قراءة في الإيبيس ( طائر الاشمونين المضئ ) رواية: سفيان صلاح هلال
كتب : سفيان صلاح
كنت شديد الأسف لأن “الأشمونين“ الحاضرة الآن على أثار مدينة “خمنو” أو “هرموبوليس” كما أُطلق عليها في العصور اليونانية الرومانية، صاحبة أقدم أسطورة خلق وأول دين عرفته البشرية، وأول حروف للكتابة، ومركز رب العلم “تيحوت”، والفاعلة بالأحداث على مر التاريخ،لا توجد عنها رواية تمنحنا صورة أدبية(لحياتها المعاصرة)؛
لنعرف مدي تأثير العمق الروحي لمدينة العلم والحكمة والعدل على الحاضر؛ فقررت القيام بالمهمة واضعا في ذهني -كخلفية- تاريخ البلد الروحي والسياسي والاجتماعي الذي رصدته المراجع على مر العصور منذ الفراعنة حتى موقعة البابين بين الأيوبين والفاطميين على أرضها، فضلا عن معايشتي للمكان معايشة عميقة .
وقد أدهشني أن البلد مع التحولات صارت قرية، لكن الاهتمام بالعلم والحكمة بها لما يزل على رأس أولويات أهلها، وأنها مازلت تنجب علماء عالميين في مجالات دقيقة وفاعلة، وشعراء متحققين على مستوى واسع، فضلا عن تعادل فكري غريب يحافظ كثيرا على السلام الاجتماعي، فالبلد في عمق الصعيد، لكن قلَّ أن تجد فيها جرائم غليظة مثل الثأر أو السطو أو نزوع فكري للتطرف والطائفية
وأهل البلد استطاعوا أن يفلسفوا حتى عاداتهم المتوارثة في الموت وعلاج الأمراض واختلاف المعتقدات وشتى شؤونهم، باعتبارها مجرد رمزيات واستخدام للطاقات الروحية لا يتعارض مع أديانهم الحالية أو معطيات العلم المعاصر الذي يؤمنون به جدا
الرواية ليست تاريخية لكنها ذات عمق تاريخي، تتتبع جيلا ولد في مرحلة انتقالية بين الحياة المتأثرة بالقديم، والحياة العلمية الحديثة منذ الستينات وعلى مدار ربع قرن تقريبا، وذلك من خلال مجموعة أصدقاء وأُسَرهم خلال جزئين:
الأول: يتناول الآباء وطموحاتهم المحكومة بعاطفيات موروثة رغم أنهم يملكون ما يساعدهم على ماهو أبعد، وطفولة الأبناء وشبابهم الذي يظهر فيه تمردهم…
الثاني: والذي تجتمع فيه كل خيوط الأحداث لتصب في خاتمة مفتوحة، وستتضح التحولات في حياة الأبطال، وهمش
- “عادل إسماعيل” الراوي الأصلي يترك الوطن فرارًا من التأطير وبحثا عن مشروعه العلمي ورغم أنه يصير عالم ذرة كبير، فهو يعود مهزوما ليدير زراعتهم، بعد تعاونه مع الوطن الأم، والغريبة أن زوجته لاتنجب إلا بعد العودة في ظروف علمية وطقوس غريبة في قريته الأشمونين
- “تينا” من رواة العملوتعكس قصتها الكثير من عمق البلد وعادتها ومعارفها وسماحتها الدينية والاجتماعية، أسلم زوجها وظلت على مسيحيتها لكنها ربت أبناءها خير تربية بمجهودها وأخرجت منهم عالما عالميا كبيرا/”فايق” تزوج عالمة من أعرق العائلات.. ولا يباري “تينا” سوى العم ” المرسي” بأصالة ثقافته
- – “كمال مهران” شاب ذكي ومشروع علمي، لكنه يفقد نفسه تقريبا، وحبيبته، في ظروف مختلة وفاسدة بين تنشئة عشوائية بدائية وتقلبات سياسية وأيدلوجية، وهذا عكس صديقه “رضا” الذي نجى بفضل وعي والديه
- فايق لبيب” وهو من رواة العمل، أسلم أبوه وظلت أمه مسيحية؛ فقال: أضاف الدين فماذا أضفنا للحياة؟ وقرر التعامل مع الحياة بالعقل والعلم، واستطاع النجاح بمنهجه مستفيدا من تجارب الفشل والنجاح السابقة
- – “نادية” مسيحية أحبت “كمالا” وأحبها وهو المسلم كثيرا،ماتت في ظروف عشوائية حيث سقطت في حادث ثأر لايخصها ولا يخص أحدا يخصها، وكان موتها صدمة كبيرة لكمال الذي كان لم يفق بعد من صدمة هزيمة علمية أثرت على كل مستقبله
- “العم المرسي” رجل بسيط وأصيل واسع الاطلاع والعلم والخبرة لكن الإفادة من موسوعيته سواء له أو للغير محدودة نظرا لانغلاق المجتمعات وعزلتها عن التفاعل على نطاق واسع يتبادل الفكر المفيد
اقرا ايضا: موطن عبادته بمدينة الأشمونين.. متحف آثار تل بسطا يعلن عرض قطع أثرية تصور المعبود تحوت
- الدكتور رضا شاب لم يعرف شيئا عن الحياة الروحية لفترة طويلةنظرا لأن والده من دين وأمه من دين آخر ولم يرغبا في إرهاقه بالموضوع العقائدي، وكاد يضيع حين سمع أقوال عن العقاب بعد الموت من فكر متشدد مما أصابه بلوثة عقلية، لكن وعي والديه استطاع الخروج به منها وإعادة تأهيله حتى صار عالما كبيرا
- – “لبيب” غريب عن الأشمونين جاء واستوطنها وتزوج من تينا بنت البلد تحت سطوة تهديدها بالعنوسة، كان مسيحيا وأسلم بعد تقلبات روحية ونفسية عاتية لم تستقر حتى بعد إسلامه بكثير في ظروف خاصة بابنه، وقد أثر هذا على مجريات كثير من الأحداث
- الخواص“شخصية هامشية متفتحة، مكافح يعرف إمكانته ويحقق طموحه بالاجتهاد صاعدا في السلم الاجتماعي والعملي والعلمي
- “رشدي” شخصية هامشية منطوية، يهمله الجميع تقريبا؛ ويهمل نفسه ويهمل النظر حوله وينطوي على نفسه ويتحول لإرهاب يدمر الكل
- شخصيات أخرى تؤثر سلبيا وإيجابيا مثل :العمدة ، ورجال الدين، وتاجر الآثار، ووالد الراوي “عادل إسماعيل” ووالدته، والدكتور الجامعي، وأهالي الأبطال، ورجال مخابرات وسياسة وأصدقاء بتوجهات مختلفة ومنهم “سامية” التي أحبت “كمالا” الذي كان يحب “نادية”