بثروة تتجاوز 340 مليار دولار … ترامب يجمع مجلس وزراء من المليارديرا
تثير هيمنة ماسك ورفاقه من عمالقة التكنولوجيا على الانتخابات الأميركية الأخيرة قلقاً واسعاً ومخاوف من احتمال تحول النظام الرأسمالي الغربي بعيداً عن السياسيين ذوي الخبرة وأصحاب الرؤى الاستراتيجية. إن صعود رجال الأعمال وعمالقة التكنولوجيا إلى الساحة السياسية يثير الكثير من القلق لدى المراقبين وصناع القرار، ليس فقط في الولايات المتحدة، بل في جميع أنحاء العالم. فإلى جانب المخاوف من تضارب المصالح بين الاقتصاد والسياسة، فإن ظهورهم في المشهد يشير إلى تغييرات جذرية في طبيعة الرأسمالية الغربية ونموذجها السائد منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية في عام 1945.
في خطاب النصر الذي ألقاه الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترمب، كان من اللافت مقدار الثناء الذي أبداه على إيلون ماسك، أحد أبرز رجال الأعمال الذين دعموا حملته الانتخابية. استمر هذا الثناء لأكثر من ربع ساعة، حيث أعلن ترمب لأنصاره أن صعود مالك منصة “إكس” إلى الساحة السياسية يمثل “ميلاد نجم جديد في سماء السياسة الأمريكية”، مشيدًا برؤيته التكنولوجية الفريدة التي لا تضاهيها أي رؤية في الصين أو روسيا.
تطورت العلاقة بين ترمب وماسك منذ أن أعلن الأخير دعمه لترمب في 13 يوليو (تموز) الماضي، وهو اليوم الذي شهد محاولة اغتيال لترمب في بنسلفانيا. ومنذ ذلك الحين، أصبح ماسك من أبرز المانحين لحملته الانتخابية، حيث تبرع بأكثر من 130 مليون دولار أمريكي. كما تم تعيينه في إدارته الجديدة في وزارة جديدة تحمل اسم “قسم الكفاءة الحكومية”، مما يثير تساؤلات حول مستقبل السياسة ودور رجال الأعمال والتكنولوجيا في الولايات المتحدة، خاصة في ظل تكرار ترمب وصف ماسك بأنه “قائد صناعي نادر يظهر مرة واحدة في كل جيل”، مما يعكس قلقه من بيروقراطية الحكومة الفيدرالية.
زعم إيلون ماسك، البالغ من العمر 53 عامًا، في عدة مناسبات أن “القيود التنظيمية المفرطة تعيق الإبداع وتعيق التقدم نحو تحقيق هدف التحول إلى حضارة متعددة الكواكب”، وهو الهدف الرئيسي لشركته “سبيس إكس”. كما أعرب في منشورات سابقة عن قلقه بشأن تأثير “الإفراط في التنظيم” على مستقبل الولايات المتحدة في مجال الفضاء، مشيرًا إلى أنه “ما لم نتوقف عن الاختناق البطيء الناتج عن هذه القيود، فلن نصبح أبداً حضارة متعددة الكواكب”.
ترامب يجمع مجلس وزراء من المليارديرا
وفقًا لما نُشر في الصحافة الأميركية في ذلك الوقت، كانت الأسئلة الأكثر إرباكًا تتعلق بالدور الذي يسعى ماسك ومن هم على شاكلته للعبه في السياسة الأميركية المستقبلية، ومدى تأثير ذلك على المؤسسات السياسية والنخب التقليدية، خاصة بعد أن برزوا بشكل كبير في المشهد الانتخابي الأميركي الأخير وما تلاه. ورغم أنه لم يكن متبرعًا رئيسيًا لحملات انتخابية سابقة، إلا أنه استثمر هذه المرة في إعادة دونالد ترمب إلى البيت الأبيض، وهو ما اعتُبر أمرًا نادرًا بين النخبة المالية والتجارية التي تفضل تقليديًا التأثير في السياسة من خلف الكواليس.
على الرغم من التقنيات والأدوات التي يمتلكها رجل التكنولوجيا الأول في العالم، فإن تقارير وكتابات متعددة أعربت عن قلقها من احتمال أن يصبح مالك منصة “إكس” رئيس الظل في الولايات المتحدة، خاصة بعد أن أظهر تأثيره القوي في السياسة الأميركية خلال الأشهر الأخيرة. وفقًا لأحد تقارير صحيفة “واشنطن بوست” الأميركية حول هذه الظاهرة، فإن ماسك عندما اشترى منصة التواصل الاجتماعي “تويتر” قبل عامين، والتي تحولت لاحقًا إلى “إكس” مقابل مبلغ ضخم بلغ 44 مليار دولار، “ظهر الأمر وكأنه نزوة لرجل يملك المال فقط، إلى جانب نرجسيته”. لكن مع مرور الوقت، اتضح أن ماسك كان يخطط لاستخدام هذه المنصة ليصبح المواطن الأكثر نفوذاً في تاريخ السياسة الأميركية، رغم أن علاقته بترامب كانت باردة للغاية في ذلك الوقت، مما يشير إلى أن تأثيره في السياسة الأميركية أصبح واضحًا بشكل غير مسبوق.
توجد زاوية أخرى تثير التساؤلات حول صعود ماسك السياسي في الولايات المتحدة وتأثير ذلك على مستقبل الديمقراطية الأميركية. وفقًا لتقرير من صحيفة “اندبندنت” البريطانية، فإن الثنائي ترمب – ماسك يشتركان في بعض الصفات، مما قد يؤدي إلى “اصطدام شخصيات واثقة للغاية ومهووسة بذاتها وأحيانًا غير مستقرة، مما قد يتسبب في نوع من الانفجار في الظروف الطبيعية”. وتعتبر الصحيفة أن كلا الرجلين يفضلان التعتيم على الحقائق غير المريحة المتعلقة بسياسات ترمب الاقتصادية الحمائية والاقتطاعات الضريبية، بالإضافة إلى السياسات التوسعية التي من المحتمل أن تزيد العجز وتؤدي إلى تضخم العملة، وقد تثير أيضًا حربًا تجارية مع الصين.
يثير وجود ماسك في قيادة وزارة الكفاءة الحكومية، التي قد تسهم في تقليص الإنفاق الحكومي بمئات المليارات من الدولارات وفقًا لوعوده، بالإضافة إلى تقليص اللوائح المفرطة وإعادة هيكلة الوكالات الفيدرالية، مخاوف بشأن إمكانية حصوله على إعفاءات ضريبية تصل إلى عشرات المليارات من الدولارات، مما يجعله يستفيد من واحدة من أكبر الإعفاءات الضريبية الشخصية في تاريخ الولايات المتحدة.
رجال المال والسياسة
بالإضافة إلى تعيين ماسك في أحد المناصب الوزارية ضمن إدارة ترمب الجديدة، أثارت بعض الأدوار التي لعبها رجال الأعمال في الانتخابات الأخيرة جدلاً حول سعيهم المتزايد للدخول في عالم السياسة بشكل غير مسبوق. ومن بين هؤلاء الملياردير فيفيك راماسوامي، الذي يشغل منصب شريك ماسك في وزارة الكفاءات الحكومية، بالإضافة إلى جيف بيزوس، رئيس شركة “أمازون” ومالك صحيفة “واشنطن بوست”، وجيمي ديمون، الرئيس التنفيذي لبنك “جي بي مورغان”. يُعتبر فيفيك راماسوامي (39 عاماً) واحداً من أصغر 20 مليارديراً في الولايات المتحدة، وقد كان ثاني أغنى مرشح في الانتخابات التمهيدية الرئاسية للحزب الجمهوري بعد دونالد ترمب، حيث قدرت مجلة “فوربس” صافي ثروته بحوالي 2.5 مليار دولار.
في سياق السياسة الدولية، يبرز رأي راماسوامي الذي يشدد على ضرورة تقديم “تنازلات كبيرة لروسيا” في النزاع القائم مع أوكرانيا. ويقترح إنهاء المساعدات العسكرية الأميركية لأوكرانيا، واستبعادها من حلف شمال الأطلسي (ناتو)، والسماح لروسيا بالسيطرة على بعض المناطق الأوكرانية مقابل اتفاق ينهي تحالف موسكو مع الصين. كما أعرب عن دعمه لاستقلال تايوان، مقترحاً فكرة “تسليح كل منزل تايواني” كوسيلة لردع أي غزو صيني، لكنه أشار إلى أن الولايات المتحدة يجب ألا تتدخل عسكرياً للدفاع عن تايوان في حال تعرضها لهجوم من الصين.
بالإضافة إلى راماسوامي، أظهرت الانتخابات الرئاسية الأميركية الأخيرة دوراً مهماً لرجال أعمال آخرين، من بينهم الملياردير جيف بيزوس الذي كان له تأثير كبير في مسار الانتخابات. فقد أعلنت هيئة تحرير صحيفة “واشنطن بوست”، التي يمتلكها، أنها تستعد للتوصية بدعم المرشحة الديمقراطية كامالا هاريس، لكن بيزوس قرر في اللحظة الأخيرة سحب التأييد والتحول لدعم ترامب، معلناً عن تبرعه بمليون دولار لصندوق تنصيب الرئيس المنتخب. يأتي ذلك في إطار تحالف مع مليارديرات آخرين في قطاع التكنولوجيا الذين يسعون لكسب ود الرئيس المقبل قبل عودته إلى البيت الأبيض في 20 يناير.
اعتبر تحليل نشره موقع “فانيتي فير” حول صعود عمالقة التكنولوجيا في الساحة السياسية أن “كل هذا التغيير يتلخص في المال والسلطة بطبيعة الحال”. كما أشار تقرير لمجلة “إيكونوميست” البريطانية إلى أنه رغم رهان ماسك وأمثاله على تغيير معادلة الاقتصاد والقوة في العالم، فإن التاريخ الأميركي مليء بالعلاقات المعقدة بين قادة الأعمال والرؤساء الأميركيين، مما يجعلها “مقامرة عالية المخاطر”.