قطاع التأمين يواجه خمس مشاكل، لكن الذكاء الاصطناعي ليس إحداها
- خبراء الصناعة يحددون أهم المشاكل التكنولوجية المعقّدة التي تواجه قادة التأمين وسبل علاجها
رغم أن مليارات البشر يعتمدون على شركات التأمين، ويثقون بها عندما يتعلق الأمر بحماية حياتهم وأنماط معيشتهم كل يوم، يبدو ملاحظاً أن قطاع التأمين يعاني أزمة وجودية.
وأدت الخسائر الهائلة الناجمة عن الكوارث الطبيعية الشديدة التي ازدادت وتيرتها خلال السنوات الأخيرة إلى ارتفاع أقساط التأمين ونسبة الخصم بشكل كبير.
وتواجه شركات التأمين مقاومة شديدة في ظل سعي حاملي البوالص للحصول على التغطية في الأسواق عالية المخاطر التي تبتعد عنها تلك الشركات.
أقرأ أيضا..ساس وجامعة ميدلسكس دبي تستكشفان تطبيقات التحليلات التنبؤية للتحديات الحقيقية
وفي الوقت نفسه، يحذر المحللون من أن زيادات الأسعار والتدابير غير المرتبطة بالأسعار المستخدمة لإدارة ظروف السوق الحالية لن تكون مستدامة على المدى الطويل.
وفي إطار بحثهم عن الحلول البديلة، يعلق البعض من قادة قطاع التأمين آمالهم على طفرة الذكاء الاصطناعي التوليدي للحصول على حلول سريعة.
ومع ذلك، يزعم المنتقدون أن الخوارزميات الخاطئة التي تؤدي إلى الرفض غير العادل أدت إلى تفاقم الوضع، مدّعين أن الذكاء الاصطناعي أضاف إلى المشاكل القائمة المزيد من التعقيد إلى هذا المشهد المضطرب أصلاً.
وبحسب ستو برادلي من ساس، فإن الوضع أكثر تعقيداً مما يبدو عليه.
ويقول برادلي الذي يشغل منصب نائب الرئيس الأول لحلول المخاطر والاحتيال والامتثال في هذا الشأن: “في الوقت الذي يتوقع فيه أن يواجه قادة التأمين عقبات بالتوازي مع التقدم المُحرز في نضجهم التحليلي، فإن الذكاء الاصطناعي في حد ذاته ليس المشكلة.
وبدلاً من ذلك، فإن فهم الشركات لبياناتها والعواقب غير المقصودة المحتملة للذكاء الاصطناعي قد يكون بمثابة جذر المشكلة. ونظراً لوجود الحواجز الأخلاقية المناسبة والإشراف البشري، يبرز الذكاء الاصطناعي كحل جدير بالثقة، لأنه يقدّم الرؤى والمرونة اللازمة لتقديم تعريف مبتكر لهذا القطاع”.
وقال محمد كيكي، مدير شركة ساس في المملكة العربية السعودية: “بما أن قطاع التأمين في المملكة العربية السعودية يشهد نمواً سريعاً بسبب زيادة عدد وتنوع سكان البلاد، والأحداث والفعاليات المهمة التي تسهم في إحداث تحويلات جذرية، مثل “إكسبو 2030” وبطولة كأس العالم لكرة القدم “فيفا 2034” و “رؤية السعودية 2030” الشاملة، فإن المملكة تواجه مشهداً من المخاطر المتطورة والتحديات غير المسبوقة.
ويؤكد الارتفاع في الطلب، وخاصة في بعض القطاعات ومن أبرزها التأمين الطبي والسيارات، على أهمية الاستفادة من الذكاء الاصطناعي، ليس فقط باعتباره ميزة مهمة، ولكن كأداة حاسمة لتعزيز مرونة عمل القطاع وأدائه.
إن تبني نهج “التنبؤ والوقاية” المستند إلى الذكاء الاصطناعي المسؤول، من شانه أن يحول هذه التحديات إلى فرص لتقديم قيمة أكبر وضمان محافظة القطاع على تقدمه وريادته”.
وفي إطار استجابتهم لنقطة التحول المحتملة هذه، قام خبراء من ساس بفحص وتقديم عدد من الرؤى حول أهم خمس مشاكل في التأمين، وخلصوا إلى نتيجة مفادها أن استخدام الذكاء الاصطناعي لا يندرج كواحدة منها.
وتبيّن أيضاً أن معالجة تحديات التكنولوجيا الحالية التي يواجهها مجتمع التأمين ستؤدي لدعم الذكاء الاصطناعي ليصل إلى إمكاناته الكاملة، كما ستساعد أيضاً على توفير الحماية للقطاع في المستقبل.
- فوضى البيانات الحالية تنتظر القانون والنظام
عندما يتم دمج نقاط البيانات مع المعلومات الشخصية الخاصة، فإن غياب التشريعات والتنظيمات التي تحكم الذكاء الاصطناعي يمكن أن يكون مثيراً للقلق، خاصة بالنسبة إلى هذا القطاع الذي يمتاز بشدّة الامتثال والتقارير التنظيمية.
وتعتبر اللغة المستخدمة في قانون الذكاء الاصطناعي للاتحاد الأوروبي، والتدابير المؤقتة التي تتبناها الصين، ونشرة نموذج الذكاء الاصطناعي الصادرة عن الرابطة الوطنية لمفوضي التأمين تندرج ضمن الجهود الأولى الهادفة إلى تأسيس المبادئ التوجيهية أو القواعد أو الأطر المصممة لضمان تشغيل أنظمة الذكاء الاصطناعي بأمان وأخلاق وفعالية في مجال التأمين،
لكن في ظل تحول البيئة التنظيمية، فقد عمدت شركات التأمين وشركات التكنولوجيا المرتبطة بقطاع التأمين وعملياته إلى تكثيف جهودها من خلال تقديم مقترحات للتنظيم الذاتي.
وقالت براتيبا كريشنا، رئيسة قسم الذكاء الاصطناعي والأخلاقيات في شركة ساس بالمملكة المتحدة وإيرلندا، والتي ساعدت في صياغة مدونة قواعد السلوك الطوعية للذكاء الاصطناعي للمطالبات: “حتى نتمكن من إعداد البيئة المناسبة لتلبية المعايير التنظيمية المستقبلية، يجب على قطاع التأمين كما هي حال القطاع المصرفي، إعطاء الأولوية لسلاسة البيانات والحوكمة ضمن قدراتها المتعلقة بالذكاء الاصطناعي.
وفي الوقت الذي يعتبر فيه ضرورياً لشركات التأمين استخلاص الرؤى القيمة من مجموعات البيانات الضخمة الخاصة بها، يكون من المهم بنفس القدر استبعاد الأخطاء والتناقضات من هذه البيانات. ويساعد هذا الإجراء في ضمان إمكانية إعادة الاستخدام، وتحسين دقة اتخاذ القرار، وتعزيز الإنتاجية، والارتقاء بموثوقية النتائج”.
وتضيف براتيبا: “سيكون تعليم الذكاء الاصطناعي أيضاً عاملاً حاسماً في نجاح نشر الذكاء الاصطناعي، ولغرض الاستعداد للامتثال في المستقبل. ومما لا شك فيه أن تعزيز معرفة البيانات عبر مؤسسة ما من شأنه أن يمكّنها بأكملها من مناقشة ممارسات الذكاء الاصطناعي الأخلاقية، ومن ثم فهما وتبنّيها في نهاية المطاف”.
- الذكاء الاصطناعي يفرض ضغوطاً كبيرة على إدارة المخاطر
في خضم التحول الرقمي السريع في قطاع التأمين، والنمو الهائل للذكاء الاصطناعي والذكاء الاصطناعي التوليدي، يشعر مديرو المخاطر بالقلق الحقيقي بشأن العواقب غير المقصودة لخوارزميات الروبوتات، خاصة في هذه البيئة التي يتسابق فيها قادة الأعمال لتحقيق مكاسب إنتاجية من الذكاء الاصطناعي، وتحويلها إلى قيمة تجارية طويلة الأجل.
وقد تبدو عملية النمذجة للتوصل إلى نسخ أو نماذج أولية واعدة، لكن الذكاء الاصطناعي الإنتاجي يتطلب توفير بنية تحتية قوية لضمان النشر المسؤول والآمن. وفي الوقت نفسه، فإن حلول “الصندوق الأسود” التي يقدمها الذكاء الاصطناعي وتحدّ من التخصيص، قد تستهوي المديرين التنفيذيين لبساطتها حسب اعتقادهم، لكن الافتقار إلى الشفافية والقدرة على التفسير قد يعرض المؤسسة للمخاطر الكبيرة الكامنة في الذكاء الاصطناعي.
وقالت تيريزا روبرتس، رئيسة قسم نمذجة المخاطر واتخاذ القرارات في ساس، ومؤلفة كتاب نمذجة المخاطر: التطبيقات العملية للذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي والتعلم العميق: “يتعين على شركات التأمين أن تستكشف بشكل شامل أهمية دمج الذكاء الاصطناعي في الأنظمة الحالية، مع ضمان التوافق مع استراتيجية الذكاء الاصطناعي الخاصة بالمؤسسة، على أن تتضمن أيضاً حوكمة قوية.
ويجب على شركات التأمين أيضاً أن تفكر في النطاق الأوسع لحالات استخدام الذكاء الاصطناعي التوليدي خارج نماذج اللغة الكبيرة. وعلى سبيل المثال، يمكن أن يؤدي الاستخدام الفعال لتوليد البيانات الاصطناعية إلى تعزيز خصوصية البيانات وتحسين العمليات مثل التسعير، وهي عملية تخصيص الأموال لتغطية مطالبات والتزامات التأمين المستقبلية، والنمذجة الاكتوارية، أي استخدام التقنيات الرياضية والإحصائية لتقييم وإدارة المخاطر المالية.
- التركيز الضيق على التعويض يعيق التقدم والشراكة
لقد بدأ تحول كبير يلوح في الأفق في قطاع التأمين، وذلك على افتراض أن القطاع قادر على تحقيق الكتلة الحرجة اللازمة، أي الحد الأدنى من العناصر اللازمة لإحداث تغيير كبير. ويتوقع قطاع التكنولوجيا أن تتطور شركات التأمين من مجرد نهج التعويضات التفاعلية إلى الشركاء الاستباقيين مع حاملي وثائق التأمين والمستهلكين والشركات على حد سواء.
ودعونا هنا نتأمل حالة الاستخدام التالية: أفادت منظمة الصحة العالمية مؤخرا بأن نسبة مذهلة من الأمراض مرتبطة بعادات يمكن الوقاية منها، بما في ذلك ما يزيد على 30% من وفيات السرطان العالمية، و80% من الأمراض المزمنة. وفي الوقت نفسه، تجمع شركات التأمين بالفعل بيانات صحية واسعة النطاق عن عملائها لتقديم التغطية المناسبة. فلماذا لا نستخدم هذه البيانات؟
وقالت ألينا تسيشتشانكا، رئيسة ممارسات التأمين في أوروبا والشرق الأوسط وأفريقيا وأستراليا في شركة ساس: “من خلال القنوات الموجودة حالياً، مثل تطبيقات الهواتف الذكية، يمكن لشركات التأمين أن تقدم للعملاء الفرصة لاختيار التدريب الصحي المدعوم بالذكاء الاصطناعي، وتقديم المشورة المخصصة التي تعيد صياغة تجربة العملاء التقليدية، وتقلل من مدفوعات التأمين.
ويجب على شركات التأمين أيضاً أن تنظر بقوة في إمكانات السوق لمثل هذه الشراكات في مجال تغير المناخ والحوكمة البيئية والاجتماعية والمؤسسية، بعيداً عن الخدمات المرتبطة بالجوانب الصحية. وتساعد مثل هذه المبادرات في معالجة قضايا الملاءة المالية لشركات التأمين، كما يمكنها أيضاً أن تعزز التصور العام تجاه هذا القطاع إلى حد كبير”.
ومع تنفيذ المبادئ التوجيهية الأخلاقية المناسبة، يصبح نموذج شركة التأمين شريكاً قابلاً للتحقيق بشكل كامل. وتعمل شركات التأمين التكنولوجية المتطورة وسياسات التأمين المعيارية بنفس الطريقة، ليوفر هذا النهج مساراً جديداً للاعبين في قطاع التأمين ممن ينطلقون من تفكير مستقيلي طموح.
- المخاطر الرقمية المخفية تتطلب حلولاً مركزية
يمكن لشركة التأمين اليوم الوصول إلى الأسواق حيثما توجد شبكات لاسلكية، نظراً لانتشار تكنولوجيا الهواتف الذكية المنتشرة في كل مكان تقريباً. وبالنسبة إلى شركات التأمين التي تتطلع إلى تعويض زيادات الأقساط للعملاء، يساعد الاستثمار في الهجرة الرقمية في طرح العروض الحديثة للعملاء المعاصرين في السوق.
وحتى تتمكن من خوض المنافسة بجدارة في هذا السوق الرقمي، يتعين على شركات التأمين أن تقدم منتجات وخدمات فردية بشكل متزايد لحاملي البوالص. وبفضل جاذبية هذه العروض المصممة حسب الطلب وسهولة التسجيل عبر الإنترنت، أمكن استقطاب مجموعة كبيرة من العملاء المحتملين، لكن هذا بحد ذاته بدا وكأنه نعمة ونقمة في الوقت نفسه.
لقد أصبحت شركات النقل مثقلة بالحجم الهائل والتدفق السريع للطلبات. ومن المؤسف أنه في السباق المحتدم للموافقة على التغطية التأمينية أو رفضها، لا تملك شركات التأمين الوقت الكافي للبحث بشكل صحيح وتحديد العملاء الأكثر عرضة لارتكاب الاحتيال، أو أولئك الذين يشكلون مخاطر غير مرغوب فيها بشكل أساسي.
وبالتالي، فإن شركة التأمين ستستوعب هؤلاء العملاء بشكل عام، والمخاطر التي يشكلونها على أعمالها.
وعند النظر إلى تركيب البنية التحتية التكنولوجية لتحديد الاحتيال والتهديدات الأخرى بشكل دقيق، يتبين أن هذا الأمر لا يزال يبعث على الإحباط لدى شركات التأمين التقليدية وشركات التكنولوجيا المرتبطة بعمليات قطاع التأمين على حد سواء.
ويؤدي كل من الاحتيال في التأمين عملية توفير التغطية التأمينية للأفراد أو الكيانات إلى ارتفاع خسائر شركة التأمين ونسبها المجمعة، ما يؤدي في النهاية إلى ارتفاع أقساط التأمين للعملاء.
وقال ثورستن هاين، رئيس قسم التأمين في حلول المخاطر والاحتيال والامتثال في شركة ساس: “يتعين على شركة التأمين الرقمية الناجحة تنسيق الجهود لجذب العملاء وخدمتهم بشكل مناسب، وموازنة أنواع المخاطر المختلفة التي تفرضها، ومن الأفضل أن يكون ذلك في إطار منظومة متكاملة قائم على السحابة”.
“يجب على شركات التأمين القيام بتبسيط ودمج مهام خبراء التأمين والوكلاء ومحللي الاحتيال، للمساعدة في ضمان قدرة شركة التأمين على تحقيق الربح مع العملاء المناسبين للمخاطر، وخدمة العملاء وحمايتهم تماماً كما يحتاجون، وبسعر يحقق العدالة المثلى لجميع الأطراف”.
- التأمين على الحياة يتعُرض للخطر مؤخراً، مع أنه لا يزال حيوياً
يُعد التأمين على الحياة مثالاً رئيسياً للعديد من التحديات التي تواجه صناعة التأمين اليوم. ومن الناحية التاريخية، اعتمدت شركات التأمين على الحياة على العقارات التجارية لتحقيق الربحية، لكن قيمة هذه الأصول انخفضت بشكل حاد منذ جائحة كوفيد-19. ونتيجة لذلك، يجب على هذا القطاع الابتكار واستكشاف فرص جديدة للنمو.
وقال فرانكلين مانشستر، كبير مستشاري التأمين العالمي في شركة ساس: “عندما نتحدث عن أي من الأصول القابلة للتأمين، لا يحتاج الجميع إلى هذا النوع من الحماية، مثل التأمين على السيارة أو المنزل، ولكن يبدي كل شخص اهتماماً بحياته الخاصة.
وتتوقع الوكالات العاملة في مجال البيانات الصحية أن يزيد متوسط العمر المتوقع عالمياً إلى أكثر من 78 عاماً بحلول العام 2050. ومع تزايد المخاطر في عالمنا متعدد الأزمات، تلعب شركات التأمين على الحياة دوراً في دفع التغيير الإيجابي”.
وأضاف: “على سبيل المثال، يعتبر فقدان أحد أفراد الأسرة، إلى جانب ما قد يتسبب به من انخفاض في الدخل أو الدعم، أحد العوامل العديدة التي يمكن أن تؤدي إلى استمرار الفقر بين الأجيال.
وعندما تقع المأساة، يواجه الأشخاص الذين تركهم الأهل وراءهم في كثير من الأحيان الواقع القاسي المتمثل في عدم وجود أي دعم أساسي.
وهنا تظهر أهمية التأمين على الحياة، إذ يمكنه أن يخفف العبء المالي بشكل كبير، ولكن لسوء الحظ، وبسبب محدودية الوصول والإهمال في الماضي، يظل العديد من الأشخاص الذين كان من الممكن أن يستفيدوا من سياسة التأمين غير مؤمّن عليهم”.
ومن خلال دمج البيانات بعد تنقيتها، إلى جانب اتخاذ قرارات التسعير ضمن أطر مبدئية، وفي ظل الانتشار العالمي للمنصات الرقمية، يمكن لشركات التأمين الوصول إلى المزيد من الناس وتثقيفهم وحمايتهم، ما قد يؤدي إلى كسر دورات المعاناة التي استمرت لأجيال متعددة.
وضع تصور جديد لقطاع التأمين في السياق الصحيح
تتطلب معالجة التحديات البيئية والاقتصادية والأخلاقية التي تواجه التأمين المزيد من الإبداع البشري. يمكن للذكاء الاصطناعي والتقنيات الأخرى أن تقود إلى تحول أكثر إنصافاً وقدرة على التكيف مع المناخ في القطاع، مع منح شركات التأمين التقليدية والشركات المختصة بتقنيات التأمين ميزة تنافسية.
ولاستكشاف المزيد من السبل التي يمكن أن تتبعها شركات التأمين للتعلم والتكيف والتنافس داخل سوق التأمين الحالية، يمكن تنزيل هذا المقال: قطاع التأمين يواجه خمس مشاكل، لكن الذكاء الاصطناعي ليس إحداها.