“بي واي دي” الصينية ترسخ تفوقها على “تسلا” في خمس دقائق

“تسلا“، أكبر شركة أميركية لصنع المركبات الكهربائية في العالم، فاجأت العالم هذا العام بموقفها السياسي العلني، وتراجع المبيعات وسعر السهم. بينما فاجأت “بي واي دي”، منافستها الصينية الكبرى، العالم للتو بالإعلان عن أحدث طراز يمكن شحنه في خمس دقائق. لا يمكن أن تكون الدلالة الرمزية أكثر وضوحاً من ذلك، إذ تعكس التفوق الذي حققته الصين في المركبات الكهربائية مقارنةً بالولايات المتحدة التي لا تزال منشغلة بخلاف داخلي حول مدى ارتباط حركة”الوعي” بالسيارات الكهربائية.
تباهت “بي واي دي” بتوفير مدى يبلغ 400 كيلومتر (248 ميلاً) للمركبات الجديدة المزودة بنظام “سوبر إي بلاتفورم” (Super e-Platform) في ما لا يزيد عن 5 دقائق، ويجب التعامل مع ذلك التباهي بنفس الحذر المطلوب تجاه أي إعلان في قطاع السيارات. فإيصال طاقة قصوى بقدرة 1 ميغاواط سيكون حدثاً غير مسبوق في سيارات الركاب الكهربائية، ويثير تساؤلات حول طول عمر البطارية وتكلفة إنشاء محطات شحن على هذا المستوى، بما يشمل التحديثات ذات الصلة لشبكة توزيع الكهرباء.
ومن جهة أخرى، “بي واي دي” ليست شركة ناشئة تبحث عن تمويل، بل أكبر شركة لصنع المركبات الكهربائية في العالم، بما يشمل المركبات الهجينة القابلة للشحن الخارجي.
الشحن الخاطف يعزز تقدم الصين
المثير للعجب أنه يُشاع أن من المقرر أن تُجرى أولى تسليمات المركبات الجديدة من “بي واي دي” التي بمقدورها استخدام هذا الشحن “الخاطف” في موعد أقربه أبريل، ما سيعد نشراً خاطفاً للتكنولوجيا. وبالنظر إلى الأمرين معاً، سيشكل ذلك تحولاً جذرياً في قطاع المركبات الكهربائية، ولن يكون في صالح “تسلا” أو شركات صنع السيارات الأميركية الأخرى.
شحن مركبة كهربائية في مدة تضاهي تزويد السيارة بالوقود التقليدي سيزيل عقبة مهمة أمام تحول السائقين عن محركات الاحتراق الداخلي. فالشحن السريع لن يُعفي من ضرورة التفكير في كيفية قضاء الوقت خلال إعادة شحن البطارية فقط، بل سيعالج مشكلة القلق من المسافة التي تقطعها السيارة أيضاً. وإذا كان الشحن بنفس سهولة التزود بالوقود، فلن يكون هناك مبرر للقلق من نفاد الطاقة، وبالتبعية، تنتفي الحاجة لشراء بطارية ضخمة، ما سيؤثر أيضاً على الطلب على المعادن الحرجة. وقالت “بي واي دي” إنها ستبني 4 آلاف محطة شحن بقدرة 1 ميغاواط في جميع أنحاء الصين.
تحقيق ذلك- وبسرعة- سيرسخ تقدم الصين في قطاع المركبات الكهربائية، الذي شهد الانطلاقة الكبرى في منطقة خليج سان فرانسيسكو عندما أطلقت “تسلا” طراز “موديل إس” السيدان قبل أكثر قليلاً من عقد. كما أن شعور إيلون ماسك بضرورة تنظيم حدث غير معتاد الأسبوع الماضي في البيت الأبيض يظهر فيه الرئيس دونالد ترمب- المعروف بعدم دعمه للمركبات الكهربائية- يشتري سيارة “تسلا” من طراز “موديل إس” تعبيراً عن الدعم يكشف الكثير عن مصدر الابتكارات في الفترة الحالية.
مبالغة في تقييم سهم “تسلا”
يضر انخراط ماسك في السياسة بعلامة “تسلا” التجارية، لكن المشكلة الأساسية التي تواجهها الشركة تكمن في مجموعة طرازاتها القديمة نسبياً، رغم طرح المنافسين طرازات جديدة. وبينما تخلت “تسلا” عن خطط إنتاج سيارة كهربائية منخفضة التكلفة، وأطلقت شاحنة “سايبر ترّك” بسعر يتجاوز 100 ألف دولار بدلاً من ذلك، أنتجت “بي واي داي” ومنافسوها كميات كبيرة من مجموعة طرازات بسعر أقل من 30 ألف دولار.
رغم انخفاض سهم “تسلا“، إلا أن سعره لا يزال مرتفعاً عند مضاعف ربحية 84 مرة، ما يعادل 4 أضعاف مضاعف “بي واي دي”. لم يعد ارتفاع سهم “تسلا” مبرراً بوعود زيادة مبيعات المركبات الكهربائية، ولا يعتمد بشكل أكبر على التوقعات الكبيرة- وإن كانت بعيدة المنال- لسيارات الأجرة ذاتية القيادة والروبوتات. وقد عززت “بي واي دي” تقدمها بطرح نظام متطور للمساعدة في القيادة كميزة أساسية في معظم طرازاتها، بينما يكلف نظام “تسلا” العملاء آلاف الدولارات الإضافية، وإن كان أكثر تطوراً من الناحية التقنية.
مع ذلك، فالتحدي لا يقتصر على “تسلا”، فكما أشرت في مقال سابق، تواجه كبرى شركات السيارات بأكملها “أزمة صُنع في الصين”، ويشكل إعلان “بي واي دي” إشارة تحذيرية من ذلك. وإنجاز الشحن الخاطف لن يؤدي إلى ارتفاع مبيعات المركبات الكهربائية في السوق المحلية لـ”بي واي دي”- حيث بيعت اثنتين من كل ثلاث سيارات كهربائية بالفعل- فقط، بل سيوفر لشركات السيارات الصينية عنصر قوة آخر يمكنها من المنافسة في الأسواق الخارجية أو الهيمنة عليها.
تراجع الهيمنة الأميركية على السيارات
بالطبع، تستخدم الولايات المتحدة الرسوم الجمركية أداةً لمنع دخول التكنولوجيا الصينية إلى البلاد، إلا أن ذلك يحرم السائقين الأميركيين من بعض المزايا، بينما أصبحت المركبات الكهربائية حالياً الدافع الوحيد لارتفاع مبيعات السيارات على مستوى العالم، في ظل استفادتها من تراجع أسعار البطاريات وتقديمها مميزات لا يمكن إنكارها في الكفاءة والانبعاثات. لذلك يصعب توقع كيف يمكن منع المركبات الكهربائية الأفضل أداءً وأكثر ابتكاراً من دخول البلاد إلى الأبد.
علاوة على ذلك، يتزايد تفضيل ترمب للرسوم الجمركية، وتنذر تهديداته للمكسيك وكندا بتعرض شركات مثل “جنرال موتورز” و”فورد موتور” لاضطراب شديد؛ فحماية ديترويت تجارياً ستعزز اعتمادها على الشاحنات مرتفعة الأسعار في السوق المحلية، وتعيق آلية التنافس اللازمة للابتكار، وسيحدث كل ذلك بينما يُحتمل أن تدمر سلسلة التوريد في أميركا الشمالية، التي بُنيت بدقة وعناية.
بعد أن حددت الصناعة الأميركية معالم قطاع السيارات في أغلب سنوات القرن العشرين، تشهد الآن تلاشي فرصتها في تكرار ذلك في القرن الحادي والعشرين، وبوتيرة سريعة.