تأثير معايير الاستدامة “ESG” على القطاع العقاري
باتت معايير الاستدامة البيئية والاجتماعية والمؤسسية التي تعرف اختصارا بـ”ESG“، ذات أهمية كبرى في العملية الاقتصادية للدول والمؤسسات على حد السواء. وتمثل هذه المعايير العوامل المركزية التي تتيح أمام محللي وخبراء الاقتصاد والاستثمار إمكانية قياس الاستدامة والأثر المجتمعي الناتج عن استثمار أو نشاط اقتصادي ما.
تزايدت أهمية معايير ESG مع التطور الحاصل في طبيعة الاقتصاد الحديث. كان المستثمر قديما يبحث في المقام الأول عن الاستثمار أو الشركة التي تقدم له أكبر قدر ممكن من المكاسب والأرباح، بغض النظر عن أي اعتبارات أخرى. تغيرت هذه النظرة الرأسمالية الضيقة، ودخلت قضايا الاستدامة والمسئولية المجتمعية بؤرة الاهتمام. نتيجة لذلك، ازداد تسليط الضوء على معايير الاستدامة البيئية والاجتماعية والمؤسسية، وباتت تمثل رقما صعبا في تقييم أي استثمار أو نشاط أو مؤسسة اقتصادية.
ماهية معايير ESG
يمكن القول إن معايير الاستدامة البيئية والاجتماعية والمؤسسية “ESG” تنقسم إلى 3 أجزاء متكاملة. فمعايير الاستدامة البيئية تُعنى بتوضيح دور المؤسسة أو الاستثمار وممارساته ونشاطاته والتأثيرات الناتجة عن عملياته فيما يتعلق بالحفاظ على البيئة. كما تهتم هذه المعايير باستخدام الطاقة وحجم النفايات الناتجة عن نشاط المؤسسة وكذلك حجم البصمة الكربونية. ترصد المعايير التلوث المحتمل حدوثه إثر نشاط المؤسسة ومدى استهلاك الموارد الطبيعية.
فيما تهتم معايير الاستدامة الاجتماعية بطريقة التعامل مع العنصر البشري، بما ذلك الموظفين والعاملين في المؤسسة أو النشاط الاقتصادي. ترصد معايير الاستدامة طريقة ومدى تفاعل المؤسسة مع المجتمع الذي تعمل من أجله، ويتضمن ذلك طريقة التعامل مع الموردين أيضا. تقيس هذه المعايير مدى مساهمة النشاط الاقتصادي والمؤسسة في تنمية المجتمعات المحلية، ومدى مراعاة ظروف العمل لصحة العاملين والموظفين وسلامتهم والحرص على تطوير مهاراتهم.
أما معايير الاستدامة البيئية، فهي تهتم بمدى التزام المؤسسة بالحوكمة، وتقييم طريقة الإدارة والتزامها بالنزاهة والشفافية. تركز هذه المعايير على عدم حصول أي تضارب مصالح بين أعضاء مجلس الإدارة وأداء المؤسسة، لاسيما ما يخص التعامل مع المساهمين ومدى قانونية وطبيعة عمليات المؤسسة.
أهمية معايير الاستدامة
من التوضيح السابق لمعايير الاستدامة البيئية والاجتماعية والمؤسسية، يتضح مدى أهميتها وضرورة توافرها في أي استثمار أو نشاط اقتصادي أو مؤسسة ترغب في النجاح وتحقيق أهدافها.
تساعد معايير الاستدامة الراغبين في الاستثمار في تسهيل عملية البحث عن النشاط الاقتصادي أو المؤسسة التي يمكنهم الوثوق بها والاستثمار في أنشطتها. وكلما التزمت المؤسسة بمعايير الاستدامة، زادت فرص إقبال المستمرين وأموالهم عليها، وانتعشت عملياتها وسمعتها وميزانيتها.
وعلى الرغم من صعوبة استيفاء كافة معايير الاستدامة في مؤسسة أو نشاط اقتصادي ما، إلا أنه يجب على المؤسسة أن تحقق أكبر قدر ممكن منها. ذلك أن المستثمرين عندما يشرعون في عملية البحث عن مكان للاستثمار، فإنهم يحصلون على المعلومات التي توضح مدى الالتزام بمعايير الاستدامة، ليقرروا أي منها هو الأكثر أهمية لهم، وبالتالي تحديد أي مؤسسة ستحظى بثقتهم.
معايير الاستدامة والقطاع العقاري
يُجمع خبراء الاقتصاد على أن السوق العقاري في المملكة يشهد حالياً حركة نشطة داخلياً من المحافظ والصناديق الاستثمارية، مع الاهتمام المتزايد بمعاير الاستدامة. ويتوقع الخبراء أن تتجه أنظار الصناديق الاستثمارية العالمية صوب القطاع العقاري في المملكة، ويرجع السبب إلى اهتمام الصناديق بتوفر معايير الاستدامة البيئية والاجتماعية والمؤسسية، وهو ما يحدد بشكل كبير اختيارها للاستثمار في قطاع عقاري يحافظ على قيمته على المدى الطويل جداً، وملاءمة تكلفة العقار مع هذا المعيار.
اقرا ايضا: علامة HONOR تصدر تقرير ESG لعام 2023 في منتدى التنمية المستدامة
لم تغفل التوقعات التحذيرات والتحفظات الاقتصادية العالمية الخاصة بحجم المعروض العقاري، والمتوقع له الانخفاض على إثر جائحة كورونا وما تبعها من أزمات مثل ارتفاع معدلات التضخم ومشكلات سلاسل الإمداد. زادت هذه التحذيرات من فرص السوق العقاري في المملكة بحسب التوقعات الاقتصادية، في ظل الحركة والنشاط الحاصل في عمليات الإنشاء والتعمير بالمملكة، ومهم ما يجعل القطاع العقاري بالمملكة الفرصة الأمثل أمام الصناديق الاستثمارية.
وزادت هذه الصناديق من قيمة استثماراتها في القطاع السكني على مستوى العالم بما يوازي 5 أضعاف خلال الثلاث سنوات الماضية، رغم كون القطاع العقاري غير جاذب للاستثمار من قبل هذه الصناديق. لكن هذا التغير في نظرتها إلى القطاع كانت كلمة السر فيه هي معايير الاستدامة البيئية والاجتماعية والمؤسسية.
الوطنية للإسكان وتحقيق المعايير
إذا كانت توقعات خبراء الاقتصاد السالفة ترجع إلى التزام القطاع العقاري بمعايير الاستدامة البيئية والاجتماعية والمؤسسية، فإن NHC الوطنية للإسكان، بوصفها المطور الوطني في المملكة، والذراع الاستثمارية لوزارة الشؤون البلدية والقروية والإسكان، كانت أفضل مثال يمكن الاستشهاد به على هذا الالتزام.
بتطبيق التعريف السابق عن هذه المعايير، نجد أن الوطنية للإسكان منذ يومها الأول، حددت في استراتيجيتها مراعاة معايير الاستدامة كل على حدة. فيما يخص معايير الاستدامة البيئية، ألزمت الشركة نفسها بتحقيق جودة الحياة في كافة مشروعاتها، ليصبح التجمع العمراني مكانًا صحيًا ملتزمًا بالأسس البيئية. كما تراعي مشروعات الشركة تقليل استخدام السيارات وخفض نسب العوادم، عبر ما توفره من حلول للتنقل تساعد على تبني أساليب بيئية حديثة.
التزمت الوطنية للإسكان أيضا بتطبيق معايير الاستدامة الاجتماعية، فاهتمت بمعرفة ماذا يريد العميل وكيفية توفير رغباته واحتياجاته في مشروعاتها. ووفرت مجتمعاتها العمرانية من خلال سلسلة طويلة من العمل والجهد هدفها الأخير راحة المستفيد وإرضاء تطلعاته في سكن ملائم يلبي حاجته ويرضي رغباته في الجودة التي ينشدها.
أما فيما يخص معايير الاستدامة المؤسسية، فإن إنجازات الشركة في الحوكمة والتطوير المؤسسي تتحدث عن نفسها. حيث أنجزت الوطنية للإسكان مصفوفة حوكمة الشركة الأم والشركات التابعة، كما اعتمدت تطبيق السياسات في الشركة والكيانات التابعة. كما أطلقت الشركة استراتيجية ريادة التمكين، وطورت أكثر من 400 مؤشر أداء، بالإضافة إلى دعم وتنظيم التواصل الداخلي وإقامة فعاليات داخلية لدعم الثقافة المؤسسية.