الاقتصاد المصري.. وكيفية رؤى الخروج من الأزمة
لا أستند إلى تجربة دولة معينة لتحديد كيفية تحقيق النهوض الاقتصادي، لكنني أعتقد أن الأساس للتنمية الاقتصادية وازدهار الدولة يكمن في وجود وعي اقتصادي سليم لدى جميع أفراد المجتمع. يجب أن يدرك الجميع، بلا استثناء، أن الصناعة المصرية بجميع أشكالها تُعتبر الطريق الرئيسي للخروج من الأزمات التي يواجهها العالم. إن التركيز على تطوير الصناعة وتفعيلها على أرض الواقع يسهم في تقليل معدلات البطالة ويزيد من الدخل الفردي والدخل القومي للدولة.
إن استئناف تشغيل المصانع بكامل طاقاتها وقدراتها في مجالات الصناعات القومية والصغيرة يسهم بشكل كبير في تحسين الوضع الاقتصادي في البلاد بشكل سريع. لذا، يجب على الدولة تقديم كافة التسهيلات التي تشجع أصحاب الصناعات والحرف والمهن بمختلف أنواعها على بدء العمل، وتوفير الحماية اللازمة التي تحفزهم على الاستمرار في العمل؛ لزيادة حجم الإنتاج، مما يتيح لنا فتح آفاق جديدة للتصدير إلى جميع دول العالم، وخاصة دول القارة الأفريقية، بالتعاون مع أجهزة ومؤسسات الدولة.
كما أن الاهتمام بهذا القطاع يتماشى مع جهود الدولة المصرية في دعم المتعثرين من خلال تقديم القروض أو إقامة شراكات عبر جذب المستثمرين على المستويين المحلي والدولي. هذا سيساهم في توطين الصناعات داخل البلاد، ويحقق أقصى استفادة على مستوى الأفراد والمجتمع والمؤسسات، مما ينعكس إيجاباً على الدخل العام. ويمكن للبنوك المصرية أن تلعب دوراً رئيسياً كشريك في العديد من المشاريع ذات الأصول الثابتة، بهدف الحفاظ على المال العام وتعزيز منتجاتنا الصناعية، لتكون ذات جودة تنافسية في الأسواق العالمية وتلبي احتياجات المستهلكين.
تضطلع المؤسسات البحثية بدور حيوي في تعزيز التنمية الاقتصادية، حيث يمكنها إقامة شراكات مع المؤسسات الإنتاجية والصناعية، مستندة إلى رؤى تطويرية تسهم في تحقيق هدفين رئيسيين. الأول هو تعزيز البحوث التطبيقية بشكل مستمر وفعّال، مما يؤدي إلى تطوير مستدام يعتمد على مخرجات الابتكار من قبل ذوي الخبرة والتخصص. الثاني هو تلبية احتياجات السوق المستقبلية، حيث يتعين على المؤسسات الإنتاجية أن تكون لديها رؤية واضحة لما سيطلبه السوق في المستقبل، وليس فقط في الحاضر. هذا الأمر يسهم في تحقيق الريادة التي نطمح إليها في مصر، وهو هدف ليس بعيد المنال، إذ نمتلك الإمكانيات والقدرات والخبرات في مختلف المجالات التي يمكن أن تحقق إنجازات كبيرة على أرض الوطن.
هناك جانبين مترابطين في هذا السياق، الأول هو التركيز على القيمة المضافة للمنتج المحلي، والثاني هو التوجه نحو أسواق القارة الأفريقية، التي تتميز بحجم طلب مرتفع واحتياجات مستدامة للعديد من المنتجات، سواء كانت معمرة أو استهلاكية. لذا، إذا عملنا بجد واجتهاد على تعزيز الصناعة المحلية وتوسيع مجالاتها واكتمال مراحلها، بدءًا من المراحل الأولية، سنكون قادرين على تحقيق نتائج إيجابية.
