كيف يساهم الاستثمار في الطاقة الشمسية في دعم مستقبل الطاقة المستدامة في السعودية
انطلقت المملكة العربية السعودية في رحلة تحولية لترسيخ نفسها كلاعب رئيسي في قطاع الطاقة المتجددة العالمي.
وفي إطار سعيها إلى توفير 50% من الكهرباء من مصادر متجددة بحلول عام 2030، تستثمر المملكة بكثافة في الطاقة الشمسية، مستفيدة من وفرة أشعة الشمس لديها.
ويشكل هذا الالتزام جزءًا من استراتيجية البرنامج الوطني للطاقة المتجددة الأوسع نطاقًا، والتي تهدف إلى تنويع محفظة الطاقة وتقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري.
وتسعى المملكة العربية السعودية بحلول نهاية العقد إلى توليد 58.7 جيجاواط من الطاقة المتجددة. ويشمل ذلك 40 جيجاواط من الطاقة الشمسية الكهروضوئية، إلى جانب 16 جيجاواط من طاقة الرياح و2.7 جيجاواط من الطاقة الشمسية المركزة.
يؤكد حجم هذه المبادرة التزام المملكة بمستقبل مستدام للطاقة.
في عام 2024، أعلن وزير الطاقة السعودي عبد العزيز بن سلمان عن خطط لطرح مشاريع جديدة للطاقة المتجددة بقدرة سنوية تبلغ 20 جيجاوات. وقد يؤدي هذا إلى زيادة إجمالي القدرة إلى 100-130 جيجاوات بحلول عام 2030.
وستعتمد وتيرة هذه التطورات على النمو في الطلب على الكهرباء، مما يشير إلى نهج استباقي لتلبية احتياجات الطاقة المستقبلية.
تم تحقيق معلم هام في 26 يونيو 2023، عندما وقعت الشركة السعودية لشراء الطاقة اتفاقيات شراء الطاقة لثلاثة مشاريع جديدة للطاقة الشمسية الكهروضوئية يبلغ مجموعها 5.5 جيجاواط.
وتشمل هذه المشاريع محطة هادن للطاقة الشمسية الكهروضوئية في منطقة مكة المكرمة بقدرة 2000 ميجاوات، ومحطة المويه للطاقة الشمسية الكهروضوئية في منطقة مكة المكرمة بقدرة 2000 ميجاوات أخرى، ومحطة الخشيبي للطاقة الشمسية الكهروضوئية في منطقة القصيم بقدرة 1500 ميجاوات.
وقد تم بالفعل تشغيل العديد من محطات الطاقة الشمسية، بما في ذلك محطة سكاكا للطاقة الشمسية الكهروضوئية، وهي أول مشروع ضمن البرنامج الوطني للطاقة المتجددة، وتولد 300 ميجاوات في الجوف.
وهناك مشروع آخر وهو محطة رابغ للطاقة الشمسية الكهروضوئية في مدينة رابغ الصناعية في منطقة مكة المكرمة، والتي تولد 400 ميجاوات، ومحطة الجبيل 3ب للطاقة الشمسية الكهروضوئية والتي تنتج 45.5 ميجاوات لتشغيل محطة تحلية المياه الجبيل 3أ في المنطقة الشرقية.
تنتج محطة الطاقة الشمسية الكهروضوئية في حرض 30 ميجاوات في المنطقة الشرقية، وتنتج محطة الطاقة الشمسية الكهروضوئية في الخرج 15 ميجاوات في الرياض.
وبالنظر إلى المستقبل، هناك العديد من مشاريع الطاقة الشمسية الكبرى في مراحل التخطيط، مثل محطة السعداوي للطاقة الشمسية المستقلة، والتي من المقرر أن تبلغ طاقتها 2000 ميجاوات.
وتبلغ الطاقة المخطط لها لمشروع سدير للطاقة الشمسية الكهروضوئية 1500 ميجاوات في الرياض، بينما ستولد محطة المساع للطاقة الشمسية الكهروضوئية في حائل 1000 ميجاوات، ومن المتوقع أن تبلغ الطاقة المخطط لها لمشروع الرس للطاقة الشمسية الكهروضوئية في القصيم 700 ميجاوات.
وتؤكد هذه المشاريع القادمة النهج الإيجابي للمملكة العربية السعودية في توسيع قدراتها في مجال الطاقة المتجددة واستعدادها لتلبية الطلب المتزايد على الطاقة.
ورغم هذه التطورات، حذر الخبراء من المبالغة في تقدير تأثير النمو الحالي.
وقال مايكل سلفادور، المؤسس المشارك والرئيس التنفيذي لشركة ميراي سولار ورئيس التكنولوجيا في مركز الطاقة الشمسية بجامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية، “تبلغ الحاجة السنوية إلى الطاقة في المملكة العربية السعودية حوالي 400 تيراواط في الساعة”.
“ولتلبية هذه الحاجة من خلال مصادر الطاقة المتجددة فقط، سوف نحتاج إلى تركيب حوالي 200 جيجاوات من الطاقة.”
وأضاف أن الإضافة الأخيرة البالغة 2 جيجاوات تمثل نحو 1% من هذا الطلب، في حين يتزايد استهلاك الطاقة بسرعة.
اكدت وزارة الاستثمار في المملكة العربية السعودية على الحاجة إلى المزيد من الاستثمار لتحسين مشاريع الطاقة الشمسية واسعة النطاق التي تعد جزءًا من البرنامج الوطني للطاقة المتجددة للاستفادة من الموارد الطبيعية الوفيرة في المملكة لإنتاج الطاقة المتجددة.
