غير مصنففنمقالات

أحمد زكي… نجم الدراما العربية!

بقلم: عيسى المزمومي
في حياة كل أمة، يظهر أحيانًا من لا يُشبه أحدًا، بل لا يُشبه حتى نفسه في كل مرة يظهر فيها. رجل يشبهنا في ملامحه، لكنه يتجاوزنا في رؤيته؛ بسيط المظهر، عميق الجوهر. ذلك هو أحمد زكي، النجم الذي لم يلمع ليُبهر، بل ليمسّ أرواحنا، ويوقظ فينا شيئًا كدنا ننساه: إنسانيتنا!
لم يكن أحمد زكي ممثلًا تقليديًا، بل كان مشروعًا إنسانيًا متكاملًا، تجسّدت فيه فكرة أن الفن ليس مجرد حرفة، بل هو رسالة، وتأمل، وسعي دائم نحو الحقيقة. لقد قدّم نفسه بصدق، بكل ما يحمله من وجعٍ داخليّ وتجارب قاسية، دون أن يُزيّف أو يتجمّل، وكأنّه يقول لنا عبر كل مشهد: “كن أنت… حتى وإن أوجعك الصدق.”!
وُلد في الظل، وعاش في كفاح، لكنه صعد إلى القمة بلا ضجيج. لم تكن طريقه معبّدة، بل كانت مليئة بالحفر والعوائق، لكنه استمر، مُثقلًا بأحلام الفقراء، ومشحونًا بعزيمة لا تخبو. كان كأنّه يحمل العالم على كتفيه، ويختصر جراح أجيال بأدائه الصامت حينًا، والصارخ حينًا آخر.
في أفلامه، لم نرَ فنانًا يُمثّل، بل رأينا إنسانًا يُناضل. في “الهروب” لمسنا قلق الهارب من الظلم، وفي “ناصر 56” شعرنا بحلم أمة، وفي “البريء” صرخنا معه ضد العبث. لم يكن يُجيد فقط تقمّص الأدوار، بل كان يُذيب نفسه في الشخصيات حتى يصعب علينا فصل الحقيقة عن التمثيل.
وما نحتاجه اليوم، في زمن السرعة والمظاهر، هو أن نُعيد قراءة تجربة أحمد زكي لا بوصفها قصة نجاح فني، بل كرحلة إنسانٍ بحث عن نفسه في كل دور، ووجد ذاته الحقيقية في عيون الناس، لا على السجادة الحمراء.
أحمد زكي يُعلّمنا أن البطولة الحقيقية لا تتلون ، وأن العمق لا يحتاج إلى تزيين، وأن الإنسان يمكنه أن يخرج من العدم ليصنع مجده، فقط إن آمن بذاته. لم يُهادن، لم يُجمّل الواقع، بل واجهه بجرأة، حاملاً مشاعل الصدق وسط عالمٍ يُفضّل الأقنعة.إننا لا نحتاج اليوم إلى مزيدٍ من الأضواء، بل إلى مزيدٍ من الصدق. نحتاج أن نرى في أنفسنا ما كان يراه أحمد زكي في أدواره: إمكانية التغيير، قوة الصبر، وجمال التمرّد حين يكون من أجل قيمة. نحتاج أن نتعلّم كيف نحترف أداء “أدوارنا” في الحياة، لا لننال التصفيق، بل لنعيش بصدق، ونرحل بسلام.
رحل الجسد، لكن بقي الدرس. بقيت التجربة حيّة تنبض بالإلهام، وتهمس لنا كل يوم: كن ما أنت عليه، واصنع من ضعفك طريقًا نحو المعنى!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى