أخبار عامةاقتصاد

من يقف وراء الارتفاع الجنوني للذهب عالميا

شهدت قيمة الذهب ارتفاعاً قياسياً هذا العام، حيث زادت بأكثر من 35% خلال تداولات عام 2024، وبلغت أعلى مستوى لها على الإطلاق عند 2758.30 دولار هذا الأسبوع.

ساهم التخفيض الأخير الذي أقره بنك الاحتياطي الفيدرالي في سعر الفائدة بمقدار نصف نقطة مئوية، بالإضافة إلى التوترات الجيوسياسية وعدم اليقين الاقتصادي المرتبط بالانتخابات الرئاسية الأميركية، في خلق بيئة ملائمة لارتفاع الأسعار. كما عزز هذا الارتفاع تخفيف البنوك المركزية في الصين والهند وتركيا من اعتمادها على الدولار الأميركي.

ليس من المفاجئ أن يتزايد إقبال المستثمرين الأفراد على شراء الذهب، حيث شهدت أسعاره ارتفاعاً ملحوظاً هذا العام. فقد سجلت الأونصة رقماً قياسياً بلغ 2758.37 دولار الأسبوع الماضي، بزيادة تصل إلى 40% خلال الاثني عشر شهراً الماضية. ويعتقد محللون في بنكي الاستثمار “غولدمان ساكس” و”يو بي أس” أن الأسعار في طريقها للارتفاع حالياً، حيث توقعوا أن تصل إلى حوالي 3000 دولار للأونصة في العام المقبل.

تتأثر ثروات الذهب بشكل كبير بأسعار الفائدة والتضخم والمخاوف الجيوسياسية، حيث يُعتبر الذهب “الملاذ الآمن” المفضل للمستثمرين الذين يسعون إلى الأمان. عندما تنخفض أسعار الفائدة وتقل العوائد على بعض الأصول، يصبح الذهب خياراً موثوقاً. كما أن ارتفاع التضخم يؤدي إلى تآكل القوة الشرائية للعملة، مما يرفع من سعر الذهب مثل باقي السلع، حيث اكتسب المعدن سمعة قوية كـ “سلعة الأزمات” بين المستثمرين القلقين من الحروب والتوترات العالمية.

ومع ذلك، فإن الزيادة الحالية في أسعار الذهب تختلف عن سابقاتها، حيث يوجد دافع آخر وراء هذا الارتفاع. فقد كانت البنوك المركزية للدول الناشئة هي المشترين الرئيسيين للذهب في السنوات الأخيرة، والعديد من هذه الدول تتبنى مواقف معادية للولايات المتحدة. يُعتبر تخزين المزيد من الذهب وسيلة للحماية المالية، بينما يعتقد البعض أن هيمنة الدولار كوسيلة للتبادل العالمي بدأت تتراجع. في كلتا الحالتين، يُعتبر هذا الوضع بمثابة دعوة للانتباه بالنسبة للغرب، كما يشير الاقتصادي محمد العريان في حديثه مع الصحيفة، حيث يعتقد أننا قد نشهد تفتتاً في النظام المالي الدولي القائم على الدولار، مما قد يهدد القوة الأميركية.

بديل مدعوم بالذهب يحل محل الدولار

أدى الاستياء من الدور الأمريكي في الشرق الأوسط إلى تعزيز المشاعر المناهضة للغرب، كما أثارت العقوبات المفروضة على روسيا بعد حربها في أوكرانيا، وإقصاؤها من نظام “سويفت” الدولي للمدفوعات، قلق الدول التي تخشى أن تواجه مصيراً مماثلاً إذا تصادمت مع الغرب. يُعتبر شراء السلع بالذهب أو استخدامه كأداة مالية خياراً مفيداً في أوقات الأزمات، حيث يسهل تجنب العقوبات من خلال الدفع بالذهب، وهو ما يصب في مصلحة روسيا.

