كيف تؤثرالحروب والنزاعات علي حركة التجارة العالمية
يعمل النظام العالمي لشحن الحاويات والناقلات، الذي ينقل يومياً عشرات المليارات من الدولارات من المنتجات حول العالم، بسلاسة ودون أن يلاحظه أحد. ومع ذلك، في بعض المناطق، تضيق ممرات الشحن إلى مضائق أو قنوات ضيقة، مما يجعلها نقاطاً جغرافية حيوية، حيث يمكن أن تؤدي الاضطرابات المعزولة إلى تهديد جزء كبير من التجارة الدولية.
أحد هذه النقاط هو مضيق تايوان، الذي يمتد على عرض 100 ميل بين تايوان والبر الرئيسي للصين، وقد أصبح ممر شحن أساسياً للعديد من الدول حول العالم.
تشير أبحاث جديدة من مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، وهو معهد بحثي في واشنطن، إلى أن المضيق يمثل قناة لأكثر من خُمس التجارة البحرية العالمية. ففي عام 2022، وهو أحدث عام تتوفر عنه بيانات، تم عبور سلع بقيمة 2.45 تريليون دولار، تشمل الطاقة والإلكترونيات والمعادن وغيرها من المنتجات.
تكتسب هذه النتائج أهمية كبيرة نظراً لأن المضيق يقع في قلب نزاع جيوسياسي بين تايوان والصين، التي تعتبر الجزيرة جزءاً من أراضيها.
ويشير الباحثون إلى أن أي حصار أو عمل عسكري من قبل الصين قد يعطل حركة المرور في المضيق، مما قد يؤدي إلى آثار دراماتيكية على تدفق السلع عالمياً، خاصة فيما يتعلق بالاقتصاد.
أعلنت منظمة التجارة العالمية أن التجارة العالمية بدأت تشهد زيادة في وتيرتها، إلا أن التوترات الجيوسياسية المتزايدة وعدم اليقين بشأن السياسات الاقتصادية قد تؤدي إلى تراجع هذه الوتيرة.
وأوضحت المنظمة أن تصاعد الصراع في الشرق الأوسط، الذي يُعتبر مركزاً رئيسياً لإنتاج النفط، قد يُعقد مسارات الشحن ويؤدي إلى ارتفاع أسعار النفط، مما قد يجعل استيراد الطاقة والمواد الغذائية وغيرها من المنتجات الأساسية أكثر صعوبة وتكلفة بالنسبة للناس حول العالم.
وأفادت المنظمة، التي تتخذ من جنيف مقراً لها، بأنها تتوقع أن تنمو التجارة العالمية في السلع بنسبة 2.7% في عام 2024، وهو ما يزيد قليلاً عن توقعاتها السابقة، وبنسبة 3% في عام 2025. ويأتي هذا النمو بعد انكماش شهدته التجارة العالمية في عام 2023، حيث انخفضت بنسبة 1.1% نتيجة لارتفاع معدلات التضخم وأسعار الفائدة.
كما أشارت المنظمة إلى أنها رصدت علامات على انقسام التجارة العالمية بناءً على الاعتبارات السياسية منذ بداية الحرب في أوكرانيا، حيث نمت التجارة بين الدول التي تتبنى مواقف سياسية متشابهة (استناداً إلى أنماط التصويت في الجمعية العامة للأمم المتحدة) بنسبة 4%.
التحديات المحتملة للتجارة وقالت المدير العام للمنظمة نغوزي أوكونغو إيويالا، إن المنظمة تظل يقظة تجاه التحديات المحتملة للتجارة، خصوصاً التصعيد المحتمل للصراعات الإقليمية مثل تلك في الشرق الأوسط، وقد يكون التأثير أكثر حدة في البلدان المعنية مباشرة، لكن يمكن أن تؤثر أيضاً بصورة غير مباشرة في كلفة الطاقة العالمية ومسارات الشحن”.
وبدأت الهجمات التي شنها الحوثيون في اليمن على الشحنات التجارية في البحر الأحمر وخليج عدن، المسؤولة عن نحو 15 في المئة من التجارة العالمية، منذ أواخر العام الماضي، مما شجع عدداً من السفن على تغيير مسارها حول الطرف الجنوبي لأفريقيا، مما أضاف أسبوعاً أو أكثر إلى الرحلة. وفي وقت سابق من عام 2023، أعيد ترتيب حركة الشحن العالمية أيضاً بعد أن قللت موجة جفاف من عدد السفن التي يمكنها المرور عبر قناة بنما.
وارتفعت كلفة الشحن وسط هذه الاضطرابات، على رغم أنها لا تزال أقل بكثير من المستويات العالية التي شهدتها خلال فترة الجائحة. وفي مارس (آذار) 2021، جنحت سفينة حاويات في قناة السويس، مما أدى إلى إغلاق حركة المرور هناك ستة أيام. قضية عالمية وتشير التقديرات التي قدمها مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية إلى أن مضيق تايوان يستضيف نسبة أكبر من التجارة العالمية مقارنة بأي من هذه الممرات،
وقال زميل مشروع “قوة الصين” في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية ماثيو فونيول، الذي عمل على دراسة مضيق تايوان إلى صحيفة “نيويورك تايمز”، إن التوترات في المنطقة هي “قضية عالمية”. وأضاف، “أي حادثة حول تايوان، مثل غزو أو حصار سيعطل بصورة جذرية الحالة الطبيعية للتجارة، وسينتج منه عديد من العواقب الاقتصادية لمجموعة متنوعة من الدول”.
ومن خلال ربط حركة السفن العالمية ببيانات التجارة على مستوى الدول قدم الباحثون ما يقولون، إنه أول تقديرات أكاديمية دقيقة لحجم التجارة عبر مضيق تايوان. ووجدوا أن الاقتصاد الأكثر تعرضاً للاختلالات في المضيق هو الصين، إذ تعبر المضيق سنوياً تجارة تقدر بـ1. 3 تريليون دولار.
وتشمل معظم هذه الشحنات الواردات الصينية من النفط والمعادن وخام الحديد ومواد خام أخرى، إضافة إلى مكونات إلكترونية، تغذي محطات الطاقة والمصانع الصينية. وبحسب الباحثين فإن المضيق هو ممر لنحو ثلث واردات اليابان وكوريا، ونحو ربع صادراتهما، كما تمر عبره نحو 27 في المئة من صادرات أستراليا، التي تتكون بصورة كبيرة من السلع الأساسية مثل خام الحديد والفحم والغاز الطبيعي المسال.
ومن بين خمس دول تعتمد بصورة كبيرة على مضيق تايوان لتجارة شحناتها، فإن أربعاً منها تقع في أفريقيا، إذ ترسل جمهورية الكونغو الديمقراطية وحدها نحو 70 في المئة من إجمالي صادراتها،
والتي تشمل بصورة أساسية النحاس والكوبالت والمعادن الأخرى، عبر المضيق، ويرسل عديد من دول الشرق الأوسط أيضاً أكثر من 30 في المئة من صادراتها عبر المضيق، إذ توفر الوقود الذي يشغل الصين، وقال فونيول، “لقد أصبحنا فجأة مدركين جداً لحقيقة أن تدفقات التجارة معقدة، لكنها تضيق في هذه النقاط الاستراتيجية الحساسة”.