اتصالات وتكنولوجيا

الدارك ويب.. عالم خفى يتوسّع بسرعة ويحوّل الجريمة الرقمية لاقتصاد متكامل

لم يعد الدارك ويب ذلك الركن الغامض الذي يتصفّحه الخبراء فقط؛ فبحلول عام 2025 تحوّل إلى منظومة ضخمة تعمل تحت سطح الإنترنت التقليدي، تحاكمها قوانين خاصة بها، ويشارك فيها ملايين المستخدمين يوميًا.

وتشير أحدث الإحصاءات إلى أن ما يقارب 17 مليون مستخدم حول العالم وصلوا إلى خدمات الدارك ويب خلال الربع الأول من العام، في وقت تتصاعد فيه حركة الأسواق المظلمة وتزداد تشعّبًا وتعقيدًا، لتقدّم مزيجًا من anonymity شبه الكاملة، والعمليات التجارية التي تتجاوز حدود القانون في كثير من الأحيان.

تُظهر البيانات الحديثة أن الدارك ويب يضم ما لا يقل عن 37 سوقًا نشطًا، محققة إيرادات سنوية تتجاوز 3.2 مليار دولار، مع هيمنة واضحة للأسواق التي تتخصص في بيع البيانات المسروقة، والأدوات الرقمية، وحزم الهجمات الإلكترونية، ورغم الضربات الأمنية المتتالية، فإن متوسط عمر أي سوق مظلم لا يتجاوز 7.5 أشهر، إلا أن البدائل تظهر بوتيرة سريعة، بمعدل منصة جديدة كل ثلاثة أو أربعة أسابيع، وهو ما يعكس ديناميكية هذا العالم وصعوبة السيطرة عليه.

وخلال عام 2025 شهدت المنصات المظلمة تحوّلًا كبيرًا في استخدام العملات الرقمية، حيث قفزت معاملات العملات التي تضمن الخصوصية مثل مونيرو إلى 60% من إجمالي المدفوعات، بينما تراجع استخدام بيتكوين إلى 30%، كما أصبح استخدام أدوات إخفاء الهوية المالية مثل الـMixers جزءًا أساسيًا من حركة الأموال، خاصة مع ارتفاع متوسط قيمة المعاملة إلى 624 دولار، وزيادة الاعتماد على محافظ مجهولة المصدر يصعب تتبعها.

ويكشف تحليل طبيعة المحتوى المنتشر على الدارك ويب أن مشاركة الملفات غير القانونية تتصدر المشهد بنسبة 29%، تليها البيانات المسربة بنسبة 28%، ثم المحتويات المتعلقة بالاحتيال المالي بنسبة 12%، في حين تتراجع تجارة الأسلحة إلى 0.3% فقط رغم استمرار خطورتها.

كما ارتفعت الحصة المرتبطة بنشر الأخبار السرّية والوثائق المسربة إلى 10%، بالتزامن مع توسع مجموعات القرصنة وحملات الاختراق، التي أسفرت عن تسريب ملايين السجلات من منصات صحية وإلكترونية ومؤسسات مالية.

ولا يتوقف تأثير الدارك ويب على التجارة غير القانونية، بل يمتد ليصبح نقطة انطلاق لأغلب الهجمات الإلكترونية العالمية، وتشير النسب إلى أن 78% من برمجيات الفدية المنتشرة هذا العام قد تم توزيعها لأول مرة عبر قنوات سرية داخل الدارك ويب، بينما كانت 41% من الهجمات الكبرى على البنى التحتية مرتبطة بأدوات أو خدمات مصدرها هذه الأسواق، وتضاعف كذلك استخدام الذكاء الاصطناعي في تنفيذ عمليات الاحتيال، إذ تم بيع أكثر من 11 ألف مجموعة أدوات تعتمد على نماذج توليد المحتوى، لاستخدامها في إنشاء مواقع وهمية، وتزوير هويات رقمية، وإطلاق حملات تصيّد بقدرات عالية الدقة.

