جسر البريكس: هل ستغير روسيا النظام المالي العالمي؟
استضاف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي تم استبعاده من قبل الغرب ووُصف بأنه “مجرم حرب محتمل” من قبل المحكمة الجنائية الدولية، 36 من قادة العالم من دول مثل الصين والهند وإيران، في إطار قمة مجموعة “بريكس” التي تهدف إلى إبراز موسكو كدولة غير معزولة.
يأمل الرئيس الروسي من خلال القمة، التي تُعقد في قازان بدءًا من يوم الثلاثاء وتستمر حتى يوم الخميس، في إنشاء نظام عالمي جديد للمدفوعات المالية لمواجهة الهيمنة الأميركية وحماية روسيا وحلفائها من العقوبات.
ومن المتوقع أن يتم بناء هذا النظام، الذي تسميه روسيا “جسر بريكس”، خلال عام، وفقًا لصحيفة “إيكونوميست”. سيمكن النظام الجديد الدول من إجراء تسويات عبر الحدود باستخدام منصات رقمية تديرها بنوكها المركزية.
أثناء حديثه مع ديلما روسيف، رئيسة بنك التنمية الجديد لمجموعة “بريكس”، أشار بوتين إلى أن استخدام العملات المحلية بدلاً من الدولار أو اليورو “يساهم في تعزيز التنمية الاقتصادية بعيداً عن التأثيرات السياسية قدر الإمكان في ظل الظروف العالمية الحالية”. وتدعي روسيا أن المجموعة تمثل الآن الأغلبية العالمية، مما يمكن أن يسهم في تشكيل نظام عالمي جديد.
توسع “بريكس”
شهدت مجموعة “بريكس” توسعاً من خمسة أعضاء (جنوب أفريقيا، روسيا، الصين، البرازيل، والهند) إلى مجموعة أكبر تضم مصر، الإمارات، إثيوبيا، وإيران، بينما قدمت الأرجنتين طلباً للانضمام ثم انسحبت بعد الانتخابات الرئاسية.
وقال الرئيس الإيراني مسعود بيزشيكيان إن “مجموعة ‘بريكس’ يمكن أن تكون وسيلة للخروج من الهيمنة الأميركية وخلق مسار للتعددية، كما يمكن أن تمثل حلاً لمواجهة هيمنة الدولار والتصدي للعقوبات الاقتصادية من الدول”. ومع ذلك، فإن توسيع عضوية “بريكس” قد يؤدي إلى خطر فقدان التماسك الإيديولوجي، وفقاً لما ذكرته صحيفة “غارديان”.
تشير الصحيفة إلى أن الهند والبرازيل تشتركان في رغبة معينة للتحرر من هيمنة الدولار، لكن ليس بنفس الدرجة التي تسعى إليها الصين أو روسيا. وتلفت الانتباه إلى أنه رغم اللغة المناهضة للغرب التي ظهرت في بيانات القمة، فإن الرئيس البرازيلي لويس إيناسيو لولا دا سيلفا أكد أن مجموعة “بريكس” ليست ضد أي طرف. كما أوصت البرازيل بعدم قبول فنزويلا في المجموعة كجزء من جهودها لمنع التحالف من أن يصبح معادياً للغرب بشكل كامل.
وقد وصل الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو بشكل غير معلن، ونُقل عنه من قبل وكالات الأنباء الروسية قوله إن المجموعة تمثل “مركز العالم المتعدد الأقطاب الجديد”.
أشار ألكس غابويف، مدير مركز “كارنيغي روسيا أوراسيا” في برلين، إلى أن القمة كانت بمثابة هدية لبوتين. وكتب في مجلة “فورين أفيرز” أن الرسالة التي ستخرج من الاجتماع هي أن “روسيا ليست فقط بعيدة عن أن تكون منبوذة دولياً، بل أصبحت الآن عضواً محورياً في مجموعة ديناميكية ستساهم في تشكيل مستقبل النظام الدولي”.
ولم يتمكن الرئيس الروسي من حضور القمة السابقة لـ “بريكس” في جوهانسبرغ، حيث لم يرغب في إحراج مضيفيه الذين كانوا ملزمين باعتقاله بموجب مذكرة توقيف صادرة عن المحكمة الجنائية الدولية، نظراً لأن جنوب أفريقيا من بين الدول الموقعة على نظام روما.
يأمل الرئيس الروسي أن تسير الأحداث العالمية لصالحه، خاصة مع إمكانية عودة دونالد ترمب إلى البيت الأبيض الشهر المقبل، واحتمالية تحقيق نتائج إيجابية في الانتخابات في جورجيا نهاية هذا الأسبوع.
بينما يعتمد مستقبل الصراع في أوكرانيا على انتخابات ترمب في المستقبل القريب، فإن الإرهاق الناتج عن الحرب في أوروبا يدفع جميع الأطراف إلى استنتاج مفاده أن أوكرانيا ستحتاج على الأقل إلى بدء محادثات مع بوتين، في ظل استمرار القوات الروسية في احتلال جزء كبير من شرق أوكرانيا. ومن المتوقع أن يكون لقرار غوتيريش بحضور القمة تأثيرات دولية واسعة.
مستقبل النظام المالي الدولي
إن الهدف الأساسي لمجموعة “بريكس+” لا يقتصر على تعزيز الأمن، بل يسعى إلى تطوير منصات اقتصادية وتكنولوجية تكون محصنة جزئيًا ضد ضغوط الولايات المتحدة والعقوبات المفروضة، من خلال التحايل على الدولار وتعزيز استخدام اليوان على المستوى الدولي. ورغم أن مجموعة “بريكس+” تمتلك ناتجًا محليًا إجماليًا مجمعًا يفوق ذلك لمجموعة السبع الكبرى أو الاتحاد الأوروبي، إلا أن حصتها من رأس المال وتأثيرها التصويتي في مؤسسات مثل البنك الدولي لإعادة الإعمار والتنمية (IBRD) لا تزال أقل بكثير. ويعود ذلك إلى أن قوة تصويت كل دولة عضو تعتمد على مساهمتها المالية في البنك الدولي.
تم توضيح خطة “جسر بريكس” في تقرير أصدرته وزارة المالية الروسية والبنك المركزي الروسي في أكتوبر الماضي، والذي يتألف من 48 صفحة. تتضمن الخطة رؤية مستقبلية للنظام المالي والنقدي الدولي، ومن بين مقترحاتها إنشاء عملة رقمية للبنوك المركزية (CBDC) ونظام يعتمد على تقنية دفاتر الحسابات الموزعة (DLT) لتعزيز المدفوعات بالعملات المحلية.
فيما يتعلق بالمدفوعات عبر الحدود، تقترح روسيا تطوير بنية تحتية فعالة من حيث التكلفة وسريعة، تتفوق على الأنظمة الحالية. والأهم من ذلك، تسعى إلى إنشاء “نظام يعتمد على التبعية المتبادلة بدلاً من اتخاذ قرارات مركزية من قبل جهة واحدة”. سيكون من الأهداف الرئيسية للقمة تسريع الجهود لتقليل الاعتماد على الدولار في المعاملات، مما يحد من قدرة الولايات المتحدة على استخدام تهديد العقوبات لفرض إرادتها السياسية.
تقترح موسكو أيضًا إنشاء “منصة متعددة الجنسيات جديدة تعتمد على تقنيات حديثة، تتضمن عنصرًا للرسائل المالية وتتيح إجراء التسويات باستخدام توكنات مدعومة بالعملات الوطنية أو العملات الرقمية للبنوك المركزية (CBDCs) وفقًا لتقدير كل دولة مشاركة، مما يوفر مستوى أعلى من اللامركزية”.
وأشار الاقتراح الروسي إلى أن من فوائد دفاتر الحسابات الموزعة (DLT) هو القضاء على مخاطر الائتمان عند استخدام العملات الرقمية للبنوك المركزية (CBDCs). كما ستتحسن السرعة من خلال إزالة الوسطاء وإجراء فحوص الامتثال مرة واحدة فقط بدلاً من تكرارها عدة مرات على طول سلسلة المدفوعات. بالإضافة إلى ذلك، ستؤدي الأتمتة إلى إلغاء الحاجة إلى التسوية اليدوية.