جوهرة حقيقية بكل ما تحمله الكلمة من معنى .. أرمينيا تنتظركم
في عصر العولمة الذي نعيشه اليوم وسهولة السفر، قد أصبح من النادر على نحو متزايد اكتشاف الوجهات السياحية الجديدة والفريدة من نوعها والرائعة بعيداً عن المسار المألوف الذي يمكن أن يترك الزوار منبهرين. ومن هذا المنطلق، فإن أرمينيا هي جوهرة مثالية لما تتمتع به من غنى تراثي وثقافي كونها تمتلك عدداً لا يُحصى من المواقع التاريخية، بالإضافة إلى المأكولات الشهية والمبهرة. وفي الحقيقة، إنه لأمر مدهش أن هذا البلد الأسطوري الواقع في منطقة القوقاز الجبلية بين قارتي آسيا وأوروبا، لم يحظ بالاهتمام الكافي باعتباره وجهة سياحية يقصده السائحون، وهو أمر يتجه لأن يكون مغاييراً الآن.
إنه من الصعب جداً أن تتمكن من إخفاء مشاعرك وانبهارك تجاه عظمة جبل آرارات وقمتيه الرئيسيتين – سيس وماسيس – خلال زيارك يريفان، عاصمة أرمينيا. ولطالما كان هذا الجبل الرائع والمذهل الذي يمكن مشاهدته من أي مكان في يريفان تقريباً وفي أي وقت من السنة، رمزاً للوطن الأم لجميع الأرمن. وفي حقيقة الأمر، فإن جبل آرارات يحظى بأهمية خاصة كون اسمه قد ورد في قصة “الطوفان الكبير” على اعتباره الأرض الجبلية التي رست عليها سفينة نوح في رحلتها النهائية.
وفوق كل شيء، إن ما يجعل أرمينيا وجهة سياحية فريدة من نوعها هو حفاوة الاستقبال وكرم الضيافة. فالشعب الأرمني يتميّز بكونه ودوداً ولا يدع أي فرصة تمرّ من دون إعداد وليمة للضيوف والأصدقاء والأقارب وتحويل أي وكل مناسبة إلى احتفال. إنه شعب يشتهر بحفاوة الاستقبال والكرم الذي يظهره للضيوف الأجانب، وهو حريص دائماً على بذل كل ما في وسعه من أجل منحهم الشعور بالراحة والترحيب وكأنهم في وطنهم. في الواقع، إن السياح أنفسهم هم من يعبّرون عن شعورهم بأنهم لم يتمتعوا في أي مكان آخر بمستوى الضيافة كما هو
الحال في أرمينيا. ومن المعروف جداً أن الأرمن يصرون على دعوة الأجانب لزيارة منازلهم والترحاب بهم واحتضانهم ومعاملتهم بأفضل ما يكن، وهو ما يجعلهم يكوّنون صداقات متنية تدوم مدى الحياة.
وإذا كنت من الذوّاقة في عالم المأكولات، فإن زيارة أرمينيا هي الفرصة المثالية لك لاكتشاف بعضٍ من أقدم الأطباق الأوروبية والأعرق في منطقة جنوب القوقاز. سوف يبقى المطبخ الأرمني المتنوع واللذيذ النابع من عشق الأرمن للتوابل والأعشاب والزهور البرية راسخاً في الذاكرة على أقل تقدير، تماماً مثل أي شيء آخر تصادفه في هذه البلد المضياف. سوف تجد صعوبة كبيرة للاختيار من بين مجموعة واسعة من الأطباق المحلية في العديد من المطاعم التقليدية في أرمينيا وخصوصاً في عاصمتها يريفان نظراً لكونها جميعاً شهية ولذيذة. ابدأ تجربتك مع الطبق الصحي المكوّن من شوربة كريمية محضّرة من اللبن الزبادي الأرمني. وتأكد أيضاً من أنك لن تفوّت تذوّق الـ”تولما”، فهو عبارة عن ورق العنب المحشو باللحم المفروم والأرز؛ ولا تنسَ الكفتة (كرات لحم أرمنية)؛ ناهيك عن “تشي كفتة” (ستيك تارتار أرمني). ولا تكتمل الوليمة من دون تناول طبق “خوروڤاتس” الذي يجيد الأرمن إعداده بحرفية عالية وهو عبارة عن لحوم ليّنة وطرية. أضف إلى ذلك، تأكد من تذوّق الباستورما (لحوم مجففة متبّلة)، بالإضافة إلى مجموعة متنوعة من الأجبان الأرمنية.
بعد تناول كل تلك المأكولات الرائعة، فقد ترغب في ممارسة بعض النشاط الجسدي من أجل حرق تلك السعرات الحرارية. ولحسن الحظ، تعتبر أرمينيا وجهة رائعة لممارسة رياضات المغامرات بسبب تضاريسها الجبلية وطقسها اللطيف. في الواقع، مع تضاريسها المتنوعة والخلابة ومناخها المستقر، فإن هذه البلاد ملائمة جداً لممارسة هواية الطيران الشراعي والإنزلاق على الحبال وركوب المناطيد الهوائية التي تعمل بالهواء الساخن، وهي رياضة أصبحت منتشرة بشكل كبير في أرمينيا خلال السنوات الأخيرة. بالإضافة إلى ذلك، يمكنك الاستمتاع بالمشي لمسافات طويلة في مواقع لا حصر لها في جميع أنحاء أرمينيا، أو حتى اختيار تسلق جبل أراغاتس، أعلى نقطة في البلاد على ارتفاع يزيد عن 4090 متراً فوق سطح البحر. أما بالنسبة لعشاق التزلج والتزحلق على الجليد، فإن أرمينيا هي أرض العجائب الشتوية بالمعنى الحرفي للكلمة لما تتمتع به من ظروف مناخية ممتازة لكلا النشاطين، إذ إن” تساجكادزور”، منتجع التزلج الأول في البلاد، يتميز بمصعد آمن وعصري بأربع سرعات وأكثر من اثني عشر منحدر للتزلج.
أما الحياة الليلية في أرمينيا، فهي واحدة من أكثر المشاهد النابضة بالحيوية فيها وجزء لا يتجزأ من حياة الشباب في البلاد. بينما يزور العديد من السائحين العاصمة يريفان لاكتشاف ساحة الجمهورية ومسرح الأوبرا والباليه والمعرض الوطني لأرمينيا وماتيناداران ومواقع أخرى، فإن الحياة الليلية في هذه المدينة هي من العجائب الحقيقية. تعد النوادي والحفلات التي تتواصل طوال الليل أمراً شائعاً للغاية، حيث تقع معظم هذه الأماكن، إن لم تكن كلها، في وسط المدينة، وهو ما يجعل من السهل بشكل ملحوظ الذهاب إلى أي من تلك النوادي لاكتشاف مشاعر مختلفة. إن أحد أشهر نوادي في يريفان هو “Paparazzi Club” الذي يقع بالقرب من ساحة الجمهورية. استمتع بالاستماع إلى موسيقى الرقص الإلكترونية والهاوس والهيب هوب والتكنو، بالإضافة إلى العروض الحية للفرق المحلية الشهيرة أثناء تذوق المشروبات والوجبات الخفيفة المختلفة التي تم إعدادها بواسطة السقاة والطهاة الرائعين. وفي الوقت نفسه، يقدم “Liberty Pub” و”Beatles” و”Calumet Bar” الشهير جوًا أكثر استرخاءً، حيث يبثّ موسيقى البوب والروك والتكنو والموسيقى الحيّ، فضلاً عن مجموعة متنوعة من المشروبات والمأكولات الخفيفة. لأولئك الذين يتطلعون إلى اكتشاف أفضل الموسيقيين والفرق الموسيقية في المدينة، فما عليهم سوى التوجه إلى “Kami Music Club”، الواقع خلف مسرح موسكو مباشرةً.
وبإمكان السياح أيضاً الاستمتاع بمجموعة متنوع من المعالم الهندسية المعمارية الأكثر جمالاً في العالم. بالعودة إلى العام 301 بعد الميلاد، شرعت أرمينيا في التخلص من المعابد الوثنية والبدء في بناء عدد لا يحصى من الكنائس. ولا تزال هذه الهياكل العمرانية الرائعة قائمة حتى اليوم، وهي دليل واضح على مدى مهارة الشعب الأرمني وحرفيّته. كما أنه لا بد من مشاهدة المواقع التي تثير اهتمام أي سائح مهتم بالإنجازات الثقافية والمعمارية. وتتصدر هذه الهياكل المذهلة كاتدرائية إشميادزين، وهي أول الكنائس التي يتم تشييدها في أرمينيا بالإضافة إلى أول كاتدرائية في العالم في مدينة إشميادزين. ويمكن العثور على هذه المعالم الرائعة في جميع أنحاء البلاد، حيث تتمتع هندستها المعمارية الملكية والقديمة بمنظر مذهل إلى جانب الإطلالات الخلّابة المحيطة بها.
علاوة على ذلك ، تأكد من زيارة دير غيغارد الغامض الذي يبلغ عمره أكثر من 800 عام، المنحوت جزئياً في الجبل، بالإضافة إلى ركوب الترام الجوي “أجنحة تاتيف”، التلفريك الذي يعد الأطول من نوعه في العالم، من دون أن تنسىى المرور بدير “تاتيف” الذي يرجع تاريخه إلى القرن التاسع، والذي يحتل موقعاً متميّزاً على هضبة بازلتية كبيرة.
لا يمكن أن تكتمل أي زيارة إلى أرمينيا من دون مشاهدة روعة بحيرة سيفان. هذه البحيرة هي الأكبر والأجمل في القوقاز، وتقع في أعالي الجبال بحيث يبدو أن سطح الماء يكاد يداعب السماء عند النظر إليه من الضفة. إنه المكان المثالي للاسترخاء في أيام الصيف الحارة.
أرمينيا هي حقاً جوهرة مخفية ووجهة سياحية لا مثيل لها. مع مثل هذا التاريخ الغني، والثقافة الاستثنائية والتنوع اللامتناهي من عوامل الجذب السياحي المتاحة، يجب أن تتربع هذه الوجهة على رأس لائحة كل سائح لاكتشاف هذه البلاد حقاً وتجربة كل ما تزخر به من روعة.