خاص جلف تك نيوز : كيف نفهم تعقيدات الحوسبة السحابية
بقلم يعرُب سخنيني، نائب الرئيس للأسواق الناشئة بمنطقة أوروبا والشرق الأوسط وإفريقيا، “جونيبر نتوركس”
ثمّة توجّه عالمي نحو التحوّل الرقمي القائم على البيانات في كلّ المجالات، فالعالم من حولنا يتكون من مجموعة ضخمة من الموارد كالتطبيقات والخدمات والخوادم والبيانات المتاحة للمستخدمين عند الطلب وعلى مدار الساعة. وحول هذا كله، يزداد تطلّع المؤسسات إلى البيئات السحابية العامة أو الخاصة أو كليهما معًا، بهدف دعم أعمالها من خلال تمكين الوصول الفوري إلى هذه الموارد عند الحاجة، واكتساب مزايا المرونة والأداء والتكلفة المعقولة، التي تُعدّ ضرورية اليوم للمنافسة في ظلّ الاقتصاد الرقمي المتنامي.
لقد أدّى الإقبال على البيئات السحابية إلى إحداث تحوّل ملموس في عالم تقنية المعلومات ورقمنة المؤسسات على مدار العقد الماضي. بل إن السحابة برزت بوصفها “قوّة ثورية” أساسية لازمة لتمكين المؤسسات من تسريع وتيرة الابتكار القائم على الرؤى المتعمقة، ومواصلة التحوّل الرقمي، وتعزيز القدرة على المنافسة.
وبالرغم من أن السحابة أداة قوية لخلق فرص جديدة أمام المؤسسات، وتسريع استغلال الإمكانيات المتاحة في السوق، وتيسير الابتكار، وتمكين التوسّع بكفاءة أكبر، فإنها تنطوي، من جانب آخر، على مجموعة من التحدّيات التي تفرض على المؤسسات التعامل معها وإدارتها بحكمة للتخفيف من تعقيداتها.
تعقيدات السحابة
تقنية المعلومات ليس مجالًا قابلًا للتبسيط، وهذه حقيقة، إلا أنه قابل للتغيير. وإذ تبحث المؤسسات في مختلف البيئات السحابية وتنظر في الأنسب منها لاحتياجاتها، فإن المطاف قد ينتهي بها إلى تفضيل نموذج معين، وسيسهل عليها افتراض أن الانتقال بأعمالها، كليًا أو جزئيًا إلى النموذج السحابي المختار، لا محالة سوف يسهّل إنجاز مهام الإدارة اليومية ويقلّل التكاليف.
إن التعقيدات المرتبطة بالسحابة تنجم عن “التعجيل” في الانتقال السحابي إلى بيئة جديدة كليًا، غالبًا من دون التفكير في التعقيدات التي يمكن أن يجلبها هذا التعجيل للعمليات المؤسسية. ويزداد مستوى التعقيد كلما ازداد حجم المنظومة المتصلة بالبيئة السحابية، والمشتملة على الأجهزة والتطبيقات والمستخدمين. لذا من المهم الحرص على بناء شبكة تكون جاهزة للمستقبل، إذ يجب أن تكون عمليات الشبكة اليومية بسيطة ومؤتمتة، ما يجعلها ترفع موثوقية الخدمة وتحرّر الموارد لتركزّ على الابتكار، ما من شأنه أن يسفر عن تجربة سلسة ومتميزة للمستخدمين.
في ظلّ نمو البيانات الهائل والتزايد الكبير في التطبيقات السحابية، تجد المؤسسات أنها مضطرة للتعامل مع مزيد من أخطار الاختراقات والقرصنة والفيروسات والبرمجيات الخبيثة، بالرغم من أنها، في الغالب، لا تنعم ببنية أمنية متينة. إن مما يجدر تأكيده هنا هو أن الأخطار الأمنية لا تقلّ بالانتقال إلى السحابة، وإنما تزداد.
