هل يصبح الذكاء الاصطناعي هو المستقبل في قطاع الطاقة
يُعتبر الربط بين قطاعي الطاقة والذكاء الاصطناعي من أبرز التحولات التي تشهدها الصناعات الحديثة، حيث تلعب التقنيات المتطورة دورًا حيويًا في تعزيز كفاءة استهلاك الطاقة وتطوير أنظمة طاقة أكثر استدامة.
يعتمد الذكاء الاصطناعي على تحليل كميات ضخمة من البيانات وتطبيق خوارزميات التعلم الآلي لتحسين الأداء في مجالات الطاقة المختلفة، بدءًا من توليد الطاقة المتجددة وصولاً إلى إدارة الشبكات الكهربائية. وقد أصبح قطاع الطاقة رائدًا في مسيرة صعود الذكاء الاصطناعي، حيث أصبح الوصول إلى الكهرباء عنصرًا حاسمًا في تشغيل مراكز البيانات، مما جعل الأنظمة الحالية للطاقة تواجه تحديات في تلبية الطلب المتزايد.
وأشار سلطان أحمد الجابر، وزير الصناعة والتكنولوجيا المتقدمة في الإمارات، والعضو المنتدب والرئيس التنفيذي لمجموعة «أدنوك»، إلى أن الذكاء الاصطناعي يُعد واحدًا من الاتجاهات العالمية الثلاثة الكبرى، مؤكدًا على الفرص التي يوفرها لقطاع الطاقة العالمي. وأوضح أن هناك حاجة ملحة لزيادة الاستثمار في قطاع الكهرباء بمقدار لا يقل عن 1.5 تريليون دولار سنويًا، وذلك خلال كلمته التي ألقاها في افتتاح معرض ومؤتمر أبوظبي الدولي للبترول «أديبك» 2024 في أبوظبي.
تساهم هذه التقنيات في تعزيز القدرة على التنبؤ بالطلب على الطاقة، وتقليل الفاقد، وزيادة الاعتماد على مصادر الطاقة النظيفة، مما يبرز أهمية الابتكار التكنولوجي في مواجهة التحديات البيئية والاقتصادية الراهنة.
لتوضيح الصورة، أشارت شركة «غولدمان ساكس» للأبحاث في تقريرها إلى أن معالجة بحث ما عبر «تشات جي بي تي» (ChatGPT) تتطلب في المتوسط حوالي 10 أضعاف كمية الكهرباء مقارنة بالبحث باستخدام محرك «غوغل»، حيث تستهلك 2.9 واط في الساعة مقابل 0.3 واط، وفقاً لوكالة الطاقة الدولية. ويعكس هذا الفارق تحولاً كبيراً في كيفية استهلاك العالم للطاقة، وما قد يترتب على ذلك من تكاليف.
الذكاء الاصطناعي و مستقبل قطاع الطاقة
يتطلب الذكاء الاصطناعي موارد حاسوبية ضخمة، ومع تسارع وتيرة تطويره تزداد الحاجة إلى معالجة البيانات بشكل أوسع. هذا الأمر يدفع الشركات إلى إنشاء مراكز بيانات أكبر لتلبية هذه المتطلبات الكبيرة، مما يؤدي إلى استهلاك كميات كبيرة من الكهرباء.
على وجه الخصوص، يتطلب تدريب الذكاء الاصطناعي التوليدي طاقة تفوق ما يمكن لمراكز البيانات التقليدية توفيره. ويعكس التطور المستمر في “نماذج اللغة الكبرى” (LLM) مثل النموذج الأساسي “تشات جي بي تي” هذا الطلب المتزايد على الطاقة.
يمكن أن يحتاج مركز بيانات كبير إلى كمية من الطاقة تعادل ما تحتاجه حوالي 876 ألف منزل نموذجي على مدار عام كامل. وعلى الرغم من أن مراكز البيانات كانت تُظهر استهلاكاً ثابتاً للطاقة على مر السنين، حتى مع زيادة أنشطتها، إلا أن الوضع قد تغير مع ظهور ثورة الذكاء الاصطناعي. حيث تُقدّر شركة “غولدمان ساكس للأبحاث” أن الطلب على طاقة مراكز البيانات سيشهد زيادة تصل إلى 160% بحلول عام 2030.
تتوقع الشركة أن يرتفع إجمالي استهلاك الطاقة لمراكز البيانات التي تدعم الذكاء الاصطناعي بنحو 200 تيراواط في الساعة سنوياً بين عامي 2023 و2030. وبحلول عام 2028، يُتوقع أن يشكل الذكاء الاصطناعي حوالي 19% من إجمالي الطلب على الطاقة في مراكز البيانات.
