كشف المستور …. مخالفات مالية واهدار بالمال العام داخل مصر للطيران
من المسئول عن بيع طائرات بقيمة 1.092 مليار جنية وبيعها ب 300 مليون دولار
قبل عدة أشهر، كانت مصر تمتلك أسطولًا كاملًا من الطائرات. وفي صفقة أثارت جدلاً واسعًا، وقّعت الشركة القابضة لمصر للطيران اتفاقًا خلال معرض دبي للطيران لبيع 12 طائرة من طراز إيرباص A220-300، لم يمضِ على شرائها أربع سنوات، لشركة أزورا للطيران الأمريكية.
الصفقة التي كلفت الحكومة المصرية حوالي 1.092 مليار دولار، تم بيعها بمبلغ يقارب 300 مليون دولار فقط، مما يعني خسارة تقترب من 800 مليون دولار. وفي ذلك الوقت، برر رئيس مجلس إدارة الشركة القابضة لمصر للطيران، يحيى زكريا، قرار بيع الطائرات بعد فترة قصيرة، قائلاً: “هذه الطائرات غير ملائمة للظروف المناخية المصرية”، مشيرًا إلى أن الشركة ستستخدم عائدات البيع لسداد قرض شراء الطائرات. من جانبه، أوضح النائب عبد المنعم إمام أن وزير الطيران عباس حلمي برر عملية البيع خلال اجتماع مع نواب البرلمان بعدم وجود حلول بديلة للطائرات، حيث ظلت غير مستخدمة منذ وصولها إلى الشركة في عامي 2019 و2020.
بدأت مصر استلام أول دفعة من طائرات إيرباص الـ12 في سبتمبر 2019. ومع ذلك، قبل أربعة أشهر فقط، اتهمت وحدة النيابة العامة في فرنسا (PNF) ومكتب الاحتيال البريطاني (SFO) شركة إيرباص بالتلاعب والتحايل ودفع رشاوى. ومن بين الاتهامات، وُجهت اتهامات لمسؤولين في مصر للطيران بتلقي رشاوى تصل قيمتها إلى 9.5 مليون دولار عبر وسيط إماراتي يُدعى “عباس اليوسف”، وذلك وفقًا لوثيقة نشرتها صحيفة دير شبيجل الألمانية.
في عام 2020، تم إدانة شركة إيرباص بتهمة التلاعب وانتهاك اتفاقية التجارة الدولية الأمريكية في الأسلحة (ITAR)، مما أدى إلى تكبدها غرامات تجاوزت 3.9 مليار دولار لتسوية هذه الاتهامات مع السلطات الحكومية في الولايات المتحدة وفرنسا والمملكة المتحدة.
ما يثير الاهتمام في هذه القضية هو أن مصر قامت بشراء صفقة الطائرات المذكورة من خلال قرض حصلت عليه، مما أثار تساؤلات حول إدارة الصفقة بشكل عام. إذ يتعين على السلطات المصرية سداد قيمة القرض وفوائده التي استخدمتها لشراء الطائرات، في الوقت الذي تم فيه بيعها بسعر منخفض. من جانبها، تشير الشركة إلى أنها اضطرت للبيع لتسديد قيمة القرض، بالإضافة إلى شراء طائرات جديدة.
مخالفات مالية واهدار بالمال العام
أفاد موقع سيمبلي فلاي المتخصص في أخبار الطيران، أنه بعد إبرام مصر للطيران صفقة لشراء طائرات إيرباص A220-300 في عام 2017، شهد محرك الطائرة من نوع Pratt & Whitney PW1500G حادثة “تسرب للوقود” في العام التالي. حيث تسرب الزيت من المبرد أثناء صعود الطائرة من باريس، مما أدى إلى فقدان ضغط الزيت. ويعتبر مبرد الزيت عنصرًا أساسيًا لضمان كفاءة وفعالية عمل المحرك.
أفادت هيئة التحقيق السويسرية SUST بأنها تلقت إشعارات تحذيرية من طاقم الطائرة حول انخفاض مستوى الزيت في المحرك، نتيجة وجود عطل في الختم الدائري لمبرد زيت الوقود. عقب الحادث الذي وقع في عام 2018، كشفت الهيئة عن وجود مبردين آخرين متضررين أيضًا. كما أوصت نشرة الخدمة، المتخصصة في فحص محركات الطائرات ومكوناتها، بضرورة استبدال مكون التبريد في محرك Pratt & Whitney PW1500G بآخر أطول وأكثر قوة في عزم الدوران، إلا أنه لم يتم اتخاذ أي إجراء بشأن هذه التوصيات.
عند استعراض حوادث طائرات إيرباص في مصر خلال الفترة من 2014 إلى 2024، تم تسجيل حوالي 36 حادثة خطيرة، كان أبرزها في عام 2016 عندما تحطمت طائرة إيرباص إيه 320-232 برقم تسجيل SU-GCC ورقم تسلسلي 2088.
وفي عام 2020، وقعت حادثة تحطم طائرة إيرباص إيه-321 تابعة لشركة “ميتروجيت” الروسية في شبه جزيرة سيناء، نتيجة انفجار حدث على متنها أثناء رحلتها من منتجع شرم الشيخ المصري إلى سانت بطرسبورغ.
هذا يتعارض مع ما أعلنته مصر للطيران في سبتمبر 2019، حيث أكدت أن شراء طائرات إيرباص A220-300 جاء نتيجة دراسة شاملة لأسطول الشركة واحتياجاتها، بما يتناسب مع معدلات التشغيل وشبكة الخطوط الجوية، بالإضافة إلى مقارنة العروض المقدمة من بعض الشركات الكبرى المصنعة للطائرات على مستوى العالم.
على الرغم من الأزمات والخسائر المالية الكبيرة والأعطال المتكررة، لم تتوقف مصر للطيران عن التعاقد مع شركة إيرباص، بل أبرمت صفقات جديدة بمليارات الدولارات خلال السنوات الأخيرة. ومن أبرز هذه الصفقات، شراء 10 طائرات من طراز A350-900 في نوفمبر 2023 بتكلفة بلغت 3.2 مليار دولار.
حصلت شركة مصر للطيران على قروض تصل قيمتها إلى 15 مليار جنيه خلال الفترة من 2019 إلى 2022. ففي عام 2019، حصلت على قرض موازي بقيمة 2 مليار جنيه. وفي عام 2020، حصلت الشركة على 3 مليارات جنيه من البنك الأهلي وبنك مصر، وذلك لمدة 10 سنوات. أما في عام 2021، فقد حصلت على 5 مليارات جنيه من مشروع قانون تقدمت به الحكومة، والذي يتيح لوزير المالية ضمان الشركة القابضة لمصر للطيران للحصول على قرض طويل الأجل بقيمة 5 مليارات جنيه من البنك الأهلي المصري وبنك مصر، وذلك بموجب قانون رقم 20 لسنة 2022 الذي يضمن وزارة المالية لشركة مصر للطيران بتاريخ 11 أبريل 2022.
وقعت شركة مصر للطيران للخدمات الأرضية عقدًا جديدًا في الشهر الماضي مع شركة “إيه جيت التركية” لتقديم خدمات المناولة الأرضية في المطارات المصرية، وذلك خلال معرض مصر الدولي للطيران 2024 الذي أقيم في مدينة العلمين.
تعتبر “إيه جيت” شركة تابعة للخطوط الجوية التركية، التي تُعد عميلًا رئيسيًا لخدمات مصر للطيران الأرضية. وقد بدأت الشركة عملياتها في مطار القاهرة الدولي بخمس رحلات أسبوعية، وتخطط لتوسيع خدماتها لتشمل مطارات محلية أخرى في المستقبل القريب.
يتكون أسطول الشركة من أكثر من 80 طائرة، بما في ذلك طائرات إيرباص A320 وA321 وبوينج B737-800 وB737 Max. وقد قررت الشركة مؤخرًا بيع هذه الطائرات بدعوى عدم توافقها مع الظروف المناخية في مصر. وقد أثار هذا القرار قلق النائبة البرلمانية مها عبد الناصر، التي تقدمت بطلب إحاطة لرئيس مجلس النواب بشأن وجود شبهات حول إهدار المال العام في صفقة بيع 12 طائرة من أسطول شركة مصر للطيران. وفي طلب الإحاطة الذي قدمته في أبريل الماضي، تساءلت عن الجهة التي ستتحمل فوائد قرض شراء طائرات إيرباص، والتي تتراوح بين 5 إلى 7% سنويًا.
في ظل التعاقدات الجديدة والجهود التي تبذلها شركة مصر للطيران مؤخرًا للنهوض بقطاعها ووقف خسائره، بالإضافة إلى سعيها لمنافسة الشركات العالمية، تبقى العديد من الأسئلة مطروحة حول أدائها ومساهمتها في الموازنة العامة للدولة حتى تتحسن نتائجها.