بعد وفاة يوسف ندا … من سيدير أموال جماعة الإخوان في الخارج
هل ستكون وفاتة هي بداية النهاية الاقتصادية والمالية للاخوان
أثارت وفاة القيادي الإخواني يوسف ندا، الذي كان مسؤولاً عن إدارة أموال جماعة الإخوان في الخارج، العديد من التساؤلات والمخاوف بين قيادات الجماعة بشأن عدم وجود شخصية قادرة على تولي نفس الدور الذي كان يقوم به الراحل.
وقد أعلنت جماعة الإخوان عن وفاة ندا، الذي أسس إمبراطوريتها المالية وكان أحد القيادات التاريخية للجماعة، عن عمر يناهز 94 عاماً، قضى منها 77 عاماً في خدمة الجماعة.
شغل ندا منصب رئيس مجلس إدارة “بنك التقوى” وكان مفوضاً للعلاقات السياسية الدولية في الجماعة.
وُلد ندا في مدينة الإسكندرية بمصر عام 1931، وانضم إلى جماعة الإخوان عام 1947، وتخرج من كلية الزراعة بجامعة الاسكندرية أوائل الخمسينيات.
بعد الإفراج عنه في أبريل 1956، بدأ ندا نشاطه الاقتصادي لصالح الجماعة. وفي أغسطس 1960، قرر نقل نشاطه المالي من مصر إلى ليبيا، ثم إلى النمسا، حيث توسع نشاطه بين البلدين، حتى أُطلق عليه في نهاية الستينيات لقب “ملك الأسمنت في منطقة البحر المتوسط”.
وفقًا لمراقبين، يُعتبر ندا مؤسس الكيان المالي للجماعة. وقد أشاروا إلى أنه منذ ستينيات القرن الماضي، أسس ندا العديد من الشركات الاقتصادية التي لعبت دورًا بارزًا في تمويل أنشطة الجماعة.يأتي ذلك في وقت أدرجت فيه مصر ندا على قوائم الإرهاب في منتصف ديسمبر الحالي، بعد إدانته بتمويل جماعة إرهابية.
ويرى خبراء في مصر أن رحيل ندا سيؤثر بشكل كبير على الجوانب المالية والتنظيمية للإخوان، حيث توقعوا أن تُدار المنظومة المالية للجماعة، التي كان ندا يشغل فيها دورًا كبيرًا، بواسطة الكوادر الثانية التي كانت تدعمه في إدارة شبكة علاقات الجماعة في الخارج.
تثير وفاة ندا العديد من التساؤلات حول مستقبل الجماعة، خصوصاً فيما يتعلق بإدارة الشؤون المالية. هل سيتمكن التنظيم من الحفاظ على كفاءته وسرية شبكته المالية بعد رحيله؟ أم أن وفاته ستؤدي إلى كشف هذه الشبكة وتعريضها لضغوط قانونية قد تسرع من انهيارها؟
من سيدير أموال جماعة الإخوان في الخارج
يعتقد الخبير الأمني المصري وعضو مجلس الشيوخ، اللواء فاروق المقرحي، أن “رحيل ندا قد يؤدي إلى أزمة اقتصادية ومالية داخل (الإخوان)”. وأوضح أن “ندا كان المسؤول المالي الأول في الجماعة، ورحيله سيخلق حالة من الارتباك في إدارة الأنشطة الاقتصادية، خاصة في الخارج”.
وأشار المقرحي إلى أن “ندا كان يدير مجموعة من الأنشطة الاقتصادية لصالح (الإخوان)، لا سيما بعد تأسيسه بنك (التقوى) في جزر البهاما”، متسائلاً عن الشخص الذي سيخلف ندا في إدارة هذه الأنشطة، سواء كان من أبنائه أو من قيادات أخرى تابعة للإخوان في الخارج.
من جهته، يرى الخبير في شؤون الحركات الإسلامية، ماهر فرغلي، أن “العلاقات الخارجية لـ(الإخوان) ستتأثر بشكل أكبر برحيل ندا”، مضيفاً في حديثه لـ”الشرق الأوسط” أن “التأثير الأكبر سيكون على نشاط الجماعة خارجياً”، مشيراً إلى أن “ندا كان يشرف على العديد من الأنشطة الدولية”.
قد تفتح وفاة ندا المجال لكشف المزيد من تفاصيل الشبكة المالية للتنظيم، خاصة في ظل تزايد الضغوط الدولية لمكافحة تمويل الإرهاب. قد تجد الجماعة نفسها مضطرة لمواجهة قضايا قانونية أو تحقيقات دولية قد تؤدي إلى تجميد أصولها.
