التحول الأخضر في التعاون الصيني-الشرق الأوسط في مجال الطاقة يدخل مرحلة جديدة

تتمتع منطقة الشرق الأوسط بوفرة في موارد النفط والغاز، وقد حافظت الصين ودول الشرق الأوسط على تعاون وثيق في مجال الطاقة على مدى فترة طويلة. وفي السنوات الأخيرة، عملت الصين ودول المنطقة على تسريع خطوات التحول في مجال الطاقة، مع الدفع القوي بالتعاون الثنائي نحو الطاقة “الجديدة” و”الخضراء”، مما ضخ زخماً مستداماً جديداً في التنمية المشتركة بين الجانبين.
تحقيق نتائج التعاون للطرفين باستمرار
تُعد محطة الشعيبة للطاقة الكهروضوئية في مدينة جدة، التي تُعرف في السعودية بأنها “نموذج للتعاون الصيني السعودي في الطاقة الجديدة”، دليلاً على قوة الصين في تكنولوجيا الطاقة الشمسية. وقد أنشأت هذه المحطة شركة مجموعة الطاقة الصينية الدولية، حيث استخدمت أحدث تقنيات الألواح الكهروضوئية المزدوجة الوجه من النوع N، التي تتميز بقدرتها الدقيقة والعالية على امتصاص الطاقة الشمسية.
وتشير التوقعات إلى أن المحطة ستولد خلال الـ35 سنة القادمة ما يقارب 282.2 مليار كيلوواط، ما يسهم في تقليل انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بنحو 245 مليون طن، أي ما يعادل زراعة 545 مليون شجرة في الصحراء.
وفي الإمارات، تُغطي محطة الظفرة للطاقة الشمسية احتياجات الكهرباء لنحو 200 ألف أسرة، وتسهم في تقليل انبعاثات الكربون السنوية بمقدار 2.4 مليون طن، مما رفع نسبة الطاقة النظيفة في مزيج الطاقة الكلي إلى أكثر من 13%. أما في سلطنة عمان، فيُعد مشروع عبري للطاقة الشمسية أكبر مشروع للطاقة المتجددة في البلاد، حيث يغطي احتياجات 50 ألف أسرة من الكهرباء سنوياً، مع تقليل انبعاثات الكربون بمقدار 340 ألف طن سنوياً.
وفي السعودية، تقوم شركات صينية بإنشاء أكبر مشروع لتخزين الطاقة خارج الشبكة في العالم في مدينة البحر الأحمر الجديدة. وسيعمل هذا المشروع، المرتبط بنظام توليد الطاقة الشمسية، على تزويد كامل مساحة المدينة البالغة 28 ألف كيلومتر مربع بالطاقة الخضراء.
وفي الوقت نفسه، أصبحت السيارات للطاقة الجديدة، وهي واحدة من “الثلاثي الجديد” في الصادرات الصينية، مشهداً مألوفاً في شوارع العديد من دول الشرق الأوسط. وتعمل شركات سيارات صينية مثل BYD وNIO بنشاط على توسيع حضورها في الشرق الأوسط، من خلال طرح منتجات سيارات الطاقة الجديدة المخصصة للمنطقة. ووفقاً لبيانات الجمارك الصينية، أصبحت منطقة الشرق الأوسط أكبر وجهة لصادرات السيارات الصينية، حيث شكّلت السيارات للطاقة الجديدة نسبة 19.6% من تلك الصادرات.
التكامل في الميزات يدفع نحو تعاون متبادل الاتجاه
في السنوات الأخيرة، أولت العديد من دول الشرق الأوسط اهتماماً متزايداً لتطوير الطاقة المتجددة، واعتبرت ذلك جزءاً من استراتيجياتها الوطنية للتنمية، حيث وضعت خططاً واضحة لعملية التحول في قطاع الطاقة. ففي إطار “رؤية السعودية 2030″، تبذل المملكة جهوداً حثيثة لتعزيز التنوع الاقتصادي وتحقيق التحول في مجال الطاقة. ووفقاً لأحدث أهداف البرنامج الوطني السعودي للطاقة المتجددة، من المتوقع أن تصل القدرة المركبة للطاقة المتجددة إلى 130 جيجاواط(GW )بحلول عام 2030.
أما دولة الإمارات العربية المتحدة، فقد أعلنت عن خطة “تحديث الاستراتيجية الوطنية للطاقة 2050″، والتي تنص بوضوح على أن القدرة المركبة للطاقة المتجددة ستتضاعف أكثر من مرتين بحلول عام 2030. وفي سلطنة عمان، تندرج خطط التحول ضمن إطار “رؤية عمان 2040″، التي تهدف إلى تسريع وتيرة الاستثمارات والترويج لمشاريع الطاقة المتجددة والهيدروجين الأخضر.
وفيما يتعلق بتطوير الطاقة الشمسية، أشار تقرير “توقعات الطاقة الشمسية لعام 2025” الصادر مؤخراً عن جمعية صناعة الطاقة الشمسية في الشرق الأوسط، إلى أن حصة الطاقة الشمسية ضمن مزيج الطاقة في منطقتي الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تشهد ارتفاعاً ملحوظاً، ومن المتوقع أن يتجاوز إجمالي توليد الطاقة الشمسية 180 جيجاواط (GW)بحلول عام 2030.
وتُعد الصين أكبر دولة منتجة لمنتجات الطاقة الكهروضوئية في العالم، بينما تُعد منطقة الشرق الأوسط واحدة من أبرز الأسواق الناشئة التي تتمتع بأعلى إمكانات لنمو هذا القطاع، مما يجعل التعاون بين الجانبين يتمتع بزخم قوي وآفاق مستقبلية واعدة.
آفاق واسعة للتنمية المشتركة
اعتباراً من عام 2025، تتوالى الأخبار الإيجابية حول التعاون بين الصين ودول الشرق الأوسط في مجال الطاقة النظيفة، مما يعكس مرونة هذا التعاون وحيويته. فقد وقّعت شركة باور تشاينا عقد شراكة مقاولات رئيسية مع شركة طاقة الرياح في السويس المصري، لبناء مشروع طاقة رياح بقدرة 1100 ميغاواط في خليج السويس بمصر.
كما بدأت شركة “يوتونغ” الصينية لصناعة الحافلات، بالتعاون مع شركة “موصلات” للنقل الوطني في قطر، بوضع حجر الأساس لأول مصنع تجميع للمركبات التجارية الكهربائية في منطقة أم الحول الحرة، ليكون أول مصنع من نوعه في قطر. من جانب آخر، أعلنت الشركة السعودية للكهرباء عن توقيع سلسلة من العقود مع شركة “BYD” الصينية لتنفيذ مشاريع أنظمة تخزين الطاقة بالبطاريات، بإجمالي قدرة يصل إلى 2.5 جيجاواط/12.5 جيجاواط ساعي.
وبفضل مبادرة “الحزام والطريق”، فإن التعاون بين الصين وعدد من دول الشرق الأوسط في مجال الطاقة النظيفة يتمتع بآفاق تنموية واسعة. ولا يقتصر هذا التعاون على دعم التحول الأخضر في قطاع الطاقة على المستوى العالمي، بل يسهم أيضاً في دفع بناء نمط جديد من التعاون الاقتصادي القائم على الطاقة النظيفة وتحقيق المنافع المتبادلة بين مختلف الأطراف.
بقلم: باي يوي وجيه