أخبار عامة

التعزيز، وليس الاستبدال: التطبيقات العملية المبكرة للذكاء الاصطناعي التوليدي كعامل داعم في المؤسسات

بقلم: محمد مصطفى عشماوي، كبير مهندسي الأنظمة في شركة “نوتانيكس”

يشهد العالم تسارعًا غير مسبوق في التطور التقني، حيث بدأت بعض المؤسسات في الاستثمار بكثافة في الذكاء الاصطناعي التوليدي، بينما لا تزال أخرى تخطط لذلك. ومع هذا التوجه، يتزايد الإدراك بأن التحديات أكبر مما كان متوقعًا. لقد تغيرت المشاعر تجاه هذه التقنية بسرعة، لكن الرحلة لم تنته بعد.

رحلة تطور التقنية: من الأنظمة الآلية إلى وكلاء الذكاء اصطناعي

مرت العديد من التقنيات بنفس المراحل: تبدأ بحماس كبير في وادي السيليكون، يليها صدمة من الإمكانات الهائلة، ثم تساؤلات حول التبعات العملية. وخلف الكواليس، يعمل المطورون على حل المشكلات ويواجهون إخفاقات عديدة قبل أن يحددوا الاستخدامات الفعلية لهذه التقنيات.

هذا النمط تكرر مع ظهور الإنترنت والبيانات الضخمة وبرمجيات الخدمة. واليوم، يسير الذكاء الاصطناعي التوليدي على نفس المنوال، لكن بسرعة مذهلة. ففي غضون أشهر قليلة، انتقلنا من أدوات الدردشة البسيطة إلى وكلاء ذكاء اصطناعي قادرين على إنتاج محتوى متقدم. كما تحولت المخاوف من “استبدال الذكاء الاصطناعي للبشر” إلى قناعة بأنه سيعزز إنتاجيتهم.

التباين بين القطاعات: بين السهولة والصعوبة

تختلف قدرة الذكاء الاصطناعي التوليدي على التأثير حسب طبيعة القطاع. ففي المجال القانوني، على سبيل المثال، أثارت إمكانية استخدام الذكاء الاصطناعي ChatGPT في إعداد المذكرات والبحوث القانونية مخاوف حول مصير المحامين المبتدئين. لكن سرعان ما ظهرت مشكلات دقة المعلومات و”هلوسة” النماذج، مما جعل القطاعات القانونية والمالية من أصعب المجالات التي يمكن تفويضها بالكامل للذكاء الاصطناعي.

هناك سبب وجيه لهذا الإدراك المُقلق. فعلى سبيل المثال، في القطاعات المنظمة مثل البنوك، تواجه تطبيقات الذكاء الاصطناعي التوليدي تحديات كبيرة. فلا يمكن الاعتماد على نماذج عشوائية، بل يجب ضمان توافقها مع المعايير التنظيمية وعدم تسببها في مخاطر غير محسوبة. وهذا تحد كبير لتقنية الذكاء الاصطناعي التي تعمل كـ”صندوق أسود” يصعب فهم آلية عملها الداخلية.

اقرا ايضا: دراسة: ثُلث أبناء جيل الألفية يستخدمون الذكاء الاصطناعي التوليدي يوميًا

بينما يحتاج الذكاء الاصطناعي التوليدي إلى مزيد من الوقت لتنضج تطبيقاته الواسعة، يتقدم الذكاء الاصطناعي التشغيلي بخطى ثابتة لحل مشكلات محددة وتحسين سير العمل اليومي. هذا التباين يخلق توترًا في قطاع التقنية، حيث تتصادم التوقعات العالية مع الواقع العملي.

تعزيز القدرات البشرية بدلاً من استبدالها

أصبح من الواضح أن التركيز على المجالات التي تتحمل درجة أعلى من المخاطر هو النهج الأمثل. أما في المجالات الأخرى، فيمكن استخدام الذكاء الاصطناعي كأداة مساعدة تعزز كفاءة الموظفين دون استبدالهم. فالعنصر البشري يبقى حاسم لتطبيق المهارات الإنسانية التي يصعب على الآلات محاكاتها.

نشهد اليوم تحولًا من مرحلة المبالغة في التوقعات إلى مرحلة التطبيق العملي، شبيهًا بالانتقال من الجداول اللوغاريتمية إلى الآلات الحاسبة. فالذكاء الاصطناعي التشغيلي يهدف إلى تسريع العمليات وزيادة الإنتاجية للأفراد، وليس إلى الاستغناء عنهم. إنها أداة مصممة لتعزيز القدرات البشرية وليس لإلغائها.

في شركة “نوتانيكس”، بدأنا رحلتنا مع الذكاء الاصطناعي التوليدي بتحسين خدمة العملاء، حيث زوّدنا ممثلينا بمساعدين افتراضيين يقدّمون معلومات دقيقة في الوقت المناسب. مع الحفاظ على أهمية العنصر البشري، تعمل فرقنا الهندسية على توظيف الذكاء الاصطناعي لإنجاز المهام الروتينية، مما يمكن الموظفين من التركيز على المهام المعقدة.

لسنا وحدنا في هذا النهج؛ إحدى الشركات التي نعرفها تستخدم الذكاء الاصطناعي التوليدي لتحليل مكالمات خدمة العملاء، حيث يقوم بتحديد المكالمات المشبوهة التي تحتاج إلى مراجعة بشرية. في السابق، كان الموظفون يضطرون لفحص المكالمات عشوائيًا، والاستماع إليها واحدة تلو الأخرى لمحاولة اكتشاف أي مخالفات محتملة. أما الآن، فقد أصبح الذكاء الاصطناعي مرشحًا أوليًا ذكيًا يوفر الوقت والجهد، ويوجه جهودهم ومواردهم نحو الحالات التي تستحق التدقيق البشري حقاً. هذا المثال الحيوي يوضح كيف يمكن للذكاء الاصطناعي التوليدي أن يعزز العمليات الحالية ويسرعها، بينما يبقى القرار النهائي دوماً في يد البشر.

عصر الذكاء الاصطناعي التشغيلي قد بدأ

بدأ الذكاء الاصطناعي التوليدي يدخل مرحلة خيبة الأمل بعد التوقعات المبالغ فيها بقدرته على فعل كل شيء. لكن الذكاء الاصطناعي التشغيلي يشهد نموًا سريعًا. لقد أذهلتنا إمكانيات ChatGPT والتطبيقات المشابهة من “ميتا” و”جوجل”. وبعد الصدمة الأولى، بدأ الأفراد والشركات يبحثون عن طرق عملية للاستفادة من هذه التقنية.

اليوم، تعتمد المؤسسات تقنية الذكاء الاصطناعي لتحسين عملياتها، حيث يتحول الاستخدام من الروبوتات البسيطة إلى الوكلاء الأذكياء. هذا التحول لم يكن ليحدث لولا القفزة التي أحدثها الذكاء الاصطناعي التوليدي، والذي يثبت أنه رغم كل الضجيج، فإن تطبيقاته العملية بدأت تُظهر قيمتها الحقيقية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى