مقالات

باي يوي إعلامي صينى يكتب …

الحوار الاقتصادي والتجاري الصيني الأمريكي: التوافق عبر التشاور المتكافئ

باي يوي إعلامي صينى


بالاتفاق بين الجانبين الصيني والأمريكي، ستُعقد جولة جديدة من المحادثات في مدريد بإسبانيا. ستركز هذه الجولة على القضايا الاقتصادية والتجارية، مثل الإجراءات الأحادية الأمريكية المتعلقة بالتعريفات الجمركية، وإساءة استخدام ضوابط التصدير، وقضية “تيك توك”. وستواصل الصين، كعادتها، الدفاع بحزم عن حقوقها المشروعة والنظام التجاري المتعدد الأطراف، على أمل أن تتحرك الولايات المتحدة والصين في اتجاه تقارب بعضهما البعض، لتعزيز الثقة المتبادلة وتقليل سوء الفهم وتعميق التعاون من خلال الحوار والتشاور على أساس المساواة، وأن تتحملا معًا مسؤولياتهما إزاء بناء اقتصاد عالمي منفتح.


ومن منظور الصورة الكلية للعلاقات الاقتصادية والتجارية الصينية الأمريكية، تتبنى الصين موقفًا منفتحًا تجاه المشاورات، إذ إنها على استعداد لحل شواغل الجانبين من خلال الحوار، على أساس الاحترام المتبادل والتشاور المتكافئ ، وإيجاد حلول للقضايا المطروحة. غير أن للمشاورات مبادئ يجب الالتزام بها. فعشية هذه الجولة من المحادثات، وسّعت وزارة التجارة الأمريكية مفهوم الأمن القومي، وأساءت استخدام ضوابط التصدير، وفرضت عقوبات على عدد من الكيانات الصينية في مجالات تشمل أشباه الموصلات والتكنولوجيا الحيوية والفضاء الجوي واللوجستيات التجارية. وتعترض الصين بشدة على ذلك، وتحث الولايات المتحدة على تصحيح هذه الممارسات الخاطئة فورًا ووقف القمع غير المبرر للشركات الصينية. وفي الوقت نفسه، أكدت الصين بوضوح أنها ستتخذ التدابير اللازمة لحماية الحقوق والمصالح المشروعة لشركاتها بحزم.


ومنذ مايو الماضي، عقد الجانبان ثلاث جولات من المحادثات على التوالي في جنيف ولندن وستوكهولم، وأسهمت هذه اللقاءات بدور إيجابي في استقرار العلاقات الاقتصادية والتجارية الثنائية. وفي الخامس من يونيو، أجرى رئيسا البلدين مكالمة هاتفية، قدما خلالها توجيهات استراتيجية لتصحيح مسار العلاقات الصينية الأمريكية واستقرارها. ومرة بعد أخرى، أثبتت الحقائق أن التواصل على قدم المساواة هو السبيل الأمثل لحل الخلافات. وعليه، فإن عقد محادثات مدريد ليس مجرد استمرار لزخم التواصل بين الجانبين، بل يعكس أيضًا رغبة الصين والولايات المتحدة، رغم تعقيدات الوضع، في البحث عن حلول من خلال الحوار وبناء ترتيبات عبر التعاون.


أن العلاقات الاقتصادية والتجارية بين الصين والولايات المتحدة تقوم في جوهرها على المنفعة المتبادلة والكسب المشترك. ففي عام 2023، تجاوز حجم التبادل التجاري بين البلدين 690 مليار دولار أمريكي، وهو ما يوضح بجلاء التكامل بين المزايا الاقتصادية للجانبين وزيادة الحاجة إلى التعاون. وإذا تعاون الجانبان استفادا معًا، أما إذا تصادما فسيتضرران معًا. وهذه القاعدة لم تنطبق فقط في الماضي، بل تحدد أيضًا المستقبل. وتتبنى الصين دائمًا موقفًا مسؤولًا، وتسعى بفعالية إلى إدارة الخلافات على نحو مناسب وحل النزاعات على أساس المساواة والمنفعة المتبادلة. وإذا كانت الولايات المتحدة جادة حقًا في تحسين العلاقات الثنائية، فعليها أن تتحرك مع الصين في الاتجاه ذاته، وأن تظهر صدقا وأفعالا ملموسة.