وتشهد الأجهزة الأمنية حول العالم سباقًا محمومًا لمواجهة هذا التوسع، بعدما تمكّنت من إسقاط ستة أسواق كبرى خلال الأشهر الأخيرة، واعتقال أكثر من 200 شخص، وضبط محافظ رقمية تضم آلاف العملات المشفرة، كما أدّت عمليات المصادرة إلى تعطيل معاملات تقدّر قيمتها بأكثر من 200 مليون دولار، في ظل توسع التعاون الدولي بين جهات إنفاذ القانون، وتطوير أدوات متقدمة تعتمد على تحليل البلوك تشين والذكاء الاصطناعي لتعقب النشاطات المشبوهة.

اقرا ايضا: تسريب بيانات أكثر من 100 ألف مستخدم لـ ChatGPT على الدارك ويب

وبينما يشكّل الدارك ويب نحو 6.5% من حركة الإنترنت العالمية، يظل تأثيره أوسع من ذلك بكثير، فحركة المرور عبر شبكة Tor تصل إلى 12 مليون اتصال يوميًا، مع ارتفاع واضح في استخدام الهواتف الذكية للدخول إلى الخدمات المخفية بنسبة تجاوزت 54%، وتتركز أعلى نسب الاستخدام في الولايات المتحدة وألمانيا وروسيا، حيث تشهد بعض المدن نشاطًا كبيرًا يجعلها ضمن أعلى نقاط الوصول عالميًا.

وتواصل تسريبات البيانات لعب دور محوري داخل هذا العالم المظلم، إذ ظهرت خلال 2025 عدة حوادث ضخمة، منها تسريب بيانات 18 مليون مستخدم من مؤسسة رعاية صحية أميركية، وتسريب 3.6 مليون بطاقة دفع من منصة تجارية، بالإضافة إلى نشر بيانات حساسة من أجهزة حكومية في أوروبا، وتسريب سجلات مرتبطة بمصنّعي أجهزة المنازل الذكية، وارتفع متوسط سعر بيع قواعد البيانات إلى 130 دولارًا مقابل كل ألف سجل، مع ظهور نماذج اشتراك شهري تمنح المشترين وصولًا مستمرًا للبيانات الجديدة.

ويواصل اقتصاد الذكاء الاصطناعي لعب دور متزايد داخل الدارك ويب، حيث أصبحت 32% من العمليات المعروضة تعتمد بشكل مباشر على أدوات ذكية، سواء لإنشاء هجمات تلقائية، أو برای توليد هويات مزيفة، أو لتحليل ثغرات الأنظمة، كما ظهرت خدمات جديدة تعتمد على نسخ الصوت البشري والتحايل الهاتفي، بما يفتح الباب أمام موجة جديدة من الجرائم يصعب اكتشافها أو رصدها.

ومع هذا الاتساع غير المسبوق، بات من الصعب فصل الدارك ويب عن الاقتصاد الرقمي العالمي، إذ تنتقل نسبة كبيرة من الأموال الخارجة من الأسواق المظلمة إلى منصات تبادل العملات، أو تتوزع عبر قنوات P2P، أو تدخل في دوائر غسل أموال معقدة. وفي المقابل تتسابق الشركات العالمية لشراء أدوات مراقبة الدارك ويب، حيث وصل حجم سوق استخبارات الدارك ويب إلى 0.76 مليار دولار في 2025، مع توقعات بأن يتجاوز 1.6 مليار دولار خلال أربع سنوات.

ويوضح المشهد الحالي أن الدارك ويب لم يعد مجرد فضاء جانبي، بل أصبح شبكة متكاملة تزداد تشابكًا مع العالم الحقيقي، يجتمع فيها الاقتصاد، والتكنولوجيا، والجريمة الرقمية، والتسريبات، والذكاء الاصطناعي، في دورة واحدة تقدم مزيجًا من السيطرة والتهديد، وفي ظل هذا الواقع، تبدو معرفة هذه الصورة ضرورة وليست خيارًا، خصوصًا مع استمرار تطور الأدوات المستخدمة داخله، واستمرار سباق الزمن بين توسع الجريمة الرقمية ومحاولات الحدّ منها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى