التيك توك …الابتذال مقابل المال والشهرة
ما أسباب وعلاج انتشار ظاهرة فتيات التيك توك؟
أصبحت منصات التواصل الاجتماعي من أبرز وسائل التواصل مع الآخرين، سواء داخل مصر أو خارجها. ومع ظهور تطبيق “تيك توك” وانتشاره الواسع وتحقيق الأرباح منه، انضم العديد من المستخدمين إلى هذه المنصة، حيث يقدم البعض محتوى هادفًا، بينما يقدم آخرون محتوى سلبيًا وهدامًا، مما يعرضهم لانتقادات من المجتمع.
تعتمد أرباح تيك توك على عدة عوامل، منها نوع المحتوى الذي يقدمه المستخدم وعدد متابعيه، بالإضافة إلى رعاية العلامات التجارية والتسويق بالعمولة ومبيعات المنتجات، مما يمكن أن يعزز الدخل المالي بشكل كبير، يمكن لمستخدمي تيك توك كسب ما يتراوح بين 0.02 دولار و0.04 دولار مقابل كل 1000 مشاهدة. أما أولئك الذين يمتلكون ملايين المشاهدات، فيمكنهم تحقيق دخل كبير شهريًا. على سبيل المثال، يُقال إن تشارلي داميليو، واحدة من أبرز منشئي المحتوى على تيك توك والتي تمتلك أكثر من 148 مليون متابع، تكسب حوالي 17.5 مليون دولار سنويًا.
ومع ذلك، يمكن للمؤثرين الأصغر الذين يمتلكون جمهورًا أقل ولكن يتمتعون بمعدل تفاعل مرتفع أن يحققوا دخلًا جيدًا أيضًا. فمثلاً، يمكن لمنشئ محتوى لديه 100000 متابع ومعدل تفاعل متوسط يبلغ 5% أن يكسب عدة مئات من الدولارات لكل منشور، وذلك يعتمد على نوع المحتوى الذي يقدمه والشراكة المحددة مع العلامات التجارية.
التيك توك الابتذال مقابل المال والشهرة
يجب أن يمتلك مستخدم تيك توك ما لا يقل عن 10,000 متابع و100,000 مشاهدة لفيديوهاته خلال آخر 30 يومًا ليتمكن من كسب المال. ويمكن تحقيق الدخل أيضًا من خلال رعاية العلامات التجارية، حتى لو كان عدد متابعيها 1,000 فقط.
وفقًا لتقرير صادر عن Influencer Marketing Hub، يكسب المؤثرون الذين لديهم بين 1,000 و10,000 متابع ما يتراوح بين 5 و25 دولارًا لكل فيديو، بينما يكسب المؤثرون الصغار الذين يتراوح عدد متابعيهم بين 10,000 و50,000 ما بين 25 و125 دولارًا لكل فيديو.
لا يوجد حد للمبلغ الذي يمكن تحقيقه من خلال تطبيق TikTok. على سبيل المثال، تُقدّر أرباح نجمة التيك توك تشارلي داميليو بحوالي 17.5 مليون دولار سنويًا. ومن بين الأسماء الأخرى ذات الأرباح العالية، نجد ديكسي داميليو التي تُقدّر أرباحها بحوالي 10 ملايين دولار سنويًا، وأديسون راي التي تُقدّر أرباحها بحوالي 8.5 مليون دولار سنويًا.
تظهر العديد من الفتيات من مختلف الجنسيات بمقاطع فيديو على تطبيق “تيك توك”، حيث تقدم بعضهن محتوى إيجابي وتعليمي، بينما تقدم أخريات محتويات سلبية قد تؤدي بهن إلى مواجهة قضايا قانونية. وقد أصبحت ظاهرة فتيات التيك توك، المعروفة بـ “البلوجرز”، شائعة في الآونة الأخيرة، حيث يتابعهن عدد كبير من الأشخاص بمختلف أعمارهم
وفيما يتعلق بأسباب انتشار ظاهرة فتيات التيك توك بهذا الشكل، أوضحت الدكتورة أسماء محمد نبيل إحسان، أستاذ مساعد علم الاجتماع بكلية التربية في جامعة عين شمس، “لا شك أن ظاهرة فتيات التيك توك تُعتبر ظاهرة خادشة للحياء، حيث تسيطر مقاطع الفيديو السلبية على حياة المراهقين، مما يتعارض مع قيم المجتمع. كما أنها تساهم في إنتاج لغات ورموز وعبارات جديدة تُستخدم في التواصل بين المراهقين، مما يجعل الأمر بالغ الخطورة”.
وأضافت: “من بين أسباب انتشار هذه الظاهرة هو غياب الوعي الحقيقي حول الاستخدام السليم لتطبيق التيك توك ووسائل التواصل الاجتماعي بشكل عام بين الفتيات، بالإضافة إلى الرغبة في تحقيق الثراء السريع، وانهيار القيم المجتمعية التي كنا نسعى للحفاظ عليها. كما أن هناك حربًا بين الأجيال الرابعة والخامسة تهدف إلى هدم الأفكار التي نشأنا عليها، مما يجعلها حربًا موجهة بشكل مكثف نحو المراهقين والشباب، الذين يمثلون أكثر من 60% من المجتمع. وإذا تم استغلال هذه القوة بشكل إيجابي، يمكن أن تتحول إلى قوة بناء، والعكس صحيح”.
أسباب وعلاج انتشار ظاهرة فتيات التيك توك
وأشارت إلى أن “ضعف القيم المجتمعية ورغبة البعض في الشهرة يعدان من الأسباب الرئيسية لانتشار هذه الظاهرة، مما يجعل الأمر بالغ الخطورة، حيث أصبح العالم الافتراضي يسيطر علينا بقيمه التي تتعارض مع القيم التي تربينا عليها”.
كما أوصت أستاذ مساعد علم الاجتماع في كلية التربية بجامعة عين شمس بضرورة معالجة هذه الظاهرة من خلال تعزيز دور مؤسسات التنشئة الاجتماعية في مراقبة هذه الظاهرة، وفتح قنوات الحوار الإيجابي بين أولياء الأمور وأبنائهم. وأكدت على أهمية بناء الثقة بين الآباء والأبناء، مما يتيح للوالدين الاطلاع على الصفحات التي يتابعها أبناؤهم. كما دعت إلى تفعيل دور المؤسسات التعليمية في توعية الطلاب، وإدراج مادة التربية الإعلامية ضمن المناهج الدراسية، بهدف تمكين المراهقين من تحليل المحتوى الذي يتعرضون له.
تحدثنا مع الدكتور ريمون ميشيل، استشاري الصحة النفسية، حول الأسباب التي تدفع المراهقين لإنشاء فيديوهات على تيك توك. وأوضح قائلاً: “هناك عدة عوامل تدفع المراهقين لتأسيس قنوات على تيك توك، منها شعورهم المستمر بالعزلة ورغبتهم في أن يكونوا مسموعين ومرئيين من قبل الآخرين. كثيراً ما يسعون لسماع كلمات الثناء التي لا يستطيعون الحصول عليها في حياتهم الواقعية، مما يدفعهم للبحث عن ذلك في العالم الافتراضي. كما أن شعورهم بالوحدة ورغبتهم في تقليد الآخرين يمثلان نقاطاً سلبية تحتاج إلى معالجة. بالإضافة إلى ذلك، قد يكون عدم تقديرهم لمواهبهم هو ما يدفعهم لنشر مقاطع فيديو لإظهار تلك المواهب وتقديمها للناس، مما يتيح لهم فرصة سماع عبارات الإشادة، وهو ما يُعتبر نقطة إيجابية”.
وفيما يتعلق بكيفية تعامل الأم مع ابنها المراهق في هذه الحالة، أوضح: “من الضروري أن تفهم السبب وراء سلوك ابنها. هل يتعرض للتنمر، مما يجعله يلجأ لتصوير الفيديوهات كوسيلة للدفاع عن نفسه؟ أم أنه يسعى بهذه الطريقة لإيصال رسالة لعائلته بأنه يحتاج إليهم ويرغب في أن يسمعوا له ويدعموه؟ قد يكون أيضًا أن المراهق يعاني منذ صغره من فرط الحركة، وعندما كبر، بدأ يوجه طاقته نحو تصوير الفيديوهات. من خلال فهم السبب، يمكن تحديد الوسيلة العلاجية المناسبة”.
يقول الدكتور سعيد صادق، أستاذ علم الاجتماع السياسي في الجامعة الأميركية، إن المجتمع المصري يتضمن مزيجًا من الثقافات الفرعية، حيث اختار العديد من أفراده التركيز على “فتيات التيك توك” بدلاً من مواجهة مشكلاتهم الحقيقية.
لم يكن الاهتمام المكثف بقضايا فتيات التيك توك في الدراما المصرية خلال موسم رمضان هذا العام مجرد صدفة، بل هو انعكاس لمشاغل وقضايا المجتمع المستمرة.
فتيات التيك توك، اللاتي اخترن التعبير عن أنفسهن بطرق مختلفة عبر منصة تيك توك وغيرها، يفعلن ذلك إما بحثًا عن المال أو كوسيلة للتنفيس عن النفس في مجتمع يصدر أحكامًا صارمة وغير قابلة للاستئناف بشكل يومي. هذه الظاهرة تستدعي الدراسة وتحتاج إلى إجابات من علماء النفس والاجتماع.
فيما يتعلق بالاتهامات المتكررة الموجهة ضد الفتيات أمام القضاء، مثل الإضرار بقيم الأسرة والمجتمع، والاتجار بالبشر، والتحريض على الفسق والفجور، يوضح الدكتور صادق أن جميع هذه الاتهامات نسبية، وتعكس عنف المجتمع الذكوري تجاه المرأة. ويشير إلى أنها تخضع لأهواء مقدميها، ولا تُعتبر ملموسة بشكل جدي، مما يستدعي ضرورة إجراء محاكمة عادلة.
وتبقى القضية مفتوحة في مجتمع لا يرحم، ليبقى السؤال الأهم، من الجاني ومن المجني عليه في هذه القصة، الإجابة لم تحسم بعد
.
بعد موافقة المحكمة العليا الأميركية على تحديد الحكم النهائي في التحدي الموجه ضد تطبيق “تيك توك” لقانون قد يؤدي إلى حظره في الولايات المتحدة أو بيعه لشركة أميركية، تعود المعركة المستمرة بين المدافعين عن حرية التعبير المنصوص عليها في الدستور، الذين يسعون للحفاظ على التطبيق، وبين مؤيدي الأمن القومي الذين يعتبرون “تيك توك” تهديداً للأمن القومي الأميركي. ومع تدخل الرئيس المنتخب دونالد ترمب مؤخراً بإعلانه أنه سيفكر في حظر “تيك توك”، الذي أشار إلى أنه يحمل له “مكانة خاصة”، يصبح مستقبل “تيك توك” في أميركا معلقاً على قرار المحكمة. في الوقت نفسه، ترفض شركة “بايت دانس”، المالكة لـ”تيك توك”، فكرة بيعه حتى الآن، لكن حظره قد يعني بداية تراجع تأثيره على مستوى العالم.