التطور الرقمي في المملكة العربية السعودية: تحقيق النمو المستقبلي يتطلب بناء شبكات آمنة وجاهزة للذكاء الاصطناعي

بقلم: طارق التركي، مدير هندسة الحلول في شركة سيسكو السعودية
تتحول المملكة العربية السعودية بسرعة إلى مركز للتكنولوجيا والابتكار، بفضل رؤية 2030، حيث أنها تستثمر بكثافة في الذكاء الاصطناعي والأمن السيبراني والبنية التحتية الذكية. ومع تسارع وتيرة التحول الرقمي في البلاد، أصبحت موثوقية الشبكات المؤسسية وقابليتها للتوسع أمراً بالغ الأهمية، إذ أنها تُعدّ ركيزة أساسية للنمو والابتكار المستدامين.
وتدعم التكنولوجيا الرقمية اليوم كل ما نقوم به تقريباً في العمل وفي المنزل، وتعتبر الشبكة المؤسسية بمثابة الدعم الخفي الذي يضمن سير كل شيء بسلاسة.
وفقًا لأحدث تقرير عالمي للشبكات من سيسكو، فإن المخاطر باتت أكبر من أي وقت مضى. ويُظهر استطلاع للرأي أجريناه مؤخراً وشمل أكثر من 8065 من كبار قادة تكنولوجيا المعلومات والأعمال، منهم 250 في المملكة، أن انقطاعاً حاداً واحداً فقط في الشبكة لكل شركة سنوياً يُكلف الاقتصاد العالمي 160 مليار دولار. وبالنسبة للشركات السعودية، فإن هذا يُؤكد على الحاجة المُلحة لبناء شبكات آمنة وجاهزة للذكاء الاصطناعي لدعم النمو والمرونة في المستقبل.
أبعد من التبعات المالية التي ينطوي عليها التوقف عن العمل
ورغم أنه غالباً ما يُنظر إليها من منظور مالي، إلا أن القوة الحقيقية للعمليات السلسة تتجاوز الأرقام الفورية. فكل لحظة من الخدمة المتواصلة تبني الثقة بفعالية، وتعزز الإنتاجية، وتفتح آفاقًا جديدة. وتعد الشبكات القوية والموثوقة العمود الفقري الذي يحافظ على استمرارية سلاسل التوريد، ويضمن دعم العملاء المستمر، ويعزز السمعة المؤسسية المزدهرة.
ويحقق قادة تكنولوجيا المعلومات في المملكة العربية السعودية، بالفعل قيمةً كبيرةً من البنية التحتية الحالية لشبكاتهم، إذ أنها تحسن رضا العملاء (61%)، وتعزز الكفاءة التشغيلية (62%)، وتحفز الابتكار (54%). ومع ذلك، قد يتأثر هذا التقدم إذا لم يكن الشبكات مبنية بما يُتيح لها استيعاب الذكاء الاصطناعي وتوفير قابلية التوسع الفوري. ويتطلب تحقيق النمو والوفورات المُتوقعة سد العديد من الثغرات الأساسية في هذا المجال.
ولتحقيق هذه الفوائد، حدد قادة تكنولوجيا المعلومات المشاركين في استطلاع الرأي من المملكة العربية السعودية تحديات رئيسية يجب معالجتها. ويُعدّ كسر الحواجز أمراً بالغ الأهمية، حيث أشار 62% منهم إلى أن الأنظمة المجزأة أو المتكاملة جزئياً فقط تُمثل تحدياً كبيراً.
كما يُعدّ توسيع نطاق نشر الشبكات مشكلةً مُلحّةً أخرى، حيث أفاد 42% منهم أن عمليات النشر غير المكتملة تُعيق تحقيق أهدافهم. وفي الوقت نفسه، يُولي 39% من قادة تكنولوجيا المعلومات في المملكة أولويةً للحد من التدخل اليدوي، مُؤكدين على الحاجة المُلحة إلى مستويات أتمتة أكبر وإدارة أذكى لتعزيز الكفاءة والابتكار.
