ألعاب إلكترونية (قاتلة) تغزو العقول…من ادمان وقتل وانتحار
تعتبر الألعاب الإلكترونية من الأنشطة التي تثير اهتمام العديد من الشباب والأطفال، حيث تستحوذ على جزء كبير من أوقاتهم. تُستخدم هذه الألعاب للترفيه والتسلية، ويمكن أن تساعد الشباب في اكتساب مهارات إيجابية مثل سرعة اتخاذ القرار وتنمية القدرات العقلية. ومع ذلك، قد تؤدي أيضًا إلى نتائج سلبية غير مرغوبة، مما يجعلها سلاحًا ذا حدين.
تثير الألعاب الإلكترونية التي تشجع على العنف والقتل والانتحار قلق الأسر والدول، خاصة مع تزايد حالات القتل والانتحار حول العالم. يتطلب هذا الوضع الانتباه الجاد والمواجهة السريعة للمشكلة، نظراً لتأثيرها المدمر على عقول الأطفال والمراهقين الذين يمارسونها.
أثار هذا الموضوع جدلاً واسعاً بين المتخصصين في دراسة سلوك الأطفال والمراهقين حول تأثير الألعاب الإلكترونية مثل “بابجي” و”الحوت الأزرق”، والتي تحتوي على محتوى يدعو إلى العنف ومشاهد القتل. يزداد القلق بشأن تأثير هذه الألعاب على سلوك الأطفال والمراهقين، خاصة في ظل غياب دور الأسرة وانشغال الأهل عن أبنائهم في هذه المرحلة الحساسة التي تتشكل خلالها مكونات شخصيتهم المستقبلية.
وقد حذرت العديد من الدراسات والأبحاث، سواء من مؤسسات دولية أو عربية، من المخاطر المرتبطة بالألعاب الإلكترونية، خصوصاً تلك التي تحث على العنف. وأكد خبراء في الطب النفسي والاجتماع أن الإدمان على هذه الألعاب يؤثر سلباً على سلوك الطلاب، مما يؤدي إلى عزلهم عن بيئتهم المدرسية ومجتمعهم، ويؤثر على تفاعلهم مع الآخرين، مما قد ينتج عنه اضطرابات نفسية.
ألعاب إلكترونية (قاتلة) تغزو العقول
في إطار مواجهة هذه الظواهر السلبية، تسعى الدول إلى تنفيذ خطط وبرامج تهدف إلى استغلال الألعاب الإلكترونية بشكل إيجابي، مع تعزيز روح التحدي والتنافس الذهني. وتعتبر مصر من أكثر الدول العربية التي شهدت حوادث انتحار وقتل بين الأطفال والمراهقين نتيجة لهذه الألعاب، مما دفع النائب العام المصري إلى إصدار قرار في أبريل الماضي بحجب مواقع الألعاب الإلكترونية.
أكد المستشار وسام إسماعيل، المحامي بالنقض والإدارية والدستورية العليا، ، على ضرورة إصدار تشريع يواجه مخاطر وأضرار الألعاب الإلكترونية وما يترتب عليها من جرائم تشكل خطورة على المجتمع.
وقال اسماعيل ان العالم يشهد خطوات سريعة نحو تطور تكنولوجي غير مسبوق، إنما حديث اليوم ليس عن إيجابيات التكنولوجيا، إنما عن السلبيات والمخاطر التي تسببها الألعاب الإلكترونية، بما حدا بالكثيرين أن يطلقوا عليها ألعاب الشيطان أو ألعاب غزو العقول، لما ثبت من الواقع العملي من حالات كثيرة قادت إلى الإدمان، بحيث يصبح الشاب أو الطفل أو أى عمر من الأعمار مدمنا لحد الخطورة، حيث تسيطر الألعاب على العقول وقد تقود إلى الانتحار أو ارتكاب جرائم قتل أو خلافهن ضاربا مثل بلعبة الحوت الأزرق ولعبة تشارلي، وغيرها.
