كيف تساهم تقنيات الجيل الخامس في كسر منحنى استهلاك الطاقة أيوب عثمان، رئيس مسؤولية الشركات في إريكسون الشرق الأوسط وإفريقيا
تمضي تقنيات الجيل الخامس نحو بناء عالم لا مثيل له على الإطلاق، سواء بالنسبة للأشخاص أو للشركات، وذلك بما تتيحه هذه التقنيات من تمكين إطلاق العديد من الخدمات والحلول غير المسبوقة، كالسيارات ذاتية القيادة القادرة على التواصل فيما بينها، وخدمات الرعاية الصحية عن بُعد والتي تعالج المرضى دون أن يتكبدوا عناء مغادرة منازلهم، وتقنيات الواقع الافتراضي والواقع المُعزز والواقع الغامر، والتي تتيح للمستخدمين تجارب تعلم ولعب بطريقة لم يسبق لأحد أن يتخيلها.
وعلى الرغم من أن تقنيات الجيل الخامس ستغير العالم كما نعرفه بصورة جذرية، إلا أن السؤال المهم الذي يشغل بال خبراء الصناعة حاليًا هو تأثير نشر شبكات الجيل الخامس على مستويات استهلاك الطاقة.
وتمثل الطاقة اليوم واحدة من أكبر التحديات التي تواجه صناعة الاتصالات، سواء على صعيد التكلفة أو على صعيد بصمتها الكربونية. وتشير تقديرات شركة إريكسون إلى أن تكلفة الطاقة العالمية السنوية لتشغيل شبكات الهاتف المحمول تبلغ حاليًا حوالي 25 مليار دولار أمريكي. وإذا تم نشر شبكات الجيل الخامس بنفس الطريقة التي تم فيها نشر الأجيال السابقة لتلبية متطلبات حركة المرور المتزايدة للبيانات، فإن استهلاك شبكات الهاتف المحمول من الطاقة سيزداد بشكل هائل. وهذا الأمر بالطبع غير مستدام من حيث التكلفة، ناهيك عن تأثيراته البيئية الكبيرة.
ولطالما تزامن إطلاق كل جيل من أجيال تكنولوجيا الهاتف المحمول، مع طرح خدمات جديدة في السوق تطلبت تغطية أوسع لتصل إلى مزيد من الأشخاص والأماكن. كما رافق بناء تلك الشبكات التي كانت ضرورية لدعم الطلب المتزايد على الخدمات الجديدة، ارتفاع مماثل في مستوى استهلاك الطاقة. ومع نشر شبكات الجيل الخامس على نطاق تجاري حول العالم، تبرز حاجة ملحة لتأمين الطاقة المطلوبة للشبكة مع توسعها في مجالات جديدة، مثل الزيادة الهائلة في السرعات، وزمن الاستجابة المنخفض.
وهنا يبرز السؤال الذي يتبادر إلى ذهن الجميع، هل من الممكن نشر شبكات الجيل الخامس وتقليل معدلات استهلاك الطاقة في ذات الوقت؟ إن الإجابة في الحقيقة هي: نعم. فقد بات من الممكن اليوم خفض إجمالي استهلاك شبكة الهاتف المحمول من الطاقة، مع الحفاظ في الوقت نفسه على قدرتها على التعامل مع النمو الهائل في حركة مرور البيانات.
ويسلط تقرير إريكسون “كسر منحنى الطاقة“، الضوء على الوفورات التي يمكن تحقيقها عبر تبني نهج جديد ومبتكر، يقوم على ضرورة التعامل مع جميع أجزاء الشبكة بصورة كليّة. ويمكن أن يبدأ مزودو خدمات الاتصال بتوفير الطاقة عبر دمج أهداف أداء الطاقة في مؤسساتهم وعملياتهم، حيث تستطيع إريكسون مساعدتهم على التصدي لتحديات استهلاك الطاقة والانبعاثات الكربونية، وذلك من خلال حلول مبتكرة تمكّنهم من تلبية المتطلبات الحالية والمستقبلية للشبكة.
تحديث أجهزة ومعدات الشبكة باستخدام تقنيات الجيل الخامس
هذا ويعدّ أداء الطاقة من المتطلبات الجوهرية لشبكات الجيل الخامس، حيث أن هذه الشبكات أسرع بما يصل إلى أكثر من 10 مرات من شبكات الجيل الرابع. ويمكن من خلال ترقية الشبكة وتزويدها بأحدث التقنيات واستبدال المعدات القديمة، تحقيق فرص أعمال جديدة، وتحقيق وفورات كبيرة في الطاقة في نفس الوقت. ويتضمن معيار شبكة الجيل الخامس حالياً تصميمًا فائق النحافة وأنظمة راديو Massive MIMO متعددة المدخلات-متعددة المخرجات، ويعد هذان العاملان في غاية الأهمية لضمان أداء أفضل لاستهلاك الطاقة.
ويستغل التصميم فائق النحافة لمعدات الشبكة تقنية وضع السكون الذكي، لضمان إرسال إشارات التردد الراديوية بواسطة أجهزة الراديو عند الضرورة فقط، بينما تعمل أنظمة راديو Massive MIMO على زيادة تغطية الشبكة وتوفير سعة أعلى. وتوفر هذه التحسينات تغطية موسعة للشبكة بطريقة مستدامة وفعالة من حيث الموارد، مما يقلل التكلفة الإجمالية للملكية على مزودي الخدمات.
توفير في استهلاك الطاقة يصل إلى 15% مع مزايا وخصائص برمجية
ويمكن أن نعزو جزءًا كبيرًا من استهلاك الطاقة في شبكات الهاتف المحمول إلى شبكة الوصول الراديوي (RAN)، ومواقع محطات الراديو الأساسية. ومع توسع انتشار شبكات الجيل الخامس تدريجيًا في جميع أنحاء العالم، يصبح من المهم جدًا التركيز على التحسينات التي تؤدي إلى تعزيز أداء الطاقة لشبكات الوصول الراديوي، للحد من زيادة الاستهلاك وكسر ازدياد استهلاك الطاقة. ويمتاز برنامج توفير الطاقة المدمج في شبكات الوصول الراديوي بقدرات كبيرة ومثبتة لتقليل استهلاك الطاقة. كما يؤدي تبديل حالة المواقع، من حالة “التشغيل دائمًا” إلى حالة “التوافر دائمًا”، إلى تحسين كفاءة استهلاك الشبكة للطاقة وتعزيز استدامتها.
ومن الضروري أيضًا إعداد الشبكة بتحديث مواقعها، وذلك لتوفير لإفساح المجال لاستهلاك الطاقة الإضافية الناتجة عن نشر الجيل الخامس. ويمكن من خلال استخدام المعدات المناسبة لحالة المرور المناسبة، تحقيق وفورات كبيرة في الطاقة. وعلاوة على ذلك، يمكن لمزودي الخدمات من خلال استخدام الذكاء الاصطناعي، تشغيل البنية التحتية لموقع شبكة الجيل الخامس بصورة استباقية، وقد أظهرت الدراسات أن مزودي الخدمة يستطيعون تقليل استهلاك الطاقة في الموقع بنسبة تصل إلى 15٪ من خلال حلول التحكم الذكية بالموقع.
مسؤولية الصناعة
ومن المتوقع أن تزداد حركة البيانات المتنقلة بشكل حاد في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. ومع وصول متوسط البيانات لكل هاتف ذكي إلى 41 جيجابايت شهريًا بحلول عام 2027 وفق ما تشير إليه الدراسات، فمن المتوقع أن يزداد استخدام الشبكة للطاقة، فضلًا عن نمو التكاليف بشكل كبير أيضًا.
وتتطلب معالجة مشكلة استهلاك الشبكة للطاقة وانبعاثاتها الكربونية نهجًا متكاملًا يتخطى الأداء المنفرد للمنتج، ويتعامل مع الشبكة بكلّيتها. ونحن نرى في هذا الأمر فرصة لإعادة التفكير في كيفية بناء وتشغيل وإدارة الشبكات بشكل أكثر ذكاءً واستراتيجية. وهذا الأمر ليس خيارًا على الإطلاق، بل مسؤولية ملقاة على عاتق الصناعة لإيجاد حل شامل يكسر منحنى الطاقة من خلال الابتكار. وبهذه الصورة فقط يمكننا تقليل استهلاك الطاقة، وضمان أن يتمكن الجميع من جني ثمار نشر شبكة الجيل الخامس.