ونظرًا لأن مقدمي الخدمات السحابية مطالبون بالالتزام باللوائح التنظيمية الصارمة المتعلقة بأمن البيانات (مثل النظام الأوروبي العامّ لحماية البيانات)، فإنهم يتّبعون تدابير منيعة، كاستخدام البروتوكولات الصارمة والأدوات الأمنية المتقدمة، والتي وُضعت لضمان حماية البنية التحتية والبيانات والتطبيقات والأجهزة. إن الهدف الذي يجب أن تسعى إليه كل مؤسسة يكمن في جعل المستخدمين، أينما كانوا، قادرين على الوصول إلى البيانات التي يحتاجون إليها، أينما كانت، وأن يغدو هذا الأمر جزءًا من نهج أمني متكامل من شأنه أن يؤدي إلى حماية بيئة العمل بأكملها من محاولات استغلال الثغرات، ومن الهجمات التي تُشنّ ببرمجيات الفدية، والهجمات على أجهزة “إنترنت الأشياء”، والتهديدات الداخلية، وهجمات “يوم الصفر”.
ونجد من جانب آخر، أن المؤسسات لم تعد تكتفي بالاعتماد إلى بيئة سحابية واحدة، فأصبح اعتمادها يتزايد على مقدمي خدمات سحابية متعدّدين، نظرًا لتنوّع الخيارات المتاحة أمامها. وتهدف الزيادة في اعتماد استراتيجية “تعدّد البيئات السحابية” إلى تحسين التكاليف وتطوير القدرات ورفع مستوى الامتثال، نظرًا لما تشتمل عليه هذه الاستراتيجية من مزايا وافرة.
لكن إدارة البيئات السحابية المتعددة تؤدي إلى زيادة التعقيدات؛ فالأمن الرقمي يظلّ تحديًا قائمًا عندما تكون المنظومة الأمنية بأكملها موجودة في مقرّ العمل، فكيف به إذا أصبحت مكونات هذه المنظومة، من بيانات وتطبيقات ومنصات، موزعة في مواقع متباعدة كمراكز البيانات المؤسسية والبيئات السحابات المتعدّدة!
ولا بدّ للمؤسسات الآن من أن تشرع في توسعة نطاق الأمن ليشمل كل نقاط التماس الشبكية الممتدة من العميل إلى السحابة، كما أن عليها تنفيذ منظومة أمنية تضمن أن تعمل كل نقطة تماس على الشبكة باعتبارها “نقطة أمنية”، ترسل باستمرار المعلومات حول التهديدات المحتملة استنادًا على الأحداث التي تقع في الشبكة، أولًا بأول. ويجب على المؤسسات، نتيجة لذلك، النظر في اعتماد استراتيجيات أمنية يمكنها توحيد جميع عناصر الشبكة في شبكة “مُدركة للتهديدات” عاملة بالذكاء الاصطناعي وقائمة على الأتمتة.
ولعلّ أحد التحدّيات الرئيسة الماثلة أمام المؤسسات في مجال الحوسبة السحابية في السنوات القليلة الماضية يتمثل في ترحيل التطبيقات، فعندما ترحّل المؤسسات أعمالها من منصاتها القديمة إلى السحابة أو تحاول الانتقال بالبيانات أو التطبيقات بين المنصات، فإنها تواجه مشكلات مزعجة تتعلق بقدرات التشغيل البيني.
معظم تلك التحدّيات تشمل إصلاح المشكلات التقنية، والتحديات الأمنية، وانتقال البيانات البطيء، ووكلاء الانتقال، والتعقيد المرتبط بالانتقال، وتعطّل التطبيقات، لذا فإن على المؤسسات التخفيف من هذه الأخطار والتحدّيات باتباع نهج منظم لتقييم الانتقال والتخطيط المحكم له وتنفيذه بإتقان، فضلًا عن اختيار التقنيات التي تقلل من التعقيد في التنفيذ وتقدّم مسارًا بسيطًا لتمكين المؤسسات من إحراز أفضل نتائج الأعمال.
إن التقنيات التي تُثري نتائج الأعمال عبر ابتكار تجارب عملاء رائعة، غالبًا عن طريق تحقيق مزيد من المرونة والسرعة، هي نفسها تلك التي تقلل الأخطار وتسهّل التعامل مع التعقيدات. إن الحوسبة السحابية ضرورية لتظلّ معظم المؤسسات قادرة على المنافسة، فهي الحافز الذي يمكّن المؤسسات من مواصلة دفع عجلات الابتكار الذي يتيح لها البقاء في الصدارة.