السلامة أولاً في المدن الذكية: كيف تُعيد الجمعية الوطنية للحماية من الحرائق رسم ملامح البنية التحتية الآمنة للمستقبل

في الوقت الذي تتسارع فيه المدن حول العالم نحو التحول الذكي، تبرز قضية السلامة من الحرائق كعامل رئيسي يحدد مدى استدامة هذا التحول. ومع الثورة الرقمية التي تشمل كل شيء من السيارات إلى المباني الذكية، تلعب الجمعية الوطنية للحماية من الحرائق (NFPA) دورًا محوريًا في مواءمة معاييرها مع هذا التطور المتسارع.
في هذا الإطار، تحدثت أولغا كاليدونيا، مديرة تطوير الأعمال الدولية في الجمعية، إلى Gulf Tech News حول مستقبل معايير السلامة من الحرائق ودورها في دعم البنية التحتية عالية التقنية في المدن الذكية، مع إضاءة خاصة على تجربة المملكة العربية السعودية في هذا المجال.
توضح كاليدونيا أن مفهوم المدن الذكية ليس جديدًا، لكن الجديد هو مستوى التكامل بين التكنولوجيا والأنظمة الحيوية. وتقول: “حرصت الجمعية الوطنية للحماية من الحرائق على دمج التقنيات الحديثة ضمن معاييرها وأكوادها، خصوصًا في مجال الكهرباء والطاقة، حيث تُراجع هذه المعايير كل ثلاث سنوات لضمان استيعاب أحدث التقنيات والدروس المستفادة من المخاطر الناشئة.”
وتضيف أن السلامة من الحرائق تمثل حجر الأساس في حماية البنية التحتية الحيوية التي تدعم المدن الذكية، بما في ذلك شبكات الطاقة والاتصالات، ما يضمن استمرارية عمل الأنظمة الرقمية دون انقطاع.
ومع دخول تقنيات الذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء إلى منظومة المدن، تعمل الجمعية الوطنية للحماية من الحرائق على تطوير معايير تواكب هذا التحول. وتشير كاليدونيا إلى أن الجمعية أطلقت منصة “NFPA LiNK” الرقمية التي توفر وصولاً فورياً إلى معايير NFPA للأفراد والمؤسسات عبر اشتراك سنوي، موضحة أن النسخة القادمة من المنصة ستدمج الذكاء الاصطناعي لدعم المستخدمين بطرق أكثر تطورًا. وتضيف: “نحرص على ضمان مصداقية وسلامة الوثائق الفنية التي ننتجها، لأن هذه المعايير قد تُستخدم أحيانًا كمرجع قانوني في المحاكم، وهو ما يفرض علينا أعلى درجات الدقة والموثوقية.”
تثني كاليدونيا على التقدم الذي حققته المملكة العربية السعودية في مجال السلامة من الحرائق، قائلة: “تجسّد رؤية 2030 مفهوم ‘المملكة الطموحة’ بأفضل صوره، وقد قطعت السعودية خطوات مهمة في تبني أكواد ومعاييرالجمعية الوطنية للحماية من الحرائق بما يتماشى مع أهدافها المستقبلية.”
وتؤكد أن التعاون المستمر بين الجمعية وكلٍّ من الهيئة السعودية للمواصفات والمقاييس والجودة والمركز السعودي لكود البناء أسهم في ترسيخ ثقافة السلامة ضمن مشاريع المملكة العملاقة مثل “نيوم” و”ذا لاين”.
وترى كاليدونيا أن تطبيق معايير السلامة في بيئات المدن الذكية الخليجية يتطلب شراكة حقيقية بين القطاعين العام والخاص. وتقول:
“من الضروري أن تعمل الحكومات والشركات التقنية معًا لوضع أنظمة موحدة، والاستثمار في التدريب المهني المستمر، وتطوير سياسات تشجع الابتكار وتضع السلامة في مقدمة الأولويات.”
وتُعد الجمعية الوطنية للحماية من الحرائق من أبرز المؤسسات العالمية في تطوير المعايير العلمية للسلامة من الحرائق. وفي الشرق الأوسط، تعمل الجمعية كحليف استراتيجي للحكومات والمطورين لتضمين معاييرها في خطط المدن الذكية المستقبلية، وقد أبرمت الجمعية بالفعل عددًا من مذكرات التفاهم مع جهات حكومية وخاصة لتحقيق هذا الهدف.
وحول آلية التعاون مع الجهات المحلية، توضح كاليدونيا أن الجمعية تعمل مع الجهات الرقابية في السعودية، مثل الدفاع المدني والهيئة العليا للأمن الصناعي، لضمان التزام البنية التحتية الحيوية بمعايير السلامة المطلوبة. كما تقدم الجمعية الوطنية للحماية من الحرائق برامج تدريبية معتمدة عبر شبكة مدربين معترف بها دوليًا، لتمكين المتخصصين من فهم الفرق بين الأكواد التي تحدد “ما يجب فعله” والمعايير التي تحدد “كيف يُنفّذ العمل”، وهو ما تعتبره أساسيًا لضمان نجاح المشاريع العملاقة في المنطقة.
وتختتم كاليدونيا حديثها بالتأكيد على أن الجمعية تعمل من خلال دمج التقنيات الحديثة في منظومة معاييرها على رسم مستقبل المدن الذكية الآمنة، حيث لا تكون التكنولوجيا هدفًا بحد ذاتها، بل وسيلة لحماية الأرواح وضمان استدامة التقدم.