نمو الطلب على الطاقة في الولايات المتحدة
على مدار العقد الماضي، ظل الطلب على الطاقة في الولايات المتحدة ثابتاً، رغم زيادة عدد السكان والنشاط الاقتصادي، وذلك بفضل تحسين كفاءة الاستهلاك. ومع ذلك، توقعت شركة “غولدمان ساكس للأبحاث” الآن أن يرتفع الطلب على الطاقة في الولايات المتحدة بنسبة تقارب 2.4% بين عامي 2022 و2030، حيث يُتوقع أن يُعزى حوالي 0.9% من هذا الارتفاع إلى استهلاك مراكز البيانات، التي ستستهلك 8% من إجمالي الطاقة في البلاد بحلول عام 2030، مقارنة بـ3% في عام 2022.
وفقاً للبيانات التي جمعتها شركة “ستاندرد آند بورز غلوبال“، تتوقع شركات المرافق الكهربائية أن يرتفع الطلب السنوي على الكهرباء من مراكز البيانات في الولايات المتحدة من 185 تيراواط في الساعة في عام 2023 إلى 440 تيراواط في الساعة بحلول عام 2035. وهذا يعني إضافة 255 تيراواط في الساعة من الطلب السنوي على الكهرباء خلال العقد المقبل، وهو ما يعادل تقريباً إجمالي استهلاك الكهرباء في ولاية كاليفورنيا في عام 2022.
في مجال الطاقة
يؤكد أحمد بانافع، المستشار الأكاديمي في جامعة سان خوسيه الحكومية بكاليفورنيا، أن الذكاء الاصطناعي يشكل ثورة حقيقية في قطاع الطاقة، حيث يتيح فرصًا كبيرة لتعزيز الكفاءة، وتعزيز الاستدامة، وتقليل التكاليف.
في ظل هذا الطلب الكبير، ستحتاج شركات المرافق الأمريكية إلى استثمار حوالي 50 مليار دولار في إنشاء سعة توليد جديدة لتلبية احتياجات مراكز البيانات فقط. علاوة على ذلك، من المتوقع أن يؤدي الارتفاع المستمر في استهلاك الطاقة لمراكز البيانات في الولايات المتحدة إلى توليد نحو 3.3 مليار قدم مكعبة يومياً من الطلب الإضافي على الغاز الطبيعي بحلول عام 2030، مما يستدعي إنشاء سعة جديدة لخطوط الأنابيب.
مستقبل الذكاء الاصطناعي في قطاع الطاقة
يتناول المستشار الأكاديمي في جامعة سان خوسيه الحكومية بكاليفورنيا مستقبل الذكاء الاصطناعي في قطاع الطاقة، مشيراً إلى عدة محاور رئيسية، منها:
من المتوقع أن تعتمد محطات الطاقة المستقبلية على أنظمة تشغيل ذاتية مدعومة بالذكاء الاصطناعي، مما يقلل من الحاجة للتدخل البشري ويعزز الكفاءة التشغيلية.
يمكن للذكاء الاصطناعي أن يتنبأ بالأحداث المناخية النادرة مثل الأعاصير، مما يمكّن شركات الطاقة من اتخاذ تدابير وقائية للحد من آثارها.
يساهم الذكاء الاصطناعي في تحسين إدارة الشبكات الصغيرة للطاقة المتجددة، مما يمكّن الأحياء السكنية من إنتاج وتوزيع الطاقة بشكل مستقل يتناسب مع احتياجاتها. ومع ذلك، هناك تحديات رئيسية تواجه تطبيق الذكاء الاصطناعي في قطاع الطاقة، وأبرزها “الأمن السيبراني”. فمع تزايد الاعتماد على الذكاء الاصطناعي، تصبح الحاجة إلى حماية الأنظمة من التهديدات السيبرانية أمرًا ضروريًا لضمان استقرار الشبكات.
أوروبا وضرورة تأمين مئات المليارات
على مدار الخمسة عشر عامًا الماضية، تأثر الطلب على الطاقة في أوروبا بشكل كبير نتيجة لعدة صدمات، منها الأزمة المالية العالمية، وجائحة كوفيد-19، وأزمة الطاقة الناتجة عن الحرب في أوكرانيا، بالإضافة إلى تراجع النشاط الصناعي. ونتيجة لذلك، شهد الطلب على الكهرباء انخفاضًا تراكميًا بنحو 10% منذ ذروته في عام 2008.
ومع ذلك، بين عامي 2023 و2033، من المتوقع أن ينمو الطلب على الطاقة في أوروبا بنسبة تتراوح بين 40% و50% بفضل توسع مراكز البيانات، وفقًا لتقرير صادر عن «غولدمان ساكس». حاليًا، تمتلك أوروبا حوالي 15% من مراكز البيانات على مستوى العالم. وبحلول عام 2030، ستتساوى احتياجات الطاقة لهذه المراكز مع الاستهلاك الإجمالي الحالي لكل من البرتغال واليونان وهولندا مجتمعة.