أخبار عامة

“احتــيال وابتــزاز”عالم السحر والشعوذة علي مواقع التواصل الاجتماعي

بيزنس الدجل والشعوذة للنصب بـ «العلاج الروحاني

في الآونة الأخيرة، لم يعد النصب بواسطة السحر والدجل مقتصرًا على الطرق التقليدية أو الممارسات التي تقتصر على بعض المناطق النائية، بل شهدنا تحولًا ملحوظًا نحو استخدام التكنولوجيا الحديثة، مثل وسائل التواصل الاجتماعي، لنشر هذه الأوهام والخداع.

هذا التوسع في استخدام الإنترنت يعزز من قدرة المحتالين على الوصول إلى عدد أكبر من الضحايا، مما يتيح لهم الاستفادة من الإعلانات المباشرة وغير المباشرة لبيع الوهم. الأدوات التي يتم ضبطها، مثل الهواتف المحمولة، تحتوي على أدلة قاطعة تؤكد نشاطهم الإجرامي، مما يعكس تعقيد الأساليب المستخدمة.

وبعد أن وجدوا في وسائل التواصل الاجتماعي  “منفذًا جديدًا” لتقديم خدماتهم، بدأ “المشعوذون الرقميون” كما يُطلق عليهم، في عرض خدماتهم بكثرة عبر تطبيق “فيسبوك”، مثل “جلب الحبيب، وإعادة المطلقة، وإلغاء سحر الانتقام، وسحر ‘تعكيس’ كل شيء في الحياة…”.

رافق عرض “عظمة الكتف” تحذيرات من نشطاء وجهوها للجزارين بضرورة “كسرها من الوسط” لمنع المشعوذين من استخدامها في طقوسهم، حسب تعبيرهم.

تتعدد الروايات حول استخدام “عظمة الكتف” في السحر، رغم أنها تبقى مجرد أقوال وفق التحذيرات التي يروجها النشطاء المذكورون. ومن بين هذه الروايات أنها “تحمل طلاسم السحر السفلي، ويصعب فكها من قبل المعالجين، وقد تؤدي إلى موت الشخص المستهدف ببطء”.

على الرغم من أن هذه الممارسات ليست جديدة على المجتمعات العربية، إذ تعود جذورها إلى عصور قديمة، إلا أن السحر والشعوذة قد اكتسبت طابعًا مختلفًا في العصر الرقمي. فقد انتقلت هذه الأنشطة من الشوارع والأزقة إلى الهواتف الذكية، مستفيدة من التقنيات الحديثة لخداع الأفراد وسرقة أموالهم. حيث يعتمد المحتالون على استغلال المخاوف والآمال العاطفية للناس، مما يجعلهم فريسة سهلة للتضليل والابتزاز.

عالم السحر والشعوذة علي الانترنت ..جلب الحبيب والعلاج الروحاني 

 

مع تقدم أساليب الاحتيال والشعوذة، ابتكر المحتالون الإلكترونيون تقنيات نفسية واجتماعية جديدة لجذب الضحايا، مدعين أنهم يمتلكون قدرات خاصة لحل مشكلاتهم الصحية، العاطفية أو المالية.

تُعرض هذه الخدمات غالبًا تحت مسميات مثل “الجلسات الروحانية العلاجية” أو “الطقوس المقدسة لإزالة السحر”. ورغم عدم وجود أي دليل علمي أو منطقي يثبت فعالية هذه الخدمات، فإن المبالغ المدفوعة تُعتبر ببساطة أموالًا تُجمع من الضحايا الذين يواجهون مشكلات قد تكون حقيقية، لكنها ليست ناتجة عن سحر مزعوم.

يُعد استغلال ضعف الضحايا من الأساليب الشائعة في عمليات الاحتيال عبر الإنترنت. يستغل المحتالون مشاعر الضعف والقلق لدى هؤلاء الأفراد، ويقدمون لهم ما يرغبون في سماعه. قد يعاني الضحايا من مشكلات عاطفية أو شخصية أو صحية، ويبحثون عن حلول سريعة. ويستغل المحتالون هذا الضعف العاطفي من خلال تقديم وعود جذابة وغير واقعية بحلول سريعة وفعالة لمشاكلهم، مثل استعادة حب مفقود أو حل النزاعات الأسرية.

