تحولات جذرية في اقتصادات دول الخليج من خلال التكنولوجيا المتطورة
تسعى دول مجلس التعاون الخليجي إلى مواكبة التطورات العالمية في مجال استثمار التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي، في ظل تنافس دولي متزايد في هذا المجال. يأتي ذلك في وقت نشهد فيه تسارعاً في التطورات التكنولوجية وتحولات اقتصادية جذرية.
تعمل دول المنطقة حالياً على استغلال الإمكانيات الكبيرة التي يقدمها الذكاء الاصطناعي، حيث يُعتبر أحد الركائز الأساسية للتنمية والتحول الاقتصادي، ويساهم في تحقيق التنمية المستدامة وتعزيز الابتكار في مجالات متعددة، مثل الصحة والتعليم والنقل والطاقة والأمن.
في السنوات الأخيرة، تبرز دول الخليج في استثمار التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي، حيث تشير تقديرات شركة “بي دبليو سي” إلى أن الذكاء الاصطناعي قد يسهم بمبلغ يصل إلى 320 مليار دولار في منطقة الشرق الأوسط، مما يعادل حوالي 11% من الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2030.
اقتصادات دول الخليج
تتخذ دول المنطقة حالياً خطوات ملموسة نحو التحول الذكي، حيث وضعت استراتيجيات وطنية تهدف إلى تطوير الذكاء الاصطناعي. تركز استثمارات كل من الإمارات والسعودية وقطر في هذا المجال على قطاعات الصحة والتعليم والإعلام والقطاع المالي.
في المملكة العربية السعودية، تعزز “رؤية 2030” استخدام التقنيات الحديثة، بما في ذلك الذكاء الاصطناعي، بهدف تطوير الاقتصاد الوطني وتحسين جودة الحياة. تم إنشاء “الهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي” (سدايا) لتعزيز تطبيقات الذكاء الاصطناعي في القطاعين الحكومي والخاص. كما أُطلقت مشاريع مبتكرة مثل “مدينة نيوم”، التي تعتمد على تقنيات الذكاء الاصطناعي في مختلف جوانبها، بدءًا من النقل الذكي وصولاً إلى الرعاية الصحية.
تعتزم السعودية إنشاء صندوق استثماري بقيمة 40 مليار دولار يركز على الذكاء الاصطناعي، وذلك في إطار جهودها لتنويع الاقتصاد وتعزيز تنافسيتها على الساحة الدولية. كما تهدف إلى جذب استثمارات في مجالات البيانات والذكاء الاصطناعي تصل إلى 20 مليار دولار بحلول عام 2030.
في المقابل، تسعى قطر والبحرين إلى دمج الذكاء الاصطناعي في القطاع الحكومي ومختلف جوانب الحياة اليومية والحوكمة، مع تشجيع الشركات على اعتماد الحلول التكنولوجية الحديثة.
التكنولوجيا: مستقبل النمو
أوضحت ندى السعيد، الرئيس التنفيذي للشؤون الاستراتيجية بمجلس التنمية الاقتصادية البحريني، أن قطاع التكنولوجيا يمثل مستقبل النمو الاقتصادي في البحرين، وكذلك في دول الخليج بشكل عام. وأشارت إلى أن هذا القطاع ساهم في خلق العديد من الوظائف في مختلف مجالات الاقتصاد المحلي من خلال إطلاق برامج متنوعة.
أوضحت الرئيس التنفيذي للشؤون الاستراتيجية في مجلس التنمية الاقتصادية البحريني أن البحرين تعتمد تقنيات الذكاء الاصطناعي في القطاع الحكومي وفقاً للمعايير الدولية، مما يسهم في تحسين الخدمات الحكومية وزيادة كفاءة وأداء مختلف القطاعات، وذلك في إطار تحقيق التحول الرقمي الشامل في البلاد.
وأشارت السعيد إلى أن البحرين بذلت جهوداً كبيرة في هذا المجال، حيث تم تأسيس “مركز سيتي العالمي للتكنولوجيا” في عام 2021 من خلال شراكة استراتيجية بين صندوق العمل البحريني “تمكين” ومجلس التنمية الاقتصادية. كما أكدت أن المجلس هو الجهة المسؤولة عن جذب الاستثمارات إلى البحرين وترويجها كوجهة استثمارية، مع التركيز على خمسة قطاعات رئيسية تشمل التكنولوجيا والاتصالات والصناعة والخدمات اللوجستية والسياحة والخدمات المالية.
