“بعبع الأسعار”…إلى متى تستمر فوضى الأسعار في مصر
كل ما يحدث في مصر من صفقات وقرارات ينبغي أن ينعكس على السوق، وأن يشعر المواطن بتأثير ذلك بشكل سريع ومتوسط وطويل الأمد. ومن أبرز المؤشرات، بجانب فرص العمل، هي الأسعار التي يُفترض أن تستقر طالما أن أسعار العملة مستقرة وبسعر موحد. كما أن اختفاء السوق الموازية يجب أن يؤدي إلى انخفاض أسعار السلع ومستلزمات الإنتاج، مما يساهم في خفض أسعار سلع أخرى.
على سبيل المثال، انخفاض أسعار الأعلاف يؤثر بشكل مباشر على أسعار الدواجن واللحوم والبيض. وإذا لم يحدث هذا الانخفاض، فإننا نكون أمام وضع غير طبيعي يعطل قوانين العرض والطلب. من الضروري أيضًا استمرار الرقابة على الأسواق لضمان عدم التلاعب أو إخفاء السلع.
في النهاية، يمتلك المواطن حسًا دقيقًا يقيس تأثيرات الأسعار وانعكاساتها. ومع ذلك، يتضح دائمًا وجود اختلال في قوانين السوق، حيث تُطبق وفقًا للمزاج ولتحقيق الربح، بينما تُعطل عند الحاجة إليها، خاصة عندما يتعلق الأمر بمصالح المواطن.
في الشهر الماضي، قامت الحكومة المصرية بزيادة أسعار المنتجات البترولية بنسبة تصل إلى 17.5%، وذلك بعد مرور ثلاثة أشهر فقط على زيادة مماثلة. وقد أثرت هذه الزيادة على تعريفة المواصلات والنقل، كما شملت الارتفاعات منتجات وسلع أخرى، مثل الخبز السياحي الذي شهد زيادة تتراوح بين 10 و15%، وفقًا لتقديرات شعبة المخابز في الغرف التجارية المصرية.
أعلنت الحكومة عن الإفراج عن سلع أساسية وأدوية وخامات ومستلزمات إنتاج بقيمة 12 مليار دولار قبل أسبوعين، مما يعني أن ذلك سيؤثر على توافر السلع واستقرار الأسعار. ومع ذلك، يبدو أن ما يحدث يتعارض مع قوانين السوق، حيث إن ارتفاع الأسعار لا يتبعه انخفاض عند توافر السلع بكميات كبيرة. ويرتبط هذا الأمر جزئيًا بالرقابة، بالإضافة إلى دور المنظمات والغرف التجارية وجمعيات حماية المستهلك التي ينبغي عليها متابعة تطبيق قوانين السوق بشكل صارم. فآليات السوق لا تعني الفوضى في التسعير أو الربح، وفي الدول المتقدمة، تتغير الأسعار وفقًا لقوانين العرض والطلب، حيث تبقى مستقرة ولا تشهد قفزات مفاجئة.
“بعبع الأسعار”
أظهرت بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في مصر أن معدل التضخم السنوي لأسعار المستهلكين في المدن ارتفع إلى 26.5% في أكتوبر الماضي، مقارنة بـ 26.4% في سبتمبر السابق. كما سجل التضخم زيادة شهرية بنسبة 1.1% في أكتوبر، وهو نفس المعدل الذي تم تسجيله في سبتمبر.
التعويم الخامس للجنيه المصري
تواجه مصر أزمة اقتصادية حادة منذ عدة سنوات نتيجة للأزمات العالمية والإقليمية. وقد قامت الحكومة بتنفيذ إصلاحات اقتصادية في إطار اتفاق مع صندوق النقد الدولي، حيث تم تعويم الجنيه المصري خمس مرات منذ عام 2016. بدأ التعويم الأول عندما ارتفع سعر الدولار من 8 جنيهات إلى 15.7 جنيه، واستمر ذلك حتى 21 مارس 2022 مع التعويم الثاني، حيث انخفض الجنيه إلى 19.70 جنيه. وفي 27 أكتوبر 2022، تراجع الجنيه إلى 27.70 جنيه، بينما حدث التعويم الرابع في 4 يناير 2023، ليصل سعر الدولار إلى 30.90 جنيه. ومع التعويم الخامس المتوقع في مارس 2024، من المتوقع أن ينخفض الجنيه إلى 50 جنيهاً مقابل الدولار الواحد.
حتاج الأسواق إلى تسعير عادل دون مبالغة”، بهذه العبارة يعبر رئيس جمعية عين لحماية التاجر والمستهلك، حازم المنوفي، عن وجود أزمة تسعير في بلاده، داعياً إلى ضرورة “تسعير يأخذ في الاعتبار الكلفة الفعلية لمدخلات الإنتاج ومتطلباته، مع ضمان تحقيق ربح عادل للتاجر في الوقت نفسه”.
ويشير المنوفي، وهو عضو في شعبة المواد الغذائية بالغرف التجارية في مصر، إلى أن الأسواق بشكل عام، وخاصة أسواق السلع والمنتجات الغذائية، بحاجة إلى قرارات جريئة لإعادة التسعير. ويؤكد على أن العديد من المنتجات تُباع بأسعار مبالغ فيها، وأن هناك عدم التزام بنظرية العرض والطلب خلال الأزمات. ويضيف أن التسعير غير العادل للسلع يعد ظاهرة سلبية تؤثر سلباً على الاقتصاد وتعزز الاعتماد على الواردات كحل لمواجهة تضخم الأسعار المحلية. ويقترح إلزام منتجي السلع الغذائية بكتابة السعر النهائي للمستهلك بشكل واضح على العبوات، مما يسهم في استقرار السوق.
يعتقد رئيس جمعية عين لحماية التاجر والمستهلك أن الالتزام بتدوين الأسعار على العبوات يساهم في منع التلاعب ويضمن استقرار السلع دون التأثير سلبًا على سلاسل الإمداد. هذا الأمر يساعد في تجنب زيادة الطلب بشكل كبير على السلع الأساسية مقارنة بالعرض المتاح، ويمنع بعض الأفراد من استغلال هذه الأزمة من خلال تخزين السلع واحتكارها لرفع أسعارها.
مراجعة اتفاق صندوق النقد الدولي
في الشهر الماضي، أشار الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي إلى أن الحكومة قد تضطر إلى إعادة النظر في اتفاقها مع صندوق النقد الدولي إذا تسبب ذلك في ضغوط “لا يمكن تحملها من قبل الرأي العام”، وذلك بسبب التحديات الناتجة عن الأوضاع الإقليمية الحالية. وأضاف السيسي: “إذا كان هذا التحدي سيؤدي إلى ضغط على الرأي العام بشكل يفوق قدرة الناس على التحمل، فإنه من الضروري مراجعة الموقف مع صندوق النقد الدولي”.
وكان من المقرر أن يقوم صندوق النقد الدولي بمراجعة جديدة لاتفاق القرض الذي تم توقيعه مع مصر في أبريل (نيسان) الماضي، في نهاية سبتمبر (أيلول) الماضي. إلا أن الصندوق قرر تأجيل هذه المراجعة إلى موعد لم يتم تحديده بعد، مما أدى إلى تأجيل حصول القاهرة على شريحة جديدة من القرض بقيمة 1.2 مليار دولار.
تبدو عملية هندسة موازنات إنفاق الأسر في مصر اليوم أكثر تعقيدًا من أي وقت مضى، حيث يواجه أصحابها تحديًا صعبًا في محاولة الحفاظ على توازن إيراداتهم مع مستوى النفقات. ومع ذلك، فإن التضخم وممارسات التسعير غير المستقرة يزيدان من تعقيد هذه المهمة ويجعلانها صعبة التحقيق.