وترى العديد من الدول أن الوقت قد حان لإنهاء “تسليح” الدولار من قبل الولايات المتحدة، واستنتجت أنها قد تكون في وضع أفضل بوجود عملة بديلة للتجارة الدولية. وقد يمثل الاحتفاظ بكميات أكبر من الذهب أساساً لنظام مدفوعات جديد.

لطالما راود الرئيس الروسي فلاديمير بوتين حلم إنشاء بديل مدعوم بالذهب ليحل محل الدولار الأمريكي. وقد سنحت له الفرصة الأسبوع الماضي لدفع هذه الفكرة خلال قمة “بريكس” الاقتصادية التي استمرت ثلاثة أيام، والتي جمعت مجموعة من الدول التي تعارض الولايات المتحدة. حيث قال بوتين: “إذا لم يُسمح لنا باستخدام الدولار، فما هي الخيارات المتاحة أمامنا؟ سنكون مضطرين للبحث عن بدائل”.

تُعتبر هذه القمة أحدث تجمع لمجموعة “بريكس” التي تضم اقتصادات ناشئة، والتي توسعت الآن لتصبح “بريكس+”، حيث تشمل الأعضاء الأصليين: البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا، بالإضافة إلى مصر وإثيوبيا وإيران والإمارات. كما يُنظر إلى السعودية وتركيا وباكستان وتايلاند وفنزويلا والسنغال كأعضاء محتملين في المستقبل.

لتعزيز فكرته، أعلن بوتين عن إصدار ورقة نقدية رمزية تحمل اسم “الوحدة”، والتي تتضمن أعلام دول “بريكس”. والسؤال المهم هو: كيف يمكن أن يعمل هذا النظام؟ يبدو أن الخطوة الأولى تتمثل في إيجاد وسيلة لربط العملة الجديدة بقيمة الذهب وسلة من العملات السيادية لدول “بريكس”. وقد اقترح البعض أن يكون دعم العملة الجديدة بنسبة 40% من الذهب و60% من العملات.

ومع ذلك، لا يعني ذلك التخلي عن العملات الوطنية أو فقدان السيطرة على البنوك المركزية، بل قد يوفر وسيلة مستقرة للتبادل لتسوية المدفوعات عبر الحدود وتجنب الاعتماد على الدولار. كما سيشجع الدول على زيادة احتياطات الذهب لدعم قيمة العملة الجديدة. ويشير المؤيدون، بما في ذلك البرازيل، إلى أن المفتاح هو إنشاء نظام يحظى بالثقة.

“فكرة غير واقعية”

يعتبر الاقتصادي جيم أونيل، الذي ابتكر مصطلح “بريكس” في عام 2001 أثناء عمله في بنك “غولدمان ساكس”، أن فكرة إنشاء عملة مشتركة جديدة هي “فكرة غير واقعية”، حيث أن دول “بريكس” ليست حلفاء حقيقيين. وأوضح أونيل قائلاً: “على الرغم من أن الصين والهند تشتركان في حدود، إلا أنهما لا تستطيعان التوصل إلى اتفاق حول أي قضايا جوهرية، ناهيك عن مشاركة عملة واحدة. لذا، إذا كانت فكرة العملة المشتركة جدية، فهذا يعني التخلي عن سلطة اتخاذ القرارات للبنك المركزي لكل دولة”.

كما أكدت الولايات المتحدة أنها لن تسمح للدول بالتعاون مع روسيا في نظام مدفوعات يتجنب العقوبات.

على الرغم من ذلك، من غير المرجح أن تؤثر هذه العوائق الجيوسياسية على ارتفاع أسعار الذهب. يُتوقع أن تستمر البنوك المركزية في شراء الذهب، وحتى إذا لم تتمكن دول “بريكس+” وشركاؤها من إيجاد وسيلة للتحايل على الدولار، فإن تخزين الذهب يبدو مفيداً للجميع في الوقت الراهن. وهذا ينطبق على البنوك المركزية في الشرق الأوسط وأفريقيا، كما ينطبق على الأفراد في شوارع وسط لندن.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى