كيف تبدو ملامح مستقبل تقنيات الجيل الخامس؟
بقلم جاي ثاتيل رئيس قسم التسويق الاستراتيجي لمقدّمي الخدمات لدى “جونيبر نتوركس”
في العام 2019، بدأت شركات “إي إي” و “أو 2″ و”ثري” و”فودافون” البريطانية العاملة في قطاع الاتصالات المحمولة، في استخدام تقنيات الاتصالات من الجيل الخامس (5G)، واستمرت هذه الشركات منذ ذلك الحين في توسعة شبكاتها في جميع أرجاء البلاد. ووفقاً لاستطلاع حديث لآراء الشركات البريطانية أجرته شبكة ابتكارات الجيل الخامس الوطنية في بريطانيا (UK5G)، فإن الغالبية العظمى من الشركات البريطانية (70 في المئة) إما قد بدأت في استخدام خدمات الاتصالات المبنية على تقنيات الجيل الخامس وشبكاتها، أو أنها تنوي الشروع في استخدامها. لكن ارتفاع التكلفة وضعف التوافر ما زالا عقبتين ماثلتين أمام الشركات الراغبة في إحداث التحوّل. وبينما تُشيَّد معظم أبراج اتصالات الجيل الخامس في المدن والحواضر الكبيرة، وتزداد تدريجياً قدرات خدمات البيانات المحمولة، فقد بدأ استخدام شبكات الجيل الخامس يتوسع في مناطق الضواحي المزدحمة ويغطي شبكات المواصلات والنقل.
وإن كانت أزمة الجائحة العالمية قد أبطأت تطوّر اتصالات الجيل الخامس، فهي لم تُحدث تأثيراً في نمو قطاع الاتصالات في العموم، وإنما أعادت صياغة منهجية توجهه نحو تمكين الجيل الخامس. إن التطبيقات العملية المتوقعة لتقنيات اتصالات الجيل الخامس لم تتحقق بالكامل حتى الآن، وإن كانت منتظَرة الحدوث في المستقبل القريب. لقد اكتسبت البنى التحتية للاتصالات الثابتة والمتنقلة أهمية متزايدة، وارتفع الاستثمار في الشبكات، في حين يُتوقع أن تنمو الأعمال المتعلقة بالجيل الخامس نمواً ملحوظاً.
وكانت الحكومة البريطانية اقترحت استحداث تشريع من شأنه مساعدة مقدمي خدمات الهاتف المحمول على توسعة نطاق التغطية الهاتفية وتعزيزها. وستكون شركات الاتصالات البريطانية، وفق التشريع الجديد، قادرة على إجراء تعديلات في بُناها التحتية القائمة بدلاً من إنشاء أبراج اتصالات جديدة، وبالتالي ستكون الحاجة قليلة إلى الأبراج الجديدة من أجل الوصول إلى التغطية المطلوبة لشبكات الجيل الرابع والجيل الخامس، وبهذا سيكون بمقدور مشغلي شبكات الهاتف المحمول تسريع توسعة التغطية الهاتفية وزيادة سعتها في جميع أرجاء البلاد.
عوائق الجيل الخامس
مع انتشار شبكات الجيل الخامس، لاحظ مقدمو الخدمات ظهور عوائق محتملة أمام استخداماتها وتطبيقاتها في الشبكات المؤسسية والمنزلية، وبدأوا يتعاملون مع مختلف المشاكل المحتملة بمنهجيات متباينة. إن البنية التحتية الضعيفة، مثل محدودية الاتصال اللاسلكي وضعف إشارات النقل بسبب المباني، تمنع إشارات الاتصال من الانتقال بسلاسة وأمان عبر تقنيات الجيل الخامس، كما فاقم النقص في المعدات المناسبة من المشكلات الحاصلة، وأدّى ضعف انتقال موجات الاتصالات المحمولة وضعف الاتصال بين السلطات المحلية إلى تعقيد المسألة، هذا عدا عن المشكلة الرئيسة الأخرى المتمثلة في ضعف القدرة على الوصول إلى شبكات الألياف البصرية في كل من المناطق الريفية والحضرية.
ووفقًا لدراسة استطلاعية أجرتها شركة “أناليسس ميسون”، فقد توقع مزودو الشبكات أن تصبح 70 في المئة من المواقع في بريطانيا بحاجة للخضوع إلى عمليات تحديث تقني في غضون السنوات الأربع القادمة لتلبية متطلبات الجيل الخامس. وتوصف شبكة الربط بأنها تصل بين المحطات الأساسية والشبكة الأساسية لدى مشغل الهاتف المحمول، ويمكن نقلها عبر الكابلات المادية مثل الألياف البصرية أو خطوط الموجات اللاسلكية الدقيقة.
وتهدف أجندة الحكومة البريطانية المتعلقة باتصالات الجيل الخامس إلى جعل البلاد رائدة على مستوى العالم في هذا المجال، لكن الدعم بشبكات الألياف البصرية الكاملة ضروري لتمكين الاتصالات الشبكية ذات زمن الكُمون المنخفض، أو السريعة، وهو ما تفتقر إليه منظومة الاتصالات الحالية، لذا يُعدّ التعاون بين الجهات الحكومية ومقدمي خدمات الاتصالات ضروريًا لضمان التوظيف الناجح للجيل الخامس في جميع المناطق، لا سيما مع هدف الحكومة المتمثل في وصول غالبية السكان إلى شبكات الجيل الخامس بحلول العام 2027.
تحقيق الإمكانات الكاملة لشبكات الجيل الخامس
إن الجيل الخامس ينطوي على إمكانية إحداث تغيير اقتصادي ثوري، سواء لمقدمي خدمات الاتصالات أو لعملائهم. ومع ذلك، فإن تقنيات الجيل الخامس اللاسلكية الجديدة في حدّ ذاتها لن تمكن المشغلين من الاستفادة بالكامل من اتصالات الجيل الخامس.
لقد وجد الاستطلاع المذكور الذي أجرته شبكة ابتكارات الجيل الخامس الوطنية أن 73 في المئة من المؤسسات المستطلعة آراؤها كانت مقتنعة بأنها تُدرك منافع تقنيات الجيل الخامس للأجهزة المحمولة (النطاق العريض للأجهزة المحمولة)، في حين أن 70 في المئة من المؤسسات قالت إن لديها خططاً لكيفية استخدام هذه التقنيات لاكتساب مزايا تنافسية. كذلك، ذكرت 66 في المئة من المؤسسات المشاركة في الاستطلاع أن تقنيات الجيل الخامس سوف تصبّ في مصلحة مبادراتهم في مجال الاستدامة المؤسسية، وأنها سوف تُثري تجربة المستهلكين (65 في المئة). ومع ذلك، فإن ثمّة قضايا عالقة.
إن المكوّنات التي تدخل في تشكيل منظومة الجيل الخامس تشمل النفاذ اللاسلكي والنقل والشبكات الأساسية، ولكن لتحقيق أعلى مستويات التنسيق والأمن وضمان الخدمة، فلا بدّ من إدخال الأتمتة إلى هذه المنظومة. لذا من الضروري تحقيق الدمج الشامل لهذه المكوّنات من أجل تقديم تجربة فريدة للعملاء تمكّن المشغلين من الاستفادة من القيمة التي تنطوي عليها اتصالات الجيل الخامس. لهذا السبب، يتطلب إنشاء منظومة فريدة من اتصالات الجيل الخامس إتاحة العناصر التالية:
• شبكات الوصول اللاسلكي المفتوحة – الغاية من هذه الشبكات أن تكون متاحة للجميع، إذ تسمح لمشغلي شبكات الجيل الخامس بتسريع الابتكار ومنح عملائهم تجربة فريدة؛ فالنهج القائم على “الوصول المفتوح” إلى المنظومة يكمن في الواقع في صميم مفهوم الجيل الخامس، وهو ضروري لتوسعة الشبكات. على أن هذا النهج الاستراتيجي يتحدّى النهج الذي تقوم عليه المنظومات الحالية لدى مقدّمي الخدمة ويسعى إلى إحداث تغيير جذري في طريقة تنفيذ الشبكات اللاسلكية وتشغيلها وتوليد القيمة منها.
• بنية شبكات المترو (Cloud Metro) – في منظومات الخدمات السحابية المتناثرة، تتيح بنية شبكات المترو متعددة الخدمات، بشكل موثوق به، تجربة مُحكمة للمستخدمين، قد تلبي أو تتجاوز توقعات العملاء عند الحصول على الخدمات، مع إلغاء النفقات والتعقيدات في عمليات الشبكة المنفصلة عبر استخدام تجزئة الشبكة، والتقنيات المدرِكة للخدمة، وإمكانيات النطاق السحابي.
• الأتمتة – يعتبر مشغلو الشبكات جودة الخدمة مفتاحاً للتفوّق، لكنّ مواكبة توقعات المستخدمين لن تكون كافية، ولا بدّ لمشغلي الشبكات من تجاوزها، الأمر الذي يستلزم وجود شبكة سريعة الاستجابة تتسم بالمرونة والقوّة والقدرة على الإدراك. سيتم توفير ضمان الخدمة المطلوب لتحقيق هذه الميزة التنافسية من خلال الأتمتة.
• أنظمة الأمن – يواجه مشغلو الشبكات أخطارًا يمكن أن تعطل الخدمات، لكن يمكن من خلال الاستفادة من البنية التحتية الشبكية الكاملة في اكتشاف الهجمات الرقمية على جبهات متعددة وتوسعة الاستفادة من معلومات التهديدات على امتداد جميع نقاط الاتصال في الشبكة، فإن وجود نظام أمني متكامل يُعدّ ضروريًا لحماية المستخدمين والتطبيقات والبنية التحتية.
مستقبل الجيل الخامس
إن البيئة التنظيمية المواتية في بريطانيا وضعتها دائماً في طليعة الابتكار في مجال الاتصالات. وعلى هذا الأساس، نجد أن تشجيع الاعتماد على الحلول المفتوحة والقابلة للتشغيل المتبادل والقائمة على البرمجيات، وتنويع سلاسل التوريد في قطاع الاتصالات، مسألتان مترابطتان. على أن التحدي الراهن الذي تواجهه بريطانيا يتمثل بالحاجة إلى تعزيز المستقبل في هذا الجانب. وسيؤدي هذا التطوّر إلى فتح ساحة الجيل الخامس العالمية أمام لاعبين جدد بينهم الشركات البريطانية، كما سيتيح إمكانيات لم يسمع بها أحد من قبل، تُستغلّ في سبيل خفض التكلفة وتعجيل الابتكار وتطوير نماذج أعمال جديدة.
وبينما يستمر التوسّع في اتصالات الجيل الخامس، يجب ألا نُغفل أهمية تهيئة الأنظمة والبنى التحتية الملائمة قبل الانتقال الكامل إلى هذه المنظومة، فمن أجل تقديم منصة اتصالات أكثر اعتمادية ورسوخاً لمقدمي الخدمات، يجب أن يكون الجيل الخامس جزءاً من ثورة أكبر تشمل أيضاً تقنيات السحابة والأتمتة. إن التغيير التجاري لدى مقدمي الخدمة لا يمكن دعمه بالجيل الخامس وحده، لذا فإن عليهم أن يأخذوا في الحسبان السحابة والأتمتة والجيل الخامس جميعها لتحقيق القيمة الكاملة المنشودة والاستفادة من الفرص التي تنطوي عليها هذه التقنيات.