مقالات

مدن السعودية الذكية: نموذج لمدن المستقبل

كريس بايلي، المدير العام في المملكة العربية السعودية، شركة سِينّا

 مع النمو السكاني في المدن بوتيرة غير مسبوقة، يتسارع التوجه العالمي نحو ما يسمى بالمدن “الذكية”. ووفقًا لدراسة حديثة، سوف يقطن 68% من سكان العالم في المدن، والمناطق الحضرية بحلول عام 2050. ومن المتوقع ان يتطلب هذا النمو تطوير المدن والمناطق الحضرية الحالية، بالإضافة إلى إنشاء مدن جديدة بالكامل.  

وتتصدر المملكة العربية السعودية مشهد التحول الحضري المستدام بدور رائد، من خلال مشاريع مبتكرة مثل نيوم، والقدية، وروشن، والتي تعيد تعريف حياة المدن الحديثة. تتميز نيوم بأنها بمثابة مختبر حي للتقدم الرائد في مجالات الطاقة المستدامة، والنقل، والرعاية الصحية، بتوظيف تقنيات فرضت واقعاً جديداً، مثل الذكاء الاصطناعي وشبكات الجيل الخامس. وفي العاصمة الرياض، من المخطط له أن يكون مشروع المكعب واحدًا من أكثر المشاريع الحضرية مدمج تقنيًا بالكامل في العالم، مع تخصيص 2 مليون متر مربع للإسكان، والترفيه، والتجارب الرقمية الغامرة.

هذه المبادرات التي تنم عن رؤية طموحة تمثل التزام السعودية بدمج الابتكار التكنولوجي مع التخطيط الحضري، وتصميم مدن تلبي احتياجات الحاضر وتواجه تحديات المستقبل.

جاهزية دعم الشبكات للطفرة المترقبة لاستخدامات وتطبيقات الذكاء الاصطناعي

تعتمد جاذبية مشاريع المدن الذكية في السعودية على تطورها التكنولوجي، ونجاحها يعتمد بشكل أساسي على متانة البنية التحتية للشبكات التي تمثل العمود الفقري لفعالية التقنيات المستخدمة. وفي عالم يتزايد فيه عدد السكان في المدن، تعتبر الشبكات القابلة للتوسع والتطور، والمجهزة للمستقبل، ضرورة لضمان تواصل سلس، وتخزين آمن للبيانات، وحماية سيبرانية فعالة.

وتقوم مشاريع مثل نيوم والمكعب في الرياض على شبكات متقدمة لدعم إدارة حركة المرور الذكية، وإدارة و تحسين كفاءة استخدام الطاقة، وتوفير حلول الرعاية الصحية الرقمية. وتلعب شبكات الألياف البصرية (FTTx) دورًا محوريًا في استراتيجية السعودية، مما يسهل تبني تقنيات إنترنت الأشياء (IoT)  وحلول الذكاء الاصطناعي في المدن.

تعمل منصات إنترنت الأشياء الناشئة، مثل LoRaWAN وSigfox، على تحسين إدارة النفايات وحركة المرور باستخدام تقنيات المستشعرات الذكية. وفي الوقت نفسه، تمكن تقنيات “تعلم الآلة” و”تحليلات البيانات الضخمة” المخططين من تحسين تخصيص الموارد، وخفض التكلفة التشغيلية، وزيادة الكفاءة.

يعمل الذكاء الاصطناعي كالعقل المدبر لهذه التقنيات، حيث يدعم الأنظمة التنبؤية لحركة السير والخدمات العامة. ومع تصاعد الاستثمارات العالمية في مراكز البيانات وتطبيقات الذكاء الاصطناعي، تصبح الشبكات القابلة للتكيف والمرنة أمرًا ضروريًا. وتبرز مساهمة الذكاء الاصطناعي المتوقعة بـ 4.4 تريليون دولار في الاقتصاد العالمي بحلول عام 2030 الحاجة الماسة إلى تواجد شبكات اتصال سريعة، وآمنة، وقابلة للتوسع.

تعتمد المدن الذكية على حوسبة الحافة والسحابية، لمعالجة التدفقات الهائلة من البيانات لحظياً بعد تلقيها من المستشعرات، سواء كانت هذه المستشعرات مدمجة في السيارات ذاتية القيادة، والمنظومات المراقبة بالذكاء الاصطناعي كنقاء الهواء، إدارة النفايات والصحة العامة. وللتعامل مع كم البيانات الضخمة الناتج عن تطبيقات الذكاء الاصطناعي، يلجأ مشغلو الشبكات إلى شبكات تكيفية وقابلة للتوسع والتطوير عند الحاجة.

ضرورة التعاون المبتكر لإنشاء وتطوير المدن الذكية

تسلط تجربة السعودية نحو المدن الذكية الضوء على أهمية التعاون بين الحكومات، والشركات، ومشغلي الشبكات. ومع تبني المدن للتقنيات المتقدمة لتعزيز الاستدامة وتحسين جودة الحياة، تتزايد أهمية البنية التحتية للشبكات المرنة.

يمثل هذا التحول فرصًا غير مسبوقة لشركات في قطاعات كثرى، كمطورون البنية التحتية، والاتصالات، والخدمات الرقمية. ومع ذلك، يبقى الطريق نحو التنمية المستدامة قيد التطوير، ليقدم دروسًا قيّمة على مدار التجربة. ويُتوقع أن تقدم رؤية السعودية الطموحة المبتكرة، المدعومة بشراكة قوية بين القطاعين العام والخاص، نموذجًا عالميًا للمدن الطامحة إلى صنع مستقبلها الذكي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى