أجندة إصلاحية للرئيس الكازاخي تُبشّر بعهد جديد من العدالة الاجتماعية والنمو الاقتصادي

قلم: الدكتور / عبد الرحيم إبراهيم عبد الواحد
في لحظة فارقة في مسيرة كازاخستان الاجتماعية والاقتصادية، يؤكد الرئيس قاسم جومارت توكاييف استمرار دعم وتعزيز ومتابعة إطار وطني جريء وشامل تحت شعار “مواطن عادل – عمل عادل – أجور عادلة”، استنادا الى الانطلاقة الأولى لفكرته ونهجه الجديد خلال الدورة الثالثة لمجلس الشورى الوطني في 24 مايو 2024.، حيث تُحددت الرؤية السياسية المتجذرة في العدالة والإنصاف والوحدة الوطنية، وأحدثت تحولًا حاسمًا نحو كازاخستان أكثر عدلًا وشمولًا وإنصافًا، ترتكز على العدالة والفرص والكرامة للجميع.
وبدعم من تحليل البنك الدولي، تُعتبر هذه المبادرة ركيزة أساسية لإصلاحات سوق العمل في كازاخستان، مما يُشير إلى عزم الحكومة على بناء دولة مسؤولة اجتماعيًا، حيث يتم تمكين كل مواطن، وحماية كل عامل، ومكافأة كل مساهمة بشكل عادل.
ويؤكد الرئيس توكاييف: “أولويتنا هي ضمان شعور كل مواطن كازاخستاني بالحماية والتقدير والمعاملة العادلة – سواء في المجتمع أو في سوق العمل”. وأضاف: “الدولة العادلة تبدأ بمواطن عادل، تدعمه ظروف عمل عادلة وأجور عادلة”.
فقد وضع الرئيس توكاييف في خطابه استراتيجية إصلاح شاملة ومترابطة، تُشدد على الدور الأساسي للنزاهة المدنية وحقوق العمل والمساواة في الأجور في بناء مجتمع مرن ومزدهر. ويرتكز هذا الإطار على ثلاثة ركائز مترابطة:
ثلاثة ركائز تنموية
- المواطن العادل: تعزيز الحقوق والوصول والمسؤولية المدنية
وتهدف ركيزة “المواطن العادل” إلى تعزيز المساواة أمام القانون وتحسين وصول الجمهور إلى التعليم والرعاية الصحية والعدالة والخدمات الاجتماعية – لا سيما في المجتمعات الريفية والمحرومة. وقد تعهدت الحكومة بمواصلة توسيع نطاق الخدمات الرقمية والشخصية، وزيادة الشفافية المؤسسية، ودعم مشاركة المواطنين في الحوكمة.
وينطلق الرئيس توكاييف من مبدأ أن: “المواطنة العادلة ليست مجرد وضع قانوني، بل هي التزام أخلاقي. إنها تعني المساواة في الحصول على تعليم جيد، ورعاية صحية، وحماية اجتماعية، وعدالة، ومسؤولية مشتركة في احترام القانون والمساهمة في تنمية الوطن”.
2- العمل العادل: ضمان الكرامة وتحديث معايير التوظيف
تحت شعار “العمل العادل”، تعمل كازاخستان بنشاط على إصلاح قوانين العمل لتتماشى مع اتفاقيات منظمة العمل الدولية، مما يضمن تمتع كل عامل بظروف عمل آمنة وكريمة وعادلة.
ويؤكد الرئيس توكاييف: “نعمل دائمًا على مواءمة تشريعاتنا العمالية مع المعايير الدولية لضمان الأمن والكرامة والإنصاف في العمل”.، وذلك من خلال تدابير رئيسية أهمها: تحديثات تشريعية لمكافحة التمييز وتعزيز السلامة في مكان العمل، نظام وطني جديد لرصد العمل للكشف عن الانتهاكات وتحسين الامتثال، وزيادة عمليات تفتيش العمل، حيث من المقرر أن يتضاعف عدد المفتشين ثلاثة أضعاف من 300 إلى 900 مفتش بحلول عام 2026.
ونرى بأن الرؤية التي يطبقها الرئيس تستهدف قطاعات العمل الهشة، بما في ذلك: بطالة الشباب، العمل غير الرسمي، عدم المساواة بين الجنسين في مكان العمل، وتحفيز أصحاب العمل على تبني ممارسات توظيف مسؤولة اجتماعيًا والمساهمة في بناء قوة عاملة حديثة وماهرة ومحمية.
- الأجور العادلة: معالجة عدم المساواة وتعزيز الأمن الاقتصادي
في إطار معالجة عدم المساواة في الدخل بشكل مباشر، طرحت استراتيجية “الأجور العادلة” عدة مبادرات رئيسية: زيادة الحد الأدنى للأجور بنسبة 15% اعتبارًا من 1 يوليو 2024، ليستفيد منها أكثر من مليون عامل، لا سيما في قطاعات التعليم والرعاية الصحية والزراعة، آلية جديدة لمؤشرات الأجور لضمان مواكبة الرواتب للتضخم والأداء الاقتصادي الوطني، تشريعات شفافية الأجور لتعزيز المساءلة وتضييق فجوات الأجور.
ويرى الرئيس توكاييف إلى ضرورة معالجة متأخرات الأجور، التي تبلغ حاليًا حوالي 3.7 مليار تنغي على مستوى البلاد. ويوكد دوما بأن “متأخرات الأجور تقوض رفاه الأسر وثقتها الاجتماعية. سنقضي على هذه المشكلة من خلال التنفيذ الصارم والإصلاحات المنهجية”.
رؤية مستقبلية
كما تتضمن رؤيته المستقبلية بأنه لا يزال التفاوت في الدخل مصدر قلق بالغ، حيث يحصل 10% من أصحاب الدخل الأعلى على ما يقرب من ستة أضعاف ما يحصل عليه 10% من أصحاب الدخل الأدنى، مما يُعتبر تقليص هذه الفجوة أمرًا ضروريًا لتحقيق التماسك الاجتماعي والاستقرار الوطني على المدى الطويل.
وفي هذا الإطار يؤكد الرئيس أن “الأجور العادلة تُحفز العمال، وتزيد الإنتاجية، وتدفع الطلب المحلي – وكلها أمور حيوية لنمونا الاقتصادي”.
ويرى بضرورة الاستفادة من الابتكار الرقمي لتحقيق العدالة والشفافية، حيث يُعد التحول الرقمي عنصرًا أساسيًا في أجندة الإصلاح. وتعمل الحكومة على توسيع المنصات الرقمية لخدمات التوظيف، وتقديم الخدمات العامة، والرصد الاجتماعي، ويدلل على ذلك بوجود “أكثر من 75% من الباحثين عن عمل يستخدمون الآن نظام التوظيف الإلكتروني الوطني”، مشددا على أن “تضمن الرقمنة الشفافية والوصول العادل إلى الفرص”. مع إقراره بمخاطر الأتمتة، التزم ببرامج إعادة التدريب وتطوير المهارات لمساعدة العمال على الانتقال إلى أدوار جديدة.