وتابع “هناك دول كثيرة وبدأتها الصين والسعودية وألمانيا والمملكة المتحدة فى أن تسن تشريعات، لاننا نحن في ذمة القانون أمام جريمة تشكل خطرا، فيجب أن نكون أمام إجراءات قانونية تحول دون وقوع الجريمة، فمن خلال الألعاب الإلكترونية هناك خكورة بالغة وتصدى بعض الدول لها بتشريعات، لأنها دقت ناقوس الخطر، فمن الضروري أن نكون أمام تدخل تشريعي وإصدار قانون يحول دون وقوع الجريمة وتمنع هذا الخطر، لان البعض صنف هذه الجرائم على أنها إحدى حروب الجيل الرابع”.
«وحوش إلكترونية» تفترس عقول وأرواح المراهقين
أشار اسماعيل إلى أن الارتباط بالألعاب الإلكترونية قد يتحول إلى إدمان يصعب التخلص منه بسهولة، مما يصبح سلوكًا يوميًا للطفل والمراهق. لذا، من الضروري أن تتعاون الأطراف المحيطة بالطفل في هذا الشأن. وأوضح أن هذا النوع من الألعاب يسبب التوتر والقلق للاعبين، خاصةً أنها تتطلب منهم قتل شخص آخر للبقاء على قيد الحياة، حيث يستخدم اللاعبون الأسلحة والمعدات القتالية المتاحة في العالم الحديث كوسيلة للدفاع عن أنفسهم. وهنا تكمن المشكلة في ترسيخ مبدأ القضاء على الآخر من أجل البقاء.
وطالب إدارات المدارس بتنظيم محاضرات توعوية تركز على مخاطر الإدمان الإلكتروني، مشيرًا إلى أهمية أن يتعامل الاختصاصيون النفسيون مع هذه الظواهر بشكل احترافي، بدءًا من الحديث بشكل عام وصولًا إلى التفاعل مع الطلاب.
وأضاف أن دور الاختصاصي النفسي لا يقتصر على التواصل مع الطالب فقط، بل يجب أن يشمل أيضًا مقابلة ولي الأمر لمتابعة الخطوات اللازمة لمساعدة الطالب في التغلب على المشكلة. كما دعا الأسرة إلى تحمل مسؤولياتها في مراقبة الأبناء، وأكد على ضرورة أن تتحمل المؤسسات التعليمية مسؤولياتها للحد من انتشار هذه الظاهرة.
أشارت الدراسات إلى أن الأطفال والمراهقين يواجهون العديد من المشكلات الصحية نتيجة الجلوس المطول أمام الأجهزة الحديثة، وخاصة بسبب الألعاب الإلكترونية. من أبرز هذه المشكلات الإصابة بأمراض سوء التغذية، مثل السمنة والنحافة، بالإضافة إلى مشاكل في العين نتيجة التعرض المستمر للأشعة الضارة من الشاشات، مما يؤدي إلى ضعف النظر وجفاف العين وانكسار خفيف.
قال أستاذ الصحة النفسية بكلية التربية جامعة القاهرة، الدكتور طه أبو حسين أظهرت الأبحاث أن الألعاب الإلكترونية والتقنيات الحديثة أدت إلى تقليل حركة الأطفال والمراهقين والشباب، مما ساهم في زيادة تراكم الدهون، خاصة في منطقة البطن، مما يزيد من خطر الإصابة بـ “المتلازمة الأيضية” الناتجة عن السمنة المفرطة. وهذا قد يؤدي إلى ظهور أمراض متعددة مثل السكري وارتفاع ضغط الدم وزيادة نسبة الكوليسترول. وقد أظهرت الدراسات أن واحدًا من كل أربعة أطفال في العالم يعاني من مرض السكري، مما يعكس الارتفاع المستمر في أعداد مرضى السكري من النوع الثاني.