الذكاء الاصطناعي يُحدث تحولاً في الشبكات ويرفع مستوى التوقعات
قد يلعب تزايد تبنّي الذكاء الاصطناعي دوراً كبيراً في التسبب في حوادث التوقف عن العمل والأعطال. وفي هذا السياق فإن مساعدي الذكاء الاصطناعي، والوكلاء المستقلون، وأحمال العمل المثقلة بالبيانات تُحدث ثورةً في العمليات اليومية، لكنها تفرض أيضاً متطلبات شبكات أكثر تعقيداً وصعوبة في التنبؤ.
وفي حين أن الذكاء الاصطناعي يحمل معه وعوداً هائلة لمعالجة المشكلات الصعبة وأتمتة العمليات، فإن الطفرة في التطبيقات المدعومة بالذكاء الاصطناعي تُرهق موارد الشبكة، وتتطلب بالتالي نطاقاً ترددياً أكبر وزمن استجابة منخفضاً للغاية لدعم حالات الاستخدام اللحظية وشبه اللحظية. ولا شك بأنها مفارقة، إذ يمكن للذكاء الاصطناعي المساعدة في توقع توقف العمل وتجنبه، ولكنه في الوقت نفسه يدفع البنية التحتية القديمة إلى أقصى حدودها.
ويكشف البحث الذي أجرته سيسكو أن 67% من المشاركين يقولون إن مراكز بياناتهم الحالية لا تستطيع تلبية متطلبات الذكاء الاصطناعي بشكل كامل، ويخطط 90٪ منهم لتوسيع الطاقة الاستيعابية لهذه المراكز محلياً أو سحابياً أو كليهما. ولا يقتصر الأمر على إدارة المزيد من البيانات فحسب، بل يشمل أيضاً تمكين رؤى فورية، ودعم تطبيقات الجيل التالي، وتحفيز الابتكار بوتيرة غير مسبوقة. فشبكات اليوم لا تدعم الأعمال فحسب، بل تُعززها، وتدفعها نحو المرونة والنمو.
الشبكات الآمنة: ضرورية لتحقيق تقدم مستدام
ومع ازدياد ديناميكية الشبكات وانتشارها، تزداد المخاطر أيضاً. فكلما زادت مرونة بنيتنا التحتية وتوزيعها، زاد تعرضها للتهديدات السيبرانية. ويرى 98% من المشاركين في المملكة العربية السعودية، أن الشبكات الآمنة ضرورية لعملياتهم ولنموهم، بينما صنّفها 65% بأنها ضرورية للغاية. وفضلاً عن ذلك، يعتقد 97% من المشاركين أن تحسين شبكاتهم سيعزز وضعهم الأمني.
ونحن نقف اليوم عند مفترق طرق حاسم. فالنهج التقليدي لإدارة الشبكات كأصول ثابتة ومعزولة أصبح قديماً. ويجب أن تكون الشبكات الحديثة تنبؤية، وذاتية الإدارة، وآمنة بطبيعتها. كما يجب أن توفر اتصالاً سلساً لأحمال العمل التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي، ودعم فرق العمل عن بعد والهجينة، وحماية البيانات والتطبيقات وسمعة المؤسسة.
ونحن في سيسكو، نرى في هذا تحدياً وفرصة في آنٍ واحد. فمن خلال إعادة تصميم الشبكات لتحقيق مستويات مرونة وذكاء وأمان أكبر، يمكن للمؤسسات الاستفادة الكاملة من مزايا الذكاء الاصطناعي، وتعزيز الكفاءة، وتحقيق ميزة مستدامة في السوق.
لحظة محورية – وفرصة للقيادة
وقد توصل بحثنا إلى رسالة حاسمة مفادها أن انقطاعات الشبكات لم تعد مجرد إزعاج بسيط، بل باتت تُمثل تهديداً بمليارات الدولارات للابتكار والنمو. وستكون المؤسسات التي تتحرك بسرعة لتحديث شبكاتها وتأمينها في وضع أفضل للتفوق في عصر الذكاء الاصطناعي.
وفي الختام لا بد لي من أن أؤكد على أن المستقبل سوف يتحدد على يد أولئك الذين يعاملون الشبكة ليس فقط بوصفها مرفقاً أساسياً، ولكن كمحرك استراتيجي لتحقيق نتائج استثنائية بشكل آمن وعلى نطاق واسع.