تستخدم الإعلانات المضللة عناوين لافتة وتهويلًا مبالغًا فيه، مدعيةً قدرتها على معالجة جميع المشاكل مهما كانت طبيعتها. تُعتبر هذه الإعلانات جزءًا من  الشعوذةالا لكترونية، حيث تستغل قوة العناوين الجذابة لجذب الانتباه. تقدم وعودًا كبيرة ومبالغًا فيها، مثل القدرة على حل أي مشكلة في حياة الشخص، بدءًا من القضايا العاطفية وصولًا إلى تحسين الوضع المالي. غالبًا ما يعتمد المحتالون على لغة تحفيزية وعبارات مغرية مثل “حل جميع مشاكلك في 24 ساعة” أو “استرجع حب حياتك خلال ثلاثة أيام” لجذب الأفراد الذين يبحثون عن حلول سريعة لمشاكلهم.

في البداية، يُطلب من الضحايا دفع مبالغ مالية صغيرة مقابل خدمات أولية تُقدم لهم، مما يمنحهم شعورًا بالرضا في البداية. وبعد بناء الثقة، يبدأ المشعوذ في طلب مبالغ أكبر، مدعيًا أنه يقدم خدمات إضافية ضرورية لإكمال العمل الروحي.

لإجبار الضحايا على الدفع، يلجأ المشعوذ إلى أساليب الترهيب، زاعمًا أن عدم الدفع سيؤدي إلى عواقب سلبية وزيادة المشاكل. وإذا لم تنجح هذه الطريقة، يبدأ في ابتزازهم بطرق متنوعة.

تترك هذه الأساليب الضحايا في حالة من الضبابية حول القيمة الحقيقية للخدمات المقدمة، مما يجعلهم يقعوا في فخ المحتالين. تبدأ عملية النصب من خلال التخويف والترهيب، مع التهديد بعواقب سلبية إذا لم يدفع الضحية، أو باستخدام الابتزاز بالفضح لأولئك الذين يرفضون الدفع.

تشير الأرقام إلى أن المصريين ينفقون ما بين 10 إلى 25 مليار جنيه سنويًا على “خدمات” هذه العفاريت الإلكترونية، التي تشمل أعمال الدجل وفك الأعمال والسحر الأسود، وفقًا للمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية. وتظهر الدراسات أن الإنفاق العربي في هذا المجال يتجاوز عشرة مليارات دولار.

تجعلنا هذه الإحصائيات نتساءل عما إذا كنا نعيش في مجتمع يسيطر عليه السحر، حيث تتربص بنا قوى الشر الإلكترونية. وهذا يدفعنا للتفكير في طبيعة الشعوذة والدجل الإلكتروني، وطرق انتشارها على الإنترنت، ولماذا تزداد في المجتمعات العربية مقارنة بغيرها.

قال اللواء فاروق المقرحى، الخبير الأمني، إن التحديات الاجتماعية والاقتصادية المتزايدة في عصرنا الحالي أدت إلى ظهور جرائم النصب باستخدام السحر والدجل والشعوذة، والتي تُعتبر من أخطر الجرائم التي تهدد استقرار المجتمع وتماسكه. يقوم المحتالون بترويج أوهام حول قدراتهم الخارقة في علاج الأمراض، وجلب الرزق، وحل المشكلات الشخصية، مما يتيح لهم ابتزاز المواطنين بطرق غير قانونية وجني أرباح ضخمة على حساب ضحاياهم.

وأضاف أن الضحايا الرئيسيين لهذه الأنشطة هم الأفراد الذين ينخدعون بهذه الحيل، حيث يدّعي المتهمون قدرتهم على تقديم خدمات مثل العلاج الروحاني، وإرجاع المطلقة، وجلب الحبيب، وزيادة الرزق. كما تتنوع أساليبهم من الترويج للقدرة على معالجة الأمراض النفسية أو العضوية إلى تقديم “وصفات سحرية” تهدف إلى زيادة الحظ أو حماية الأفراد من “العين” أو الحسد.