بالطبع، يُعتبر السوق المحلي المصري سوقًا ضخمًا ويستحق اهتمامًا كبيرًا. من خلال تلبية احتياجاته، يمكننا تحقيق المعادلة الصعبة التي تتمثل في توفير العملة اللازمة للاستيراد، وتنمية الصناعة المحلية من خلال تحسين جودتها، بالإضافة إلى توفير الآلات والمعدات اللازمة للتصنيع التي قد تكون غير متاحة في السوق المصري، وكذلك المواد الخام الضرورية التي تفتقر إليها البلاد. علاوة على ذلك، يتطلب الأمر مضاعفة خطوط الإنتاج وزيادة القدرة التشغيلية لاستيعاب الأيدي العاملة بمختلف تخصصاتها.
من المهم أيضًا التطرق إلى مفهوم الإيثار في هذا السياق، خاصة في ظل أزمة توافر النقد الأجنبي التي تعود لأسباب متعددة، منها سعي الدولة لتسديد مديوناتها، واحتياجات المستوردين من السوق، ومتطلبات التصنيع من قبل المؤسسات المعنية. هذه العوامل مجتمعة تشكل ضغطًا على الطلب على النقد الأجنبي. لذا، أصبح التفكير منصبًا على تحديد الأولويات والبدائل؛ حيث تأتي سداد الديون في مقدمة الأولويات، يليها البحث عن بدائل تقلل من حدة الطلب. كما أن زيادة القدرة التصنيعية التي تسهم في تعزيز التصدير يمكن أن توفر النقد الأجنبي بشكل جيد، مما يسهم في تحقيق التوازن المطلوب.
ندرك جميعًا أن مصر تمتلك موارد فريدة لا تتوفر في العديد من الدول الصناعية. فهناك تنوع كبير في الموارد النباتية، مثل الخضروات والفواكه والأقطان والكتان وقصب السكر وغيرها. لذا، تحتاج هذه الموارد إلى عمليات إعادة تصنيع تتماشى مع معايير الجودة العالمية، مما يعزز من قيمتها المضافة ويساعدها على تحقيق مكانة متميزة في الأسواق المحلية والدولية. وهذا بدوره يساهم في تحقيق عوائد اقتصادية مجزية تعود بالنفع على المزارعين والصناع والمصدرين والدولة بمؤسساتها المختلفة.
أما بالنسبة لثروة مصر المعدنية، فهي ليست بالقليلة، حيث تحتوي على مجموعة من المعادن الأساسية التي تندر في العديد من الدول. تشمل هذه المعادن الفوسفات والبازلت والكوارتز والحديد والنيكل والكروم والبوتاس والتيتانيوم وغيرها الكثير. تشكل هذه الموارد أساسًا للصناعات التعدينية، وقد دخلت مصر في مراحل التصنيع الثقيل على الصعيدين المدني والعسكري. لذا، يتطلب الأمر العمل المستمر على تطوير هذه الصناعات لتحقيق الأهداف الرئيسية للدولة، مما يجعلها واحدة من الدول الصناعية الكبرى من خلال المزيد من الجهد والرعاية المؤسسية.
دعونا نؤكد على أهمية التسويق السياحي في بلادنا، التي تتمتع بموقع ومكانة متميزين. حيث تتوفر فيها مجموعة متنوعة من السياحات، مثل السياحة الدينية والثقافية، وسياحة الآثار، والسياحة الرياضية، والشاطئية، والعلاجية، بالإضافة إلى سياحة المنتجعات الصحية والترفيهية وسياحة التسوق في مدن حديثة نالت إعجاب الجميع. كما تشمل السياحة في بلادنا سياحة المؤتمرات والندوات العلمية والمهرجانات.
تجدر الإشارة إلى أن الدولة قد بذلت جهودًا مشكورة في توفير شبكة طرق ومواصلات وفق المعايير العالمية، مع التركيز على المظهر الحضاري من حيث النظافة وتوفير المنشآت الخدمية مثل الفنادق والمطاعم، بالإضافة إلى مراكز الإعلان عن الفعاليات السياحية الدينية والترفيهية والتثقيفية، والتي تقدم عروضًا مميزة للفلكلور المصري. لذا، يجب أن نسعى جاهدين لتحقيق مستوى الريادة والتنافسية في سوق السياحة العالمي.