بن باول، كبير استراتيجيي الاستثمار لمنطقة آسيا والمحيط الهادئ والشرق الأوسط في معهد بلاك روك
يتأثر الشرق الأوسط بالعديد من العوامل الكبرى التي تعمل على رسم ملامح النظام الكلي الجديد، بما يشمل الانقسام الجيوسياسي والتحول في قطاع الطاقة وتطور تقنيات الذكاء الاصطناعي. ونرى أن المستثمرين أمامهم فرصة للاستفادة من هذه القوى لتحقيق عوائد مستدامة، إذ إن التحول الاقتصادي العالمي يُفقدهم المقومات الكلية التقليدية طويلة الأمد.
ويشكل الشرق الأوسط مصدراً لرأس المال ووجهة للاستثمار طويل الأمد على حدّ سواء، حيث تعمل حكومات، مثل حكومة المملكة العربية السعودية، على توجيه الثروات النفطية التي اكتسبتها على مدى عقود نحو التنويع الاقتصادي. ويستهدف رأس المال المحلي والعالمي بشكل متزايد قطاعات البنية التحتية والطاقة والابتكار في المنطقة. ومع ذلك، لا تزال التوترات الجيوسياسية وتقلبات أسعار النفط تمثل مخاطر رئيسية.
ورغم استمرار المشهد السلبي الناجم عن التوترات الجيوسياسية، خفف وقف التصعيد في الصراعات الإقليمية مؤخراً من حدة المخاطر المباشرة، مما أدى إلى استقرار أسعار النفط ونهوض الأسواق المحلية، حيث وصل مؤشر دبي حالياً إلى أعلى مستوى له في 17 عاماً، وفقًا لبيانات مجموعة بورصات لندن.
ويعكس هذا الواقع سمة رئيسية في توقعاتنا نصف السنوية، حيث يوفر إشارات أوضح على المدى القريب، لكنه يشير إلى مقومات كلية أضعف على المدى الطويل، مثل أسعار النفط المستقرة نسبياً. وتخطط مجموعة أوبك بلس، على سبيل المثال، لزيادة الإنتاج بما يصل إلى ثلاثة ملايين برميل يومياً، وقد تؤدي هذه الزيادة في المعروض إلى الحد من ارتفاع أسعار النفط رغم الإقبال العالمي المتزايد على التحول الكهربائي.
وتلقي ديناميكيات أسعار النفط المتغيرة بثقل أكبر على خطط دول الخليج لتوسيع نطاق عوامل النمو بما يتجاوز قطاع الصناعات الهيدروكربونية. ورفعت رؤية السعودية 2030 بالفعل حصة القطاعات غير النفطية في الناتج المحلي الإجمالي إلى حوالي 50%، مدعومة بإطلاق مشاريع عملاقة تزيد قيمتها على 1.3 تريليون دولار أمريكي، في حين تشير توقعات صندوق النقد الدولي إلى تحقيق نمو في الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 3.5% لعام 2025.
وبدورها، تعمل دولة الإمارات على التوسع في إنشاء “المناطق الحرة ذات التقنية العالية” والمراكز الصناعية لجذب رأس المال الخاص وبناء سلاسل توريد مرنة. بينما تهدف قطر إلى زيادة مساهمة الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي لتصل إلى 50% بحلول عام 2030، مما يسلط الضوء على الآليات الجديدة التي يعتمدها مصدرو الطاقة للحفاظ على مكانتهم في ظل تغيرات الطلب العالمي.
تتسارع جهود التنويع الاقتصادي في الشرق الأوسط، ويظهر ذلك بوضوح في التوسع اللافت في القطاعات المتقدمة، وعلى رأسها الذكاء الاصطناعي والطاقة النظيفة. وتُعد التكاليف التنافسية للطاقة في المنطقة من أبرز عوامل جذب الشركات التي تستثمر في البنية التحتية العالمية للذكاء الاصطناعي.
على سبيل المثال، تستثمر الصناديق السيادية في أبوظبي نحو 10 مليارات دولار في منشآت محلية لإنتاج أشباه الموصلات ومراكز بيانات ضخمة، بهدف تعزيز القدرات المحلية في مجال الحوسبة السحابية والذكاء الاصطناعي. أما في المملكة العربية السعودية، فتستهدف الاستراتيجية الوطنية للذكاء الاصطناعي ضخ 20 مليار دولار في القطاع بحلول عام 2030، عبر مراكز بيانات متطورة وبرامج تدريب لإعداد الكفاءات المحلية وتوسيع وتنمية القدرات.
أما في قطاع الطاقة، فيشكل كل من مشروع نيوم للهيدروجين الأخضر في السعودية، والذي تبلغ كلفته 8.4 مليار دولار، ومستهدفات سلطنة عُمان إلى إنتاج 8.5 ملايين طن من الهيدروجين المتجدد سنوياً بحلول عام 2050، عوامل مهمة ستمهد لتدفقات تجارية جديدة تتجاوز الهايدروكربونات، هذا إلى جانب جهود دولة الإمارات لتوسيع قدراتها في مجال التقاط الكربون، حيث تستهدف أدنوك التقاط 10 ملايين طن من ثاني أكسيد الكربون سنوياً بحلول 2030، دعماً لتطلعات الدولة نحو تأسيس صناعات تصديرية منخفضة الانبعاثات.
ويمثل هذا المزيج بين إمدادات الطاقة الموثوقة، والإمكانات والقدرات السيادية، والقدرة على التنفيذ، عاملاً مهماً للمستثمرين ويُبرز أن التحولات الكبرى قد تواصل تعزيز العوائد الرأسمالية في منطقة الشرق الأوسط.