احذر الدواء فيه سم قاتل …مافيا الادوية المغشوشة تغزو سوق الدواء المصري فما القصة
الي متي يتلاعب أباطرة الادوية في صحة المصريين وأين الرقابة
في ظل الانتشار الواسع للأدوية المجهولة المصدر والمغشوشة في السوق المصري، تستغل “مافيا الدواء” الأزمات الناتجة عن نقص بعض الأدوية للترويج لمنتجاتها المغشوشة. يقومون بخداع المواطنين من خلال الحملات الترويجية التي تُنشر عبر وسائل التواصل الاجتماعي لبيع هذه الأدوية. وقد أصبح الإنترنت منصة كبيرة لتسويق الأدوية المجهولة التي لا تتوافق مع المعايير الصحية، حيث تُباع أحيانًا بأسعار مرتفعة تفوق قيمتها الحقيقية أو بأسعار منخفضة لجذب الزبائن
يلجأ بعض التجار الجشعين إلى بيع أدوية مغشوشة أو منتهية الصلاحية أو غير معروفة المصدر للمواطنين. كما يقوم البعض بإخفاء الأدوية والترويج لها عبر المواقع الإلكترونية، مغريًا المتلقين بفعاليتها، رغم أنها قد تكون غير آمنة. يتم ذلك بهدف تحقيق أرباح سريعة دون أي اعتبار لضميرهم أو لصحة الناس. تعتبر ظاهرة غش الأدوية منتشرة في العديد من دول العالم، وهي من أخطر الجرائم التي تهدد صحة الإنسان وتؤثر سلبًا على المجتمع. لذا، تسعى الدولة جاهدة لمكافحة هذه الجرائم بوسائل متعددة للحد منها ومعالجتها، حفاظًا على الصحة العامة لمواطنيها
تحتل “مافيا السوق السوداء” السيطرة على معظم الأدوية في مصر، وخاصة تلك المخصصة لعلاج الأمراض المزمنة. وقد تفاقمت الأزمة الحالية نتيجة ارتفاع سعر الدولار، مما أثر بشكل مباشر على تركيبة الأدوية، خصوصاً الأدوية الحيوية
تسعى هذه المافيا لتحقيق أرباح سريعة على حساب الفقراء، مما يجعلها تشكل تهديداً حقيقياً لملايين المصريين، حيث يصفها البعض بـ”تجار الموت” أو “تجار الآلام“
مافيا الادوية المغشوشة والمهربة تغزو سوق الدواء المصري
ظهرت مافيات الأدوية منذ بداية الألفية الجديدة، وأصبحت أرباحها تفوق أرباح “تجارة السلاح”. ويطلق عليها أصحاب الصيدليات اسم “مخدرات الدواء”، نظراً لاحتوائها على آلاف الأصناف المهربة التي تعبر الحدود دون دفع ضرائب أو خضوع للرقابة، مما أدى إلى انتشار الأدوية المغشوشة والعقاقير الفاسدة التي تمثل حوالي 10% من السوق، وفقاً لتقديرات غير رسمية
هذا الواقع المظلم الذي يسرق آمال الملايين في الشفاء، يجسد المقولة الشهيرة التي أطلقها الفنان الراحل يوسف وهبي في فيلم “حياة أو موت”: “الدواء فيه سم قاتل”،
يشير “المركز المصري للحق في الدواء” إلى أن مصر تعتمد على استيراد حوالي 95% من المواد الخام الضرورية لصناعة الأدوية، حيث تأتي 55% من هذه المواد من الصين و45% من الهند. هذا الاعتماد على الاستيراد يجعل الصناعة عرضة للتقلبات العالمية. من جانبه، يوضح المركز المصري للدراسات الاقتصادية أن هذه الصناعة تعتمد بشكل كبير على الاستيراد، مما يجعلها تتأثر بتغيرات أسعار صرف العملات
ومن بين الأدوية التي تتعرض للتلاعب، تبرز أدوية الكبد مثل “الألبومين” والإنترفيرون المستخدم في علاج الفيروسات الكبدية، بالإضافة إلى “بلافكس” الذي يُستخدم لمنع تكوّن التجلطات الدموية وحماية القلب. كما تشمل القائمة عقاري “هيريسبتين” و”زوميتا” لعلاج السرطان، حيث يصل سعر الأمبولة الواحدة منهما إلى 10 آلاف جنيه مصري (حوالي 220 دولاراً بالسعر الحالي
يعاني سوق الأدوية في مصر حالياً من نقص حاد في مئات الأصناف المتعلقة بالأمراض المزمنة، مثل ارتفاع ضغط الدم، السكري، مشاكل المرارة، الغدة الدرقية، الكلى، اضطرابات المعدة، السرطان، الجيوب الأنفية، والأعصاب، وغيرها
أما سرقة الأدوية المدعمة، فهي نوع من الجرائم التي لا تقتصر آثارها على الجانب الاقتصادي فحسب، بل تمتد لتسبب أزمات وجرائم أخرى. هذه السرقات تعرض حياة المواطنين للخطر، خاصة عندما تُسرق أدوية مخصصة للمرضى المستحقين للدعم. تخيل لو تمت سرقة أدوية قبل اتخاذ إجراءات إعدامها، مما يزيد من خطورة الموقف. بالإضافة إلى ذلك، قد يتعرض بعض الصيادلة للمسائلة القانونية إذا لم ينتبهوا لوجود أدوية مسروقة مختلطة مع الأدوية الموردة لهم. إن الإضرار بحصة الأدوية المخصصة للمستشفيات الحكومية يُعتبر ضررًا عامًا وجرائم متعددة بحق الدولة والمواطنين
وقد أشار الدكتور علي عبد الله، مدير مركز الدراسات الدوائية، إلى أن الأدوية المغشوشة والمهرّبة تمثل حوالي 15% من حجم السوق المصري، وفقاً لدراسة أجراها مركز التعبئة العامة والإحصاء في السنوات الأخيرة. ورغم ذلك، لا توجد إحصائيات حديثة دقيقة حول هذا الموضوع. وحذر عبد الله المرضى من تناول هذه الأدوية المغشوشة التي قد تكون خطيرة، داعياً إياهم إلى التأكد من شراء الأدوية المرخصة من وزارة الصحة، والابتعاد عن الشراء عبر الإنترنت
وصلت تجارة الأدوية في السوق المصري إلى حوالي 140 مليار جنيه (ما يعادل 4.516 مليارات دولار أميركي) في عام 2023، حيث يتم توفير نحو 90% من الاستهلاك من خلال الإنتاج المحلي. كما توجد طلبات معلقة لاستيراد الأدوية والخامات بقيمة تقارب 200 مليون دولار، وفقاً لتقديرات رسمية
التهريب واعادة تدوير الادوية سرطان ياكل صحة المؤاطن
بينما قال الدكتور محمد الشيخ، نقيب صيادلة القاهرة وعضو مجلس الشيوخ، إن عدم القدرة على التخلص الآمن من الأدوية منتهية الصلاحية مشكلة كبيرة للغاية تؤرق الكثير من الصيادلة، بالإضافة إلى تأثيرها السلبي على الاقتصاد. من الصيدلية. . لما يمثله ذلك من خسائر وعبء.ويتابع: “وهناك من هو ضعيف يقوم الناس بجمع هذه الأدوية لإعادة تدويرها في مصانع بئر السلام وتباع بأسعار مخفضة للغاية بفضل انتشار التطبيقات وهذه التطبيقات لا ينظمها الطب”، مضيفا أن الآثار السلبية لهذه الأدوية خطيرة أو حتى ضئيلة. حيث يبقى المريض دون دواء أو علاج. تؤثر سلباً على الصحة
أوضح نقيب صيادلة القاهرة أن أفضل وسيلة للتخلص من الأدوية المنتهية الصلاحية هي إعادتها إلى الصيدلية، التي تقوم بدورها بإرجاعها إلى الشركة المصنعة أو المصنع، مقابل الحصول على أدوية جديدة بنفس القيمة وسارية الصلاحية. ويقوم المصنع بإتلاف الأدوية في المحارق الرسمية لضمان عدم تداولها مجددًا في السوق
