“الطبقة المتوسطة” .. العنصر الحاسم في معادلة النمو الاقتصادي وهل تختفي من مصر
تاريخياً، كانت الطبقة الوسطى في المجتمع المصري تتميز بمجموعة من القيم ومستوى معين من الدخل يضمن لها الاستقرار المالي، مما يتيح لها حياة مريحة، وتعليم جيد، ورعاية صحية، بالإضافة إلى بعض القدرة على الإنفاق.
وقد يحدد الاستهلاك وأسلوب الحياة ووجود الإمكانيات لتحمل تكاليف السلع والخدمات التقديرية، مثل الأنشطة الترفيهية والسفر أحياناً والسعى الثقافى، حدود هذه الطبقة أيضا.
تمتلك هذه الطبقة القدرة على تلبية احتياجاتها الأساسية، والادخار للمستقبل، ومواجهة التحديات الاقتصادية دون الانزلاق إلى براثن الفقر.
من خلال دراستي لتاريخنا الاجتماعي والسياسي، يتضح لي أن الطبقة الوسطى المصرية كانت، على مر العصور، هي القوة الدافعة وراء قوة مصر الناعمة. فهي تجسد القيم المصرية الأصيلة وتعكس الثقافة والهوية الوطنية. كما أنها دائمًا ما تتصدى للدفاع عن الوجود والحدود، وتعمل على حماية الكرامة الوطنية وثوابت الأمن القومي المصري.
تتجلى هذه الحقيقة عند استعراض دور الأفندية والطبقة الوسطى المصرية منذ بداية النهضة الحديثة وحتى اليوم. ففي كل مرة يحاول فيها حاكم أو مجموعة سياسية أو مراكز قوى معينة توجيه مصر نحو مسار خاطئ، أو تشويه ثقافتها وهويتها، أو خيانة تاريخها وثوابتها، نجد أبناء الطبقة الوسطى يهبون لإصلاح الخطأ وتصحيح المسار، وإعادة الأمور إلى نصابها الصحيح. وهذا ما تجلى في ثورة 1919، وثورة يوليو 1952، وثورة 30 يونيو.
وأظن أن العقود الأخيرة شهدت زيادة معاناة أبناء الطبقة الوسطى، ودمجها فى الطبقة الدنيا بإزالة الفوارق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية الواضحة بينهما.
يشير وائل جمال، مدير وحدة العدالة الاجتماعية في المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، إلى أن تأثير القرض الأخير كان “أعنف”، موضحًا أن القرارات الاقتصادية الأخيرة أدت إلى “تآكل كبير في مستويات معيشة المواطنين”، مع ارتفاع أسعار الأدوية والخدمات ووسائل النقل.
وأضاف أن هذا الوضع “قد يستمر لمدة عام كامل”، مشيرًا إلى أنه إذا كان هذا التحدي سيؤدي إلى ضغط على الرأي العام بشكل يفوق طاقة الناس، فإنه من الضروري إعادة النظر في الموقف مع صندوق النقد الدولي.
ويعتقد جمال أن هذه التصريحات تعكس “قلقًا” من الحكومة، لكنه يشكك في إمكانية اتخاذ الحكومة “قرارات اقتصادية مختلفة”. ويقول: “أعتقد أن الاتفاقات مع صندوق النقد ستستغرق وقتًا أطول وستُنفذ بطريقة مختلفة وتدريجية”.
بينما يقول الدكتور حسام بدراوي البرلماني الاسبق وأستاذ بطب القاهرة يمكن أن يُعرَّف الطبقة المتوسطة في بعض التعريفات بناءً على قدرتها على امتلاك مسكن أو تحقيق استقرار سكني، مما يسهم في تعزيز أمانها الاجتماعي والمالي على المدى الطويل.
كما أن أنماط الاستهلاك ونمط الحياة، بالإضافة إلى القدرة على تحمل تكاليف السلع والخدمات التقديرية، مثل الأنشطة الترفيهية والسفر أحيانًا والسعي الثقافي، تحدد أيضًا حدود هذه الطبقة.
من المهم أن نلاحظ أن تعريف الطبقة الوسطى يختلف من دولة إلى أخرى ومن منطقة إلى أخرى، مع الأخذ في الاعتبار الفروقات في تكلفة المعيشة وإمكانية الحصول على حقوق المواطنين في التعليم والرعاية الصحية، بغض النظر عن إمكانياتهم المالية والاقتصادية. بمعنى آخر، يمكن أن يتسع نطاق هذه الطبقة بناءً على قدرة الحكومات على توفير هذه الحقوق.
تتمتع هذه الطبقة بالقدرة على اتخاذ قرارات تتعلق بحياتها، وهو ما يمكن أن يُعتبر أحد معايير وجودها. في المقابل، يمكن للطبقة الفقيرة أن تُشترى قراراتها بالمال وتوفير الطعام خلال فترات الانتخابات، مما يجعلها عرضة للتهديد في الوقت نفسه.
لم يعد بإمكان معظم أفراد الطبقة المتوسطة، بمختلف تنويعاتها، الاستمرار في نمط حياتهم الذي كان سائداً قبل عام 2016، وهو العام الذي شهد أول موجة تعويم. فقد بدأت قدرتهم على التكيف تتقلص بشكل تدريجي وغير ملحوظ في بعض الأحيان، وأحياناً أخرى بشكل سريع نحو الانحدار. بدأ الأمر بسداد أقساط الشقق أو الإيجارات، بالإضافة إلى فواتير الماء والكهرباء والغاز والوقود. ثم تلا ذلك تكاليف العلاج ومصاريف المدارس الخاصة وربما الدولية، وصولاً إلى نفقات الترفيه والرياضة والمشاركة في المناسبات الاجتماعية. لقد تأثرت الطبقة المتوسطة بشكل كبير، حيث وصلت تداعيات ذلك في الأشهر الأخيرة إلى مستويات مؤلمة.
الأزمات الاقتصادية ليست نهاية المطاف. فالمجتمع القوي يستطيع مواجهة التحديات بفخر والاستمرار في التقدم. وقد أثبتت السنوات الأخيرة أن مصر مجتمع متماسك وقوي. لكن الأهم هو أن نستفيد من الدروس المستفادة في مجالي الاقتصاد والسياسة، وعلينا أن نتجاوز الأفكار الاشتراكية المتكررة. من الضروري أن نوجه هذه الرسالة إلى جميع الأطراف المشاركة في الحوار الوطني.