مجموعة من المبادرات الوطنية
وأشارت ندى السعيد إلى أن البحرين قد أطلقت مجموعة من المبادرات الوطنية في مجال الذكاء الاصطناعي، من بينها استكمال صياغة الاستراتيجية الوطنية للاقتصاد الرقمي، التي تهدف إلى تعزيز كفاءة العمل الحكومي وزيادة الإنتاجية في بيئة عمل مبتكرة. ويشمل ذلك تطبيق الذكاء الاصطناعي في مجالات متنوعة مثل التعليم والصحة والنقل والأمن، بالإضافة إلى تشجيع البحث العلمي وتطوير البنية التحتية الرقمية.
وأشارت الرئيسة التنفيذية للشؤون الاستراتيجية في مجلس التنمية الاقتصادية البحريني إلى أن قطاع التكنولوجيا يستقطب استثمارات ضخمة، خاصةً أنه يلعب دوراً مهماً في تعزيز البنية التحتية وتوفير شبكة اتصالات عالية الجودة وفرص عمل متميزة. وأكدت ندى السعيد أن التركيز على قطاع التكنولوجيا لا يقتصر على دعم الاقتصاد البحريني فحسب، بل يمتد ليخدم مجتمع الأعمال على الصعيدين الإقليمي والعالمي، مثلما هو الحال في مراكز التكنولوجيا المتقدمة في مدن مالية كبرى مثل سنغافورة ونيويورك.
تحول اقتصادي وتكامل تكنولوجي
أشارت السعيد إلى أن قطاع التكنولوجيا سيلعب دوراً مهماً في تعزيز التحول الاقتصادي الكبير في البحرين. وأوضحت أن دول الخليج لا تتنافس اقتصادياً في مجال التكنولوجيا، بل تكمل بعضها البعض، حيث أن تطور البحرين سينعكس بشكل إيجابي على المنطقة بأسرها.
كما أكدت أن قطاع التكنولوجيا يساهم في تعزيز النمو في جميع القطاعات الاقتصادية، وخاصة في مجالات التعليم والرعاية الصحية والقطاع المالي. وقد شهدنا تأسيس عدة بنوك رقمية، من أبرزها بنك “إلي”، الذي يعد بنكاً إقليمياً يهدف إلى تسهيل عملية التحول الرقمي في القطاع المصرفي.
أشارت ندى السعيد إلى أن اختيار مجموعة “وامبوا جروب”، وهي مكتب عائلي خاص بارز في سنغافورة، البحرين دون غيرها من دول منطقة الشرق الأوسط لإنشاء بنك رقمي مملوك لها يعكس جاذبية البيئة التشغيلية للبنوك الرقمية في البحرين.
وأوضحت أن قطاع التكنولوجيا يسهم في تعزيز النمو الاقتصادي في البحرين بجانب القطاع المالي، حيث يوفر فرصًا ملائمة لنمو الشركات، خاصة مع توافر تكنولوجيا خدمات المدفوعات “فينتك” والخدمات المصرفية الإلكترونية عبر الإنترنت.
استثمرت السعودية في منصات تعلم الذكاء الاصطناعي من خلال الجامعات والمؤسسات البحثية، مثل “مركز الذكاء الاصطناعي في جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية”. وتشير التوقعات إلى أن الذكاء الاصطناعي سيساهم في زيادة الناتج الإجمالي للإمارات بمقدار 352 مليار درهم (95.8 مليار دولار) بحلول عام 2030، مما يمثل 14% من الناتج المحلي، وفقاً لمركز “إنترريجونال للتحليلات الاستراتيجية” في أبوظبي.
كما تم بذل جهود كبيرة في جميع أنحاء المنطقة لتطوير نماذج باللغة العربية، تم تدريبها على مجموعات بيانات محلية، بهدف رصد الفروق الدقيقة في اللغة بطريقة لم تكن متاحة على منصات مثل “ChatGPT”
على الرغم من هذه الطموحات، تواجه دول الخليج بعض التحديات في مجال تطوير الذكاء الاصطناعي، مثل ضرورة تأهيل وتدريب الكوادر البشرية المحلية. ومع ذلك، من المتوقع أن تتمكن هذه الدول من تجاوز هذه العقبات بفضل استمرار الاستثمارات في البحث والتطوير والتعليم.