هل باتت طلبات التوصيل تشكل تهديداًعلى السلامة المرورية في السعودية
في ظل التحول الرقمي السريع، أصبحت خدمات توصيل الطلبات جزءاً أساسياً من الحياة اليومية في السعودية، حيث تلبي احتياجات المستهلكين بكفاءة وسرعة. ومع أصوات المحركات وضجيج الشوارع، أصبحت الدراجات النارية رمزاً لتوصيل الطلبات بسرعة عالية. لكن خلف هذه السرعة، توجد سلوكيات قد تؤدي إلى كوارث على الطرق.
فبمجرد بضع نقرات على شاشة الهاتف، ينطلق مندوبو التوصيل بدراجاتهم النارية في سباق مع الزمن لتلبية طلبات العملاء. ومع تزايد الإقبال على هذه الخدمات وسرعة إنجاز المهام، ظهرت بعض السلوكيات غير الصحيحة التي لاحظها المجتمع السعودي. إذ يتجاهل بعض سائقي الدراجات قواعد المرور، ويعبرون المسارات بلا حذر، ويتلاعبون بين السيارات، بل يصل الأمر إلى القفز على الأرصفة، مما يتسبب في فوضى كبيرة على الطرق وحوادث قد تكون مميتة.
مع تزايد الاعتماد على خدمات التوصيل، أصبح من الضروري مواجهة التجاوزات وإعادة تقييم سلوكيات القيادة، بهدف إيجاد حلول تضمن استمرارية الخدمة بكفاءة وأمان، دون أن تكون السرعة على حساب الأرواح.
وفقًا لآراء المحللين، فإن انتشار الدراجات النارية بشكل واسع في السعودية يعد ظاهرة ملحوظة، ومع تزايد وجودها على الطرقات في السنوات الأخيرة، أصبحت تشكل تهديدًا كبيرًا للسلامة المرورية. هذا الخطر لا يقتصر على سائقي الدراجات فقط، بل يمتد ليشمل السائقين الآخرين والمشاة، مما يستدعي اتخاذ إجراءات عاجلة لضمان استدامة هذه الخدمة وتحسين تأثيرها على المجتمع.
في هذا السياق، أشار المتحدث باسم الهيئة العامة للنقل، صالح الزويد، إلى أن أكثر من 200 مليون عملية توصيل تمت في مختلف أنحاء السعودية خلال عام 2023. وأوضح أن العاصمة الرياض كانت الأكثر استقبالا لطلبات التوصيل، تلتها جدة ثم بقية المدن السعودية.
معايير التوصيل
أشار المدير التنفيذي لجمعية النقل والمركبات، سامي السعيد، إلى أن الزيادة الملحوظة في حوادث الدراجات النارية مؤخراً تعود إلى التجاوزات وقلة خبرة السائقين في هذا المجال. وأوضح أن هذه الحوادث لا تؤثر فقط على الأفراد، بل تتسبب أيضاً في خسائر اقتصادية مباشرة وغير مباشرة. كما نبه إلى أن غياب المسارات المخصصة للدراجات النارية يدفع بعض السائقين لاستخدام مسارات المشاة، مما يعرض حياة الآخرين للخطر.
وأضاف السعيد أن نقص التدريب الكافي على القيادة الآمنة لسائقي الدراجات النارية، بالإضافة إلى تواجدهم بين السيارات وعلى الطرق السريعة، قد أدى إلى خلق فوضى خطيرة زادت بشكل ملحوظ من احتمالية وقوع الحوادث.
يعتبر المدير التنفيذي لجمعية النقل والمركبات أنه من الضروري إعادة تقييم معايير التوصيل التي تعتمدها تطبيقات التوصيل. ويقترح زيادة مدة التوصيل من 15 دقيقة إلى ساعة أو أكثر، وتقليل عدد السائقين من خلال زيادة عدد الطلبات لكل رحلة، مما سيساهم في تعزيز السلامة المرورية. كما دعا إلى استخدام وسائل نقل بديلة مثل الدراجات الكهربائية وطائرات الدرون لتوصيل الطلبات في المناطق القريبة، بهدف تقليل الانبعاثات الكربونية والضوضاء.
وأشار السعيد إلى أن “تعزيز الرقابة على العاملين في خدمات التوصيل وفرض غرامات مالية عند مخالفتهم الأنظمة، بالإضافة إلى تنظيم محاضرات توعوية حول أهمية السلامة المرورية، يعد أمراً ضرورياً”. وأكد أن معالجة المشكلات المرتبطة بخدمات توصيل الطلبات تتطلب تعاوناً بين جميع الأطراف المعنية، بما في ذلك المجتمع والمستثمرين، لضمان سلامة الجميع.
الوعي بالأنظمة المرورية
أفاد علي مليباري، رئيس شعبة تخطيط النقل والسلامة المرورية في الجمعية السعودية لعلوم العمران، بأن هناك العديد من المخالفات التي يرتكبها سائقي الدراجات النارية على الطرق، مثل السرعة المفرطة والتجاوزات الخطرة والمرور غير الآمن بين المركبات.
وأشار مليباري إلى أن هذه التصرفات تزيد بشكل كبير من احتمالية وقوع الحوادث، موضحاً أن “هذا يعكس إما أن السائقين يدركون المخاطر لكنهم يتجاهلون الالتزام بقوانين السلامة، أو أنهم يفتقرون إلى الوعي الكامل، مما يشكل مسؤولية على الجهات المشغلة التي لم تتخذ خطوات كافية لرفع مستوى الوعي لدى سائقيها”.
كما أوضح مليباري أن “على سائقي الدراجات النارية الالتزام بقوانين المرور، والتأكد من أن دراجاتهم مؤهلة للسير بأمان من خلال إجراء الفحوصات الدورية وتزويدها بوسائل السلامة الضرورية”. وأكد على أهمية اتباع السائقين لمتطلبات السلامة الشخصية، مثل ارتداء الخوذة الواقية ووسائل الحماية الخاصة بالمفاصل كالأيدي والركبتين.
المخالفات المرورية
أعلنت الهيئة العامة للنقل عن تسجيل حوالي 4 آلاف مخالفة خلال شهر سبتمبر الماضي على تطبيقات توصيل الطلبات، بمعدل 143 مخالفة يومياً في البلاد. جاء ذلك في إطار حملات رقابية مكثفة لمتابعة التزام المرخصين بالأنظمة واللوائح. وأوضحت الهيئة أن المخالفات التي تم رصدها شملت عدم التزام السائق بالزي المعتمد، أو تعاقد تطبيق التوصيل مع ناقل من الفئات غير المصرح بها،
بالإضافة إلى مخالفات تتعلق بالمركبة أو السائق لعدم استيفاء الاشتراطات المطلوبة، مثل عدم توفر الأدوات والمستلزمات اللازمة لضمان سلامة البضائع المنقولة.
كما أصدرت الهيئة، بالتعاون مع الإدارة العامة للمرور، ضوابط تنظيمية لاستخدام الدراجات الآلية، تتضمن معايير عامة واشتراطات للتسجيل والمواصفات الفنية للدراجة، بالإضافة إلى واجبات المندوب والمناطق الجغرافية المسموح بممارسة النشاط فيها. وأشارت الهيئة إلى أن هذه الضوابط تتطلب الحصول على بطاقة تشغيل سارية، وأن لا تحمل الدراجة طلبات ذات أوزان أو أبعاد تؤثر على سلامة مستخدمي الطرق. كما أكدت على منع ممارسة النشاط في الطرق التي تحظرها الإدارة العامة للمرور والهيئة العامة للنقل.