وللقيام بذلك، تستفيد الحكومة أيضًا من قدرتها على الوصول إلى الأسواق الإقليمية الكبيرة، واقتصادها المتنامي القائم على المعرفة، والنظام البيئي المصمم لجذب المستثمرين.
بين عام 2022 وأوائل عام 2024، أضافت المملكة العربية السعودية 2.1 جيجاوات من قدرة الطاقة المتجددة – بزيادة قدرها 300 في المائة عن 700 ميجاوات التي تم إنشاؤها بين عامي 2012 و2022.
منذ عام 2022، تمت إضافة نحو 2100 ميغاواط من الطاقة المتجددة إلى الشبكة، بإجمالي 2800 ميغاواط. وهذا يكفي لتزويد أكثر من 520 ألف منزل بالطاقة.
وقال سلفادور: “في حين تبدو الزيادة بنسبة 300% مثيرة للإعجاب، فمن الأهمية بمكان أن ندرك أنها مجرد بداية. وإذا فكرنا في الأمر من حيث احتياجات الطاقة المطلقة، فإن التحدي يظل كبيرا”.
في ديسمبر/كانون الأول 2023، أعلن المسؤولون السعوديون عن نية المملكة تحقيق صافي انبعاثات صفرية بحلول عام 2060. وسلطوا الضوء على أكثر من 80 مبادرة، ممولة باستثمارات تبلغ 188 مليار دولار، من أجل مستقبل أكثر خضرة.
تأسست شركة ميراي سولار في عام 2019 كشركة فرعية من جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية، وهي رائدة في مجال تكنولوجيا الألواح الشمسية المبتكرة التي تهدف إلى تعزيز كفاءة الطاقة الكهروضوئية. وقد تبنت الشركة مفهوم “التظليل الكهروضوئي”، والذي يستخدم أشعة الشمس المحجوبة لتوليد الكهرباء.
تتمتع هذه التكنولوجيا بتطبيقات واعدة في مختلف القطاعات، بما في ذلك الزراعة المستدامة ومحطات شحن السيارات الكهربائية.
وقال سلفادور: “لتسريع التحول في مجال الطاقة، نحتاج إلى نشر الطاقة على نطاق المرافق العامة وحلول الطاقة المتجددة اللامركزية”.
في حين ركزت الحكومة في المقام الأول على المشاريع واسعة النطاق، قال سلفادور إنه يدعم الأنظمة الأصغر واللامركزية التي يمكن تنفيذها بسرعة والتي يكون لها تأثير ملموس، شريطة توافر الحوافز التشريعية والمالية المناسبة.
إن الفوائد البيئية المترتبة على سعي المملكة العربية السعودية إلى استخدام الطاقة الشمسية كبيرة. ويقدر سالفادور أن توليد 4 تيراواط/ساعة من الطاقة من الطاقة الشمسية قد يتجنب 2.8 مليون طن من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون سنويا، وهو ما يعادل انبعاثات الغازات المسببة للانحباس الحراري من حوالي 6.5 مليون برميل من النفط.
ويتماشى هذا التخفيض مع الجهود العالمية لمكافحة تغير المناخ ويسلط الضوء على التزام المملكة بمستقبل أكثر اخضرارًا.
ويعتقد سلفادور أن هناك حاجة إلى التركيز بشكل أكبر على تثقيف الجمهور حول أهمية مصادر الطاقة المتجددة من منظور اقتصادي وبيئي إذا كان من المقرر أن ينجح تطوير تكنولوجيا الطاقة الشمسية في المملكة العربية السعودية.
وقال “إن خلق الحوافز للجميع للنظر في حلول الطاقة المتجددة وتبنيها أمر ضروري. والآن لا يمكن تنفيذ ذلك بين عشية وضحاها. بل يجب أن نضع في الاعتبار أولاً أمور مثل استقرار الشبكة”.
ومع ذلك، قال إن تعزيز الابتكارات الخاصة بالبلاد من شأنه أن يساعد في تسريع التحول. وأضاف: “إن التظليل، بالنسبة لي، هو مثال بارز لأنه موجود في كل مكان. ويمكن للتظليل أن يوفر الطاقة للمدارس والمستشفيات والجامعات والمباني المكتبية وإنتاج الغذاء”.
وقال سلفادور إنه من المهم أيضًا تسليط الضوء على الأبحاث المتعلقة بالتقنيات المستقبلية.
أضاف أن “جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية تعد مثالاً جيداً، حيث نجحت مجموعة الأبحاث التابعة لستيفان دي وولف في تحقيق أرقام قياسية عالمية متعددة لتكنولوجيا جديدة واعدة تسمى الخلايا الشمسية الترادفية المصنوعة من السيليكون والبيروفسكايت، والتي يمكن أن تحدث ثورة في تصنيع الألواح الشمسية”.
ومع تمركز المملكة العربية السعودية في طليعة التحول في مجال الطاقة المتجددة، فإن الجمع بين الدعم الحكومي والابتكار التكنولوجي والاستثمار الاستراتيجي سيكون حاسماً في تحقيق أهدافها الطموحة في مجال الطاقة الشمسية.
إن زيادة الطاقة الشمسية في المملكة لا تعد أمراً حيوياً لأمن الطاقة المحلي فحسب، بل تلعب أيضاً دوراً هاماً في مكافحة تغير المناخ وتعزيز التنمية المستدامة في المنطقة