وأشار إلى أن الألعاب الإلكترونية يمكن أن تكون ذات فائدة إذا تم اعتبارها رياضة. يُستخدم مصطلح “الرياضة الإلكترونية” عالميًا للإشارة إلى المنافسات في ألعاب الفيديو، حيث يتنافس اللاعبون كأفراد أو فرق في بطولات محلية أو عالمية. تخضع هذه البطولات لمجموعة من القوانين، ويمكن أن تُقام في صالات مخصصة حيث يجتمع اللاعبون في أوقات وأماكن محددة، أو عبر الإنترنت بعد الاتفاق على مواعيد وجدول المباريات.
وفي هذا السياق، أوضح أبو حسين ، أن الاستخدام الصحيح للرياضات الإلكترونية يمكن أن يكون وسيلة فعالة لتحفيز وتنشيط العقل، بالإضافة إلى الابتعاد عن العنف. يتم ذلك من خلال تنظيم منافسات محلية وبطولات داخل الدولة في الألعاب الشائعة عالميًا، مما يشجع الشباب والناشئين على ممارسة هذه الرياضات عبر القنوات الرسمية، بالتوازي مع الرياضات التقليدية مثل كرة القدم والسلة والسباحة، مع منح الفرصة للمتميزين منهم لتمثيل الدولة في المحافل العالمية.
يمارس الشباب ألعابًا إلكترونية على أجهزتهم الخاصة، مما يؤثر عليهم سلبًا بسبب ضعف قدرتهم على مواجهة الفوضى التي تخلقها الشركات العالمية بهدف تحقيق أرباح ضخمة. وقد صدمت جريمة وقعت في مصر الرأي العام عندما قام تلميذ بقتل مدرسته بناءً على أمر تلقاه من لعبة كان يلعبها في الخفاء بعيدًا عن رقابة والديه. كما شهدت البلاد حالات انتحار مؤسفة بين العديد من الشباب والفتيات المراهقين نتيجة إدمان لعبة “الحوت الأزرق”. وأكد أبو بيه أن هذه الألعاب التي تشجع على العنف والقتل تشكل تهديدًا لعقول أطفالنا وتؤدي إلى تدمير الأسر.
وفيما يتعلق بالحلول اللازمة لمواجهة هذه الظاهرة الخطيرة، أشار إلى ضرورة تحديث المناهج التعليمية في الوطن العربي لتصبح رقمية، بحيث تُقدم المواد الدراسية والدروس للأطفال في شكل أفلام فيديو أو ألعاب إلكترونية. كما يجب أن تشمل الأنشطة العلمية ذلك أيضًا. وأوضح أن العديد من الدول اتخذت خطوات لمواجهة هذه الكارثة من خلال فرض رقابة على هذه الألعاب القاتلة وحجبها. وطالب الدول العربية بتعزيز الرقابة على الإنترنت وحذف الألعاب الضارة.
تشير الدكتورة ولاء حسني وكيل وزارة الصحة إلى أن الألعاب الإلكترونية تؤدي إلى إدمان حقيقي لدى المراهقين والأطفال، وهو إدمان لا يقل خطورة عن إدمان المخدرات. وتلفت الانتباه إلى أن استخدام هذه الألعاب قد زاد بشكل ملحوظ خلال السنوات العشر الأخيرة، وخاصة في العام الماضي نتيجة لجائحة كورونا، مما أدى إلى بقاء الأطفال والشباب في المنازل.
وأكدت المسؤولة في وزارة الصحة والسكان المصرية أن هذه الألعاب تسببت في حالة إدمان حقيقية لدى المراهقين والأطفال، مما يؤثر سلباً على صحتهم النفسية ويؤدي إلى حالات من التوتر والقلق والاكتئاب. كما أنها تعزز من ظاهرة العنف، حيث يصبح العنف أمراً طبيعياً في الحياة الواقعية، خاصة مع الانغماس في الألعاب الخطرة مثل “بابجي”.