ومع ذلك، يبدو أن الجماعة تواجه أصعب اختبار لها منذ عقود بعد وفاته. فقد كان ندا أكثر من مجرد ممول؛ بل كان العقل المدبر الذي نظم الشبكة المالية وصمم آليات عملها. ومع غيابه، يبقى السؤال: هل ستتمكن الجماعة من الحفاظ على هذه الإمبراطورية المالية، أم أن وفاته تمثل بداية النهاية؟
كان ندا يمثل رمزًا للقوة الاقتصادية للجماعة، ومع رحيله يبدو أن التنظيم يدخل مرحلة من الضعف والتراجع، حيث يواجه تحديات صعبة قد تحدد مصيره في السنوات القادمة. إنها بالفعل بداية النهاية لإمبراطورية استمرت لعقود، لكنها لم تتمكن من مواجهة تحديات الزمن إلى الأبد.
تمتلك الجماعة خبيرًا ماليًا يُدعى الدكتور حسين شحاتة، الذي يتولى مسؤولية التخطيط المالي للمنظومة. في عام 2011، بعد سقوط نظام الرئيس الأسبق حسني مبارك، أعد دراسة أشار فيها إلى أن حجم تمويل الإخوان من تبرعات الأعضاء يصل إلى حوالي نصف مليار جنيه سنويًا، بالإضافة إلى مليار دولار كعائدات استثمارات الجماعة في الخارج، خاصة في دبي وهونغ كونغ.
ومع ذلك، لم تكشف الجماعة، حتى بعد وصولها إلى الحكم في مصر عام 2012، عن الشبكات المالية المرتبطة بها، رغم أنها اضطرت للإفصاح عن بعض الشركات المملوكة لها وشراء عدد من المباني لتكون مقرات لحزبها وجمعياتها. هذا الأمر أثار استياء بعض القيادات التي كانت تشعر بعدم الاستقرار في أوضاعها السياسية.
الامبراطورية المالية للاخوان في الخارج
وفقًا للدراسة التي أعدها الدكتور شحاتة، فإن جماعة الإخوان المسلمين تضم حوالي 400 ألف عضو نشط يشاركون في أنشطة الأسر والشعب الإخوانية المنتشرة في مختلف المحافظات، وذلك وفقًا لآخر إحصاء داخلي للجماعة في عام 2008. إذا افترضنا أن كل عضو يدفع اشتراكًا شهريًا، مع استثناء عضوات قسم الأخوات والطلاب الذين يتراوح عددهم بين 30 ألفًا و40 ألف طالب إخواني، بالإضافة إلى حوالي 5000 عضو من الفقراء الذين تعيقهم ظروفهم المالية عن دفع الاشتراك، فإن النتائج المذكورة ستكون صحيحة.
تشير الدراسة إلى أن قيمة الاشتراك الشهري، وفقًا للائحة الجماعة، تبلغ 8% من الدخل الشهري للعضو، ويتم دفعها في بداية كل شهر. ويصل متوسط هذا الاشتراك إلى 100 جنيه للعضو، مما يعني أن الدخل الشهري للجماعة من اشتراكات الأعضاء فقط يصل إلى 40 مليون جنيه، أي ما يعادل نصف مليار جنيه سنويًا (84 مليون دولار).
لا يقتصر دخل الجماعة على المبالغ الإجمالية فقط، بل تحصل أيضًا على نسبة من أرباح شركات رجال الأعمال المنتمين إليها تحت مسمى التبرعات، والتي قد تصل أحيانًا إلى 20 مليون جنيه سنويًا. بالإضافة إلى ذلك، تتلقى الجماعة عائدات تصل إلى نصف مليار دولار من استثمارات الشركات التابعة لها في تركيا وهونغ كونغ، حيث يبلغ إجمالي رأس مال هذه الشركات حوالي مليارَي دولار. تُحوّل هذه العائدات سنويًا إلى بنوك سويسرية على شكل سندات.
وأظهرت الدراسة أن الجماعة تمتلك العديد من الشركات في مجالات متنوعة مثل التسويق، السلع المعمرة، العقارات، المقاولات، الأوراق المالية، التعليم، الملابس، الأغذية، الاتصالات، البرمجيات، المستشفيات، التصدير والاستيراد، والطباعة والنشر، وغيرها. وقد كان يدير هذه الشركات رجال أعمال مرتبطون بالجماعة، مثل خيرت الشاطر وحسن مالك.