وفي المحادثات المرتقبة، سيكون موضوع “تيك توك” بلا شك محور اهتمام الرأي العام. لقد واصل “تيك توك” العمل في الولايات المتحدة لسنوات عديدة، واكتسب قاعدة جماهيرية ضخمة بدرجة عالية من التفاعل، ولم يقتصر الأمر على كونه محبوبًا لدى الشعب الأمريكي، بل أسهم أيضًا في تعزيز التوظيف ودفع الاستهلاك وغير ذلك من الجوانب الإيجابية. ويجسد نموه وتطوره قوانين السوق والقدرة الابتكارية للمؤسسات، ومن ثم يجب أن يحظى بمعاملة عادلة.

وتولي الحكومة الصينية أهمية كبرى لخصوصية البيانات وأمنها، ولم تطلب في أي وقت، ولن تطلب، من أي مؤسسة أو فرد تقديم بيانات خارجية بطريقة تنتهك القوانين المحلية.أما إذا استندت الولايات المتحدة إلى ما يسمى بـ”الأمن القومي” لتسييس القضية، واستخدامها كأداة، وتوسيع مفهوم الأمن من أجل قمع الشركات الصينية، فإنها لا تضر فقط بالحقوق المشروعة لهذه الشركات، بل تقوّض أيضًا مصداقية السوق الأمريكية نفسها.
في الوقت الراهن، يشهد الاقتصاد العالمي تعافيًا ضعيفًا، فيما تتكرر مظاهر الأحادية والحمائية.

وباعتبارهما أكبر اقتصادين في العالم، تتحمل الصين والولايات المتحدة مسؤولية تعزيز الثقة المتبادلة وتقليل سوء الفهم وتوسيع التعاون عبر الحوار، بما يضخ الثقة في استقرار الاقتصاد العالمي.


وفي الحقيقة، تجاوزت العلاقات الاقتصادية والتجارية بين الصين والولايات المتحدة منذ زمن طويل الإطار الثنائي البحت، إذ يرتبط استقرارها وتطورها مباشرة بأمن سلاسل الصناعة والإمداد العالمية. وخلال الأشهر الماضية، ورغم وجود خلافات بين الجانبين حول قضايا مثل الرسوم الجمركية وضوابط التصدير، إلا أن التواصل المستمر أدى إلى تعميق التفاهم وتعزيز التوافقات. وإدراج قضايا محددة مثل “تيك توك” في جدول المناقشات يعكس بوضوح إدراك الطرفين لأهمية حل المشكلات من خلال الحوار.


ولا يزال مجال التعاون بين الصين والولايات المتحدة واسعًا. فمن الطاقة النظيفة إلى الذكاء الاصطناعي، ومن الاقتصاد الرقمي إلى الصناعات الدوائية الحيوية، يمتلك البلدان مزايا تكاملية في العديد من المجالات الناشئة. وإن تعزيز التعاون العملي لن يساعد فقط على تحقيق الترقية الاقتصادية والتنمية الاجتماعية للبلدين، بل سيسهم أيضًا في الابتكار والازدهار على الصعيد العالمي.


أما المحادثات المرتقبة في مدريد، فهي لا تمثل مجرد محطة مهمة للتفاعل العميق بين الصين والولايات المتحدة، بل تعد أيضًا نافذة رئيسية أمام العالم لمتابعة مسار العلاقات بين البلدين. ولا يمكن للطرفين سوى من خلال التمسك بالحوار على أساس المساواة وتوسيع التعاون القائم على المنفعة المتبادلة، أن ينجحا في تثبيت الأوضاع وسط المتغيرات، وفتح آفاق جديدة للفرص في مواجهة التحديات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى