بعد فوز ترامب.. ما هي التغييرات التي تنتظر الاقتصاد العالمي
عندما أعلن المرشح الجمهوري دونالد ترمب فوزه في انتخابات الرئاسة الأميركية، كان لذلك تأثيرات اقتصادية محتملة على مستوى العالم، من المتوقع أن تكون عميقة وفورية. ومع تلقيه التهاني من قادة الدول، أكد ترمب يوم الأربعاء أنه حصل على “تفويض قوي” للقيادة،
إذا قام ترمب بتنفيذ حتى جزء بسيط من وعوده – مثل زيادة الرسوم الجمركية، وتخفيف القيود التنظيمية، وزيادة التنقيب عن النفط، وفرض مزيد من المطالبات على حلفاء أميركا في حلف شمال الأطلسي – فإن الضغوط على المالية العامة للدول، والتضخم، والنمو الاقتصادي، وأسعار الفائدة ستؤثر على جميع أنحاء العالم.
مع تحول “ترمب 2.0” إلى واقع، تستعد أوروبا لدخول مستنقع جيوسياسي وتجاري جديد مع أكبر شركائها التجاريين.
قد يتسبب فوز ترمب في الانتخابات الرئاسية الأميركية في إلحاق الضرر بالاقتصاد الأوروبي، حيث من المحتمل أن تؤثر الرسوم الجمركية المقترحة بنسبة 10% على الصادرات الأوروبية، مثل السيارات والمواد الكيميائية، مما قد يؤدي إلى تآكل الناتج المحلي الإجمالي الأوروبي بنسبة تصل إلى 1.5%، أي ما يعادل حوالي 260 مليار يورو.
الاقتصاد العالمي
ويحذر المحللون من خفض أسعار الفائدة من قبل “البنك المركزي الأوروبي“، وضعف اليورو، وزيادة خطر الركود.
وفقًا للعديد من التحليلات الاقتصادية، هناك توافق واسع على أن التعريفات الجمركية الشاملة التي اقترحها ترمب بنسبة 10% على جميع الواردات الأميركية قد تعطل النمو الأوروبي بشكل كبير، وتزيد من التباين في السياسة النقدية، وتفرض ضغوطًا على القطاعات الرئيسية المعتمدة على التجارة، مثل السيارات والمواد الكيميائية.
يزداد التأثير المحتمل مع تأمين الحزب الجمهوري، الذي ينتمي إليه ترمب، لمجلس الشيوخ وتحقيق مكاسب في مجلس النواب، مما يسهل على الرئيس تمرير مقترحاته ودفع التعيينات الرئيسية.
وأشار إريك نيلسن، كبير مستشاري الاقتصاد في مجموعة «يوني كريديت»، إلى أن تعهدات ترمب المالية تثير القلق بشكل كبير بالنسبة للاقتصاد الأميركي والأسواق المالية العالمية، لأنها تعد بتوسيع عجز مفرط بالفعل في وقت يهدد فيه بتقويض المؤسسات الأساسية. وأضاف نيلسن: “يمكن الاستنتاج أن ترمب يشكل تهديداً لسوق الخزانة الأميركية وبالتالي للاستقرار المالي العالمي”.
تعتبر الرسوم الجمركية المفروضة على الواردات، بما في ذلك التعريفة الجمركية العالمية التي تبلغ 10% على الواردات من جميع الدول الأجنبية، والتعريفة التي تصل إلى 60% على الواردات من الصين، من العناصر الأساسية في سياسات ترامب، ومن المتوقع أن تترك تأثيراً كبيراً على المستوى العالمي.
تشير بيانات “المفوضية الأوروبية” إلى أن “الاتحاد الأوروبي” قام بتصدير سلع بقيمة 502.3 مليار يورو إلى الولايات المتحدة في عام 2023، مما يمثل خُمس إجمالي الصادرات غير الأوروبية.
تتصدر الآلات والمركبات (207.6 مليار يورو) والمواد الكيميائية (137.4 مليار يورو) والسلع المصنعة الأخرى (103.7 مليار يورو) قائمة الصادرات الأوروبية إلى الولايات المتحدة، حيث تشكل هذه الفئات مجتمعة نحو 90% من صادرات الكتلة عبر المحيط الأطلسي.
ويحذر محللون في بنك “إيه بي إن أمرو” من أن الرسوم الجمركية قد تؤدي إلى تراجع حاد في الصادرات إلى الولايات المتحدة، حيث من المحتمل أن تكون الاقتصادات المعتمدة على التجارة، مثل ألمانيا وهولندا، الأكثر تأثراً.
وصف صندوق النقد الدولي النمو العالمي بأنه ضعيف، حيث تعاني معظم الدول من توسع اقتصادي “هش”. ومن المحتمل أن تشكل أي ضربة إضافية للتجارة العالمية تهديداً سلبياً لتوقعات نمو الناتج المحلي الإجمالي، الذي يُتوقع أن يصل إلى 3.2 في المائة في العام المقبل.
تقوم الشركات عادةً بنقل تكاليف الاستيراد إلى المستهلكين، مما يعني أن التعريفات الجمركية قد تؤدي إلى زيادة الأسعار للمشترين الأميركيين. وهذا قد يُجبر بنك الاحتياطي الفيدرالي على الإبقاء على أسعار الفائدة مرتفعة لفترة أطول، أو حتى اتخاذ قرار بزيادة تكاليف الاقتراض مرة أخرى.
فوز ترامب
سيكون هذا السيناريو أكثر احتمالاً إذا استمر ترامب في الالتزام ببرامجه المتعلقة بالإنفاق والضرائب، والتي قد تؤدي إلى زيادة الدين الأميركي بمقدار 7.75 تريليون دولار حتى عام 2035، وفقاً للجنة غير الحزبية المسؤولة عن الميزانية الفيدرالية.
يعتقد ديرك شوماخر، رئيس أبحاث الاقتصاد الكلي الأوروبي في مؤسسة «ناتيكسيس كوربوريت» الألمانية، أن زيادة التعريفات الجمركية بنسبة 10% قد تؤدي إلى تقليص الناتج المحلي الإجمالي في ألمانيا بنحو 0.5%، وفي فرنسا بنسبة 0.3%، وفي إيطاليا بنسبة 0.4%، وفي إسبانيا بنسبة 0.2%.
ويحذر شوماخر من أن “منطقة اليورو قد تواجه خطر الانزلاق إلى الركود نتيجة لارتفاع التعريفات الجمركية”.
كما أن أرباح الشركات الأوروبية والاستثمارات مهددة، حيث يشير خبراء الاقتصاد في «غولدمان ساكس» إلى أن التعريفات الجمركية الواسعة قد تؤدي إلى تآكل الناتج المحلي الإجمالي لمنطقة اليورو بنسبة تقارب 1%.
ويتوقع الخبراء أن تؤدي هذه الخسارة في الناتج المحلي الإجمالي إلى تأثير سلبي على أرباح سهم الشركات الأوروبية، حيث قد تتراجع بنسبة تتراوح بين 6 و7 نقاط مئوية، مما سيكون كافياً لمحو النمو المتوقع في أرباح السهم لعام 2025.
يقترب الدين الحكومي في أوروبا من 90% من الناتج المحلي الإجمالي، مما يؤدي إلى توتر في التمويلات، وستواجه الحكومات صعوبة في تحفيز الاقتصاد الذي يعاني من الحواجز التجارية، بينما تستمر في تمويل الإنفاق العسكري في الوقت نفسه.
من المحتمل أن تستمر جهود ترامب في تخفيف القيود التنظيمية لفترة أطول، لكن المقترحات الدولية المتفق عليها التي تهدف إلى تعزيز مرونة البنوك، والمعروفة باسم “بازل 3″، قد تكون أول ضحية لهذه الجهود.
من المقرر أن تدخل القواعد الجديدة حيز التنفيذ اعتباراً من الأول من يناير المقبل، ويجري صناع السياسات مناقشات حول ما إذا كان ينبغي عليهم المضي قدماً في تطبيقها حتى في حال انسحبت الولايات المتحدة من الاتفاق.