أشار المقرحي إلى أن استخدام السحر والدجل في النصب ليس فقط تصرفًا غير أخلاقي، بل يُعتبر جريمة يعاقب عليها القانون في العديد من الدول، بما في ذلك مصر، حيث تُجرم ممارسة الشعوذة والدجل بموجب قانون حماية الآداب العامة. ومع ذلك، تكمن المشكلة في صعوبة ملاحقة هؤلاء المحتالين، خاصة مع تزايد استخدام الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي كوسيلة لترويج هذه الأنشطة. لكن وزارة الداخلية تقوم بتوجيه ضربات قوية وتحقق معدلات ضبط مرتفعة.

أوضح الخبير الأمني أن عمليات النصب في هذه الحالات غالبًا ما تستند إلى الأمل الزائف، حيث يشعر الضحايا بالضعف أو العجز عن مواجهة مشاكلهم، ويعتبرون “الروحانيات” وسيلة للهروب من تلك الضغوط. بالإضافة إلى ذلك، تؤدي هذه الجرائم إلى تآكل الثقة بين أفراد المجتمع، مما يزيد من الشكوك حول النوايا الحقيقية للأشخاص والجهات المختلفة. وعندما يشعر الأفراد بعدم قدرتهم على التمييز بين الصادق والمحتال، قد يتسبب ذلك في توتر اجتماعي وزيادة القلق.

أكد الخبير الأمني أن مكافحة جرائم النصب التي تعتمد على السحر والدجل لا تقتصر على القبض على الجناة أو فرض العقوبات القانونية فقط، بل تحتاج أيضًا إلى وعي جماعي يشمل جميع فئات المجتمع. فالحفاظ على استقرار المجتمع يتطلب أن يكون كل فرد مدركًا لمخاطر هذه الأنشطة وأهمية الابتعاد عنها. ورغم الجهود الكبيرة التي تبذلها الأجهزة الأمنية، يبقى المواطن هو الخط الدفاعي الأول والأهم ضد هذا النوع من الجرائم، التي تؤثر ليس فقط على الأفراد بل على المجتمع ككل.

د. وائل عبد العظيم، خبير في تكنولوجيا المعلومات، وصف ثورة المعلومات والاتصالات ووسائل التواصل الاجتماعي بأنها تشبه المكوك الفضائي الذي يعبر القارات، حيث أتاح الفرصة للدجالين للظهور بشكل عالمي. فقد سهلت هذه الثورة تجاوزهم للحدود الضيقة لدولهم إلى دول أخرى بطرق متنوعة لخداع ضحاياهم، بغض النظر عن جنسياتهم، وابتزازهم مالياً.

وأشار إلى أن السيطرة على الدجالين أصبحت صعبة بسبب الانتشار الواسع لوسائل التواصل الاجتماعي وكثرة المعلومات والبيانات المتداولة، مما يجعل عملية المراقبة والتحكم غير فعالة. وقد أوجد ذلك بيئة مناسبة لانتشار الدجالين عبر الحدود، وزاد من تأثيرهم، خاصة أن الفئة الأكثر استخداماً لوسائل التواصل الاجتماعي تتكون من الأطفال والمراهقين، مما يزيد من فرص وقوعهم ضحايا، وبشكل سريع يتناسب مع قلة خبرتهم وضعف التواصل داخل الأسرة.

كما أشار د. عبد العظيم إلى أن هناك آلاف المواقع الإلكترونية المتخصصة في الشعوذة والدجل، التي اكتشفت أن الفئات المستهدفة تقتصر على المراهقين والنساء. وهذا دفعهم لتطوير أساليبهم في الشعوذة، حيث أضافوا عناصر علمية ودينية لجذب هذه الفئات واستدرار الأموال منهن.

يقول د. وائل عبدالعظيم، إن الأبحاث والدراسات التى رصدت اتجاهات ومضمون المواقع الإلكترونية وصفحات السوشيال ميديا المتخصصة فى الدجل والسحر، استخلصت أنها تستهدف أيضا القطاع الرياضى والقطاع الاجتماعي، بشكل واسع.

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى