من الحصيلة الضريبية
أوضح عبدالغني أن الحوافز الضريبية الجديدة تهدف إلى خلق بداية جديدة بطريقة سلسة، مشيراً إلى أن من مصلحة الجميع الانضمام إلى المجتمع الضريبي ليتمكنوا من التعامل مع الجهات الحكومية المختلفة. وتوقع أن يشهد الإقبال على الانضمام شرط توافر عنصرين: العفو عن المخالفات السابقة لجميع أنواع الضرائب وتوفير معاملة ضريبية ميسرة.
وأكد على أهمية أن يكون الهدف من هذه المبادرات هو إدخال الجميع في المنظومة الضريبية، وليس مجرد التركيز على الحصيلة الضريبية، مشيراً إلى أنه إذا كانت الحصيلة هي المعيار الوحيد للنجاح، فإن الخطوات الأخيرة المعلنة لن تحقق النتائج المرجوة.
وأشار إلى أن هذه الإجراءات ستساهم في خلق بيئة ضريبية مستقرة وجاذبة للمستثمرين، الذين يسألون دائماً عن الوضع الضريبي وما إذا كان مستقراً.
كما أوضح أن المستثمر الذي يدفع ضريبة بنسبة 22.5% يتساءل عما إذا كانت ستزيد إلى 25% بعد شهر أو تصل إلى 30% بعد عام. بالإضافة إلى ذلك، يسأل عن كيفية التعامل مع أي نزاع ضريبي، وما هي المراحل والمدة اللازمة لحل هذا النزاع، وهو أمر بالغ الأهمية لأن المستثمرين يبحثون عن استقرار في النظام الضريبي.