وأكد الشيخ أنه حصل على موافقة وزير المالية قبل عام لخصم قيمة الأدوية التي تم إتلافها من الوعاء الضريبي للمصنع كخسائر، كما هو معمول به في الصناعات الغذائية، إلا أن هذا الأمر لم يُنفذ حتى الآن. وأوضح أن هذه الموافقة ستساهم في ضمان خلو سوق الأدوية من أي منتجات فاسدة أو منتهية الصلاحية، مما يحافظ على صحة المرضى ويقيهم من المضاعفات
وأشار الشيخ إلى أهمية تشكيل هيئة الدواء لجنة تضم ممثلين عن نقابة الصيادلة وغرفة صناعة الدواء ومندوب من مصلحة الضرائب ومندوب من هيئة الدواء المصرية، للاجتماع ووضع آلية تضمن تنفيذ الشركات المنتجة لإتلاف الأدوية المنتهية الصلاحية مع إمكانية خصمها من الوعاء الضريبي
كما يجب تعزيز الرقابة على الأدوية التي تحمل اسم هيئة الشراء الموحد، وذلك لمنع وصولها إلى مخازن الأدوية وبيعها للصيدليات، مما قد يعرض الصيادلة الذين يشترونها للمسائلة القانونية بسبب عدم معرفتهم الكاملة بمدى قانونية حيازة هذه الأصناف. من الضروري أن تتعاون هيئة الشراء الموحد مع الجهات المعنية في قطاع الدواء، مثل النقابة، لتبادل الآراء ومناقشة المشكلات والمزايا بشكل متوازن
كما أشار إلى أنه بعد وصول بعض الأصناف التي تحمل “شعار” هيئة الشراء الموحد إلى بعض الصيدليات من مخازن معينة، أصبح من الضروري أن تعمل الهيئة على فرض رقابة صارمة لمنع تسرب هذه الأصناف من مخازنها أو نقاط توزيعها. ذلك لضمان عدم تعرض أصحاب الصيدليات للمسائلة القانونية بسبب حيازتهم لأصناف قد تصل إليهم عن طريق الشراء من تلك المخازن، والتي قد لا يكتشفها الصيدلي إلا بالصدفة
أوضح أنه بعد انضمام الشركة المصرية لتجارة الأدوية إلى هيئة الشراء الموحد، أصبح من الضروري التمييز بين الأدوية التي تستوردها الشركة لتوزيعها على الصيدليات الخاصة، وتلك التي تتولى الهيئة مسؤولية توزيعها على المستشفيات الحكومية والعامة والتأمين الصحي وغيرها. وينص القانون على ضرورة أن تحمل الأدوية المستوردة اسم المستورد ورقم التسجيل وتواريخ الصلاحية. لذلك، يجب كتابة الاسم الجديد للشركة المصرية على الأدوية الخاصة بالشراء الموحد (استيراد الشركة المصرية التابعة لهيئة الشراء الموحد) لتجنب أي لبس، خاصة وأن القاعدة القانونية تشير إلى أن التفسير الخاطئ قد يؤدي إلى أخطاء في التنفيذ
أباطرة الادوية تتلاعب بصحة المواطن المصري
أوضح أن الأشخاص الذين يستولون على الأدوية من المخازن أو من خلال التلاعب يستغلون قيمتها عن طريق بيعها بعد خلطها مع الأدوية الموزعة على الصيدليات، مما يعرض الصيدلي المسؤول للمسائلة القانونية. لذلك، أنصح الصيادلة الذين يكتشفون مثل هذه الأدوية بالإبلاغ عن الجهة الموزعة لها لضبطها، وذلك من خلال التوجه إلى أقرب إدارة تفتيش صيدلي. يُعتبر هذا واجبًا مهنيًا يجب عليهم الالتزام به، حيث إن ترك السارق دون محاسبة سيمكنه من بيع مسروقاته في أماكن أخرى، مما يتيح له الاستمرار في ارتكاب جريمته
بينما أشار الدكتور محمود فؤاد، مدير مركز الحق في الدواء، إلى وجود أساليب متعددة لعمليات غش الأدوية المخصصة للمرضى المصريين، ومن أبرزها المخازن غير المرخصة المعروفة بـ “بير السلم”. بعض هذه المخازن تتبع صيدليات كبيرة، لكنها تعمل في الخفاء دون الحصول على التراخيص اللازمة، ولا تقتصر على الحصول على الأدوية من الموزعين الرسميين، بل تلجأ أيضًا إلى تجار الشنطة وتجار الأدوية المهربة والمغشوشة. كما تستفيد هذه المخازن من صيدليات تبيع كميات من الأدوية المدعمة بأسعار مخفضة، حيث يقوم الأفراد ببيعها لهم بنصف الثمن
وكشف محمود فؤاد أن حجم الأدوية المغشوشة في السوق المصرية يُقدّر بنحو 12 مليار جنيه، نتيجة لوجود السوق السوداء والطرق غير المشروعة. وأكد أن “مافيا الدواء” أصبحت تسيطر بشكل شبه كامل على تجارة الأدوية في مصر، حيث تحولت مصادر حصول الصيدليات على الأدوية من الشركات المصنعة إلى مصادر أخرى مثل المخازن غير المرخصة وإعلانات فيسبوك، بهدف تحقيق أكبر نسبة من الخصومات والأرباح دون مراعاة لجودة الأدوية. كما أشار المركز المصري للحق في الدواء في تقريره الأخير إلى حجم التجارة في الأدوية منتهية الصلاحية
حيث تبلغ قيمة تجارة الأدوية في مصر حوالي 700 مليون جنيه سنويًا، ومن المتوقع أن يرتفع هذا الرقم بسبب الأزمة الحالية التي أدت إلى ظهور مصدر جديد لتجارة الأدوية منتهية الصلاحية. وقد أشار المركز المصري للحق في الدواء إلى زيادة نسبة الأدوية المغشوشة والمقلدة في البلاد، حيث تتراوح هذه النسبة بين 15 و20% في سوق تتجاوز قيمتها 6 مليارات جنيه وفقًا للمنظمات الدولية المعنية بصناعة الأدوية. قبل عدة أشهر من أزمة ارتفاع أسعار الأدوية الأخيرة، كانت هناك تجارة قائمة في هذه الأنواع من الأدوية، حيث كانت الصيدليات تبيع الأدوية التي قاربت صلاحيتها على الانتهاء إلى مخازن الأدوية، التي تقوم بدورها بتصريفها عبر عدة قنوات. بالإضافة إلى ذلك، كانت هناك عمليات بيع للأدوية من الأفراد إلى تلك المخازن، التي تجمع الأدوية من الأفراد والصيدليات وتقوم بتوزيعها عبر مسارات متعددة
قطعا هناك جهة مستفيدة من انتشار إعلانات شراء الأدوية بأسعار مخفضة، حيث تقوم بشراء بقايا الأدوية بنصف الثمن لإعادة تصنيعها وبيعها للمواطنين. وفي هذا السياق، تم التأكيد على أن ظاهرة غش الأدوية أكثر انتشارًا مما نتوقع، ومن المفترض أن تعمل وزارتي الصحة والتموين على مكافحتها بطرق متعددة. كما أشار إلى أن هناك ممرضات وعمال في المستشفيات الحكومية يقومون بأخذ الأدوية بشكل غير قانوني ويبيعونها للصيدليات أو الأماكن التي تعرض هذه الإعلانات. وقد تم ضبط ثلاث ممرضات مؤخرًا من قبل الرقابة الإدارية، حيث استولوا على أدوية مخدرة لمرضى السرطان بقيمة نصف مليون جنيه من مركز أورام جامعة المنوفية، من خلال ادعاء إصابة زوج إحداهن بالمرض وتزوير إقامته بالمركز
وفيما يتعلق بأسباب غش الأدوية، أشار فؤاد إلى أن من بينها نقص الدولار في الأسواق المصرية وارتفاع أسعار الأدوية أو نقصها. كما أكد على دور الإعلام في كشف ممارسات بعض الصيدليات في غش الأدوية، مشيرًا إلى أن مخازن غير مرخصة تابعة لصيدليات كبرى تعمل في الخفاء بعيدًا عن الرقابة
ويبقي السؤال الاهم الي متي تستمر مافيا وأباطرة الادوية المغشوشة في غزو سوق الدواء المصري والتلاعب بصحة المصريين