مستقبل خدمة العملاء في عصر الذكاء الاصطناعي
شهد الاعتماد المفاجئ على الذكاء الاصطناعي (AI) زيادة ملحوظة، خاصة في مراكز الاتصال، مما يثير تساؤلات حول إمكانية أن تسهم هذه الأدوات الحديثة في تحسين خدمة العملاء، التي غالبًا ما تُعرف بإحباط العملاء بدلاً من تقديم الدعم الفعلي لهم.
وفي هذا السياق، وقعت حادثة عندما واجهت شركة “سونوس” Sonos، المتخصصة في تصنيع أنظمة الصوت المنزلية، ردود فعل سلبية قوية نتيجة تحديث للتطبيق كان مليئًا بالمشكلات.
رداً على ذلك، قامت شركة “سونوس” بتوظيف شركة “سييرا” الناشئة، التي شارك في تأسيسها بريت تايلور، المدير في “أوبن أيه آي”، لتطوير روبوت يعمل بالذكاء الاصطناعي لخدمة العملاء. ومن المثير للاهتمام أن هذا الروبوت لم يقتصر على التعامل مع شكاوى العملاء بشكل فعال فحسب، بل ابتكر أيضاً حلاً خاصاً به لإحدى مشكلات التطبيق.
كما أشارت التقارير إلى أن الذكاء الاصطناعي التوليدي يتم دمجه بشكل متزايد في مجال خدمة العملاء. حيث توقع حوالي نصف المديرين التنفيذيين في هذا القطاع، وفقاً لاستطلاع حديث أجرته شركة “غارتنر”، أن يكون هناك تأثير ملحوظ خلال الـ 12 إلى 18 شهراً القادمة. ويعتبر قطاع خدمة العملاء واسعاً، حيث يوظف حوالي 3 ملايين عامل في الولايات المتحدة وحدها، بمتوسط راتب يبلغ 40 ألف دولار، مما يترجم إلى إجمالي كلف أجور سنوية تصل إلى 120 مليار دولار.
ينظر العديد من العمال في دول مثل الهند والفلبين إلى هذه الوظائف كوسيلة للارتقاء إلى الطبقة الوسطى. ومع ذلك، تدهورت سمعة قطاع خدمة العملاء بسبب الاعتماد على التكنولوجيا. يشير آندي لي، المؤسس الشريك لشركة “ألوريكا”، إلى أن الشركات غالبًا ما تعتمد عمليات محبطة لتقليل التكاليف، مما يجبر العملاء على الضغط على مجموعة من الأزرار والتحدث إلى روبوتات معقدة تقدم إجابات عامة، وهو ما يُعرف بتكتيك “المراوغة”. وفي حال كان هناك موظفون بشريون يشاركون في العملية، فإن ذلك يؤدي إلى زيادة التكاليف وتفاقم استياء العملاء والموظفين على حد سواء.
الآن، يراهن المستثمرون على الذكاء الاصطناعي التوليدي لتحسين هذا الوضع، حيث بلغ تمويل الشركات الناشئة في هذا المجال 171 مليون دولار على مستوى العالم خلال الربع الثالث من العام، مما يمثل زيادة كبيرة مقارنة بـ 45 مليون دولار في العام السابق.
تشير التقارير إلى أن شركات مثل “كريشندو” و”سييرا” شهدت زيادة ملحوظة في تقييماتها، مما يعكس اهتماماً كبيراً من قبل المستثمرين. كما أن شركات التكنولوجيا الكبرى مثل “ألفابيت” و”أمازون” و”مايكروسوفت” قد دخلت أيضاً في مجال خدمة العملاء المعتمد على الذكاء الاصطناعي التوليدي، حيث تطور هذه الشركات خدماتها بالاستناد إلى المواد التدريبية والتفاعلات السابقة مع العملاء.
وتستمر النقاشات حول دور هذه الروبوتات، حيث يعتقد البعض أنه رغم قدرة الذكاء الاصطناعي على المساعدة، إلا أن إدارة التفاعلات مع العملاء لا تزال بحاجة إلى تدخل بشري. بينما يرى آخرون أن روبوتات الذكاء الاصطناعي التوليدية قد أصبحت متطورة بما يكفي للتعامل مع معظم الاستفسارات بشكل مستقل.
مؤخراً، أعلنت شركة “تويليو” عن أداة جديدة تتيح للعملاء إنشاء روبوتات محادثة قادرة على الاستماع والتحدث، مما يعزز تجربة العملاء بشكل أكبر. بالإضافة إلى ذلك، تتبنى بعض الشركات الناشئة نموذج “التسعير القائم على النتائج”، حيث يتم فرض الرسوم بناءً على نجاح حل مشكلة العميل بدلاً من الوقت المستغرق من قبل الموظف.
لا تزال آراء العملاء حول الذكاء الاصطناعي غير واضحة. فبينما يؤكد المؤيدون أن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يقلل من أوقات الانتظار الطويلة ويوفر دعماً متعدد اللغات، أظهر استطلاع “غارتنر” أن 64% من العملاء يفضلون عدم التفاعل مع الذكاء الاصطناعي، خشية من تعقيد الوصول إلى الموظفين البشريين. كما أن الرغبة في التواصل البشري لا تزال قوية،
كما أشار روب جولر من “كليرسورس”. بالإضافة إلى ذلك، تثير المخاوف بشأن تأثير الذكاء الاصطناعي على وظائف مراكز الاتصال، حيث يتوقع “غارتنر” انخفاضاً محتملاً يتراوح بين 20 و30% في هذه الوظائف بحلول عام 2026 نتيجة للذكاء الاصطناعي التوليدي. وفي الوقت الحالي، تركز “كليرسورس” على استخدام الذكاء الاصطناعي لتدريب ودعم الموظفين البشريين.
علاوة على ذلك، أثارت التحولات التكنولوجية السابقة في مجال خدمة العملاء مخاوف من فقدان الوظائف، لكنها لم تتحقق في النهاية. ومع ذلك، قد يكون الوضع مختلفاً مع الذكاء الاصطناعي. إذا نجح في تقليص عدد الوظائف البشرية، فقد يتمكن الموظفون من تخصيص مزيد من الوقت للمهام الإبداعية وتحسين المنتجات بدلاً من التعامل مع العملاء الغاضبين، مما قد يؤدي إلى نتائج إيجابية.