في يومها العالمي.. اللغة العربية تعزز الهوية الثقافية والإبداع الرقمي
يُحلّ اليوم العالمي للغة العربية في الثامن عشر من ديسمبر من كل عام، ليجدد ارتباط العالم العربي بلغة امتد حضورها وتأثيرها عبر قرون، وشكّلت مسارًا حضاريًا في الفكر والعلوم والفنون والاقتصاد، ويأتي هذا الاحتفاء منذ اعتماد الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1973 للعربية كلغة رسمية ولغة عمل، في اعتراف دولي بقيمتها وانتشارها الواسع حول العالم.
ومع وصول عدد المتحدثين بها إلى أكثر من 400 مليون نسمة، تواصل اللغة العربية ترسيخ مكانتها كلغة للتواصل والإبداع وبناء الهويات الثقافية والاجتماعية، ولغة أساسية في العصر الرقمي وأساليب الاتصال الحديثة.
ثقافة عربية
تُعدّ اللغة العربية ركيزة أساسية في التواصل المؤسسي، إذ تمنح إدارات العلاقات العامة في مؤسسات الشرق الأوسط وشمال إفريقيا القدرة على صياغة رسائل واضحة تعكس هوية المؤسسة، وتبني علاقة قائمة على الفهم والثقة مع الجمهور، مما يعزز الارتباط طويل المدى بالعلامة التجارية.
وتمتاز اللغة العربية بقدرتها على ملامسة مشاعر المتلقي، لما تحمله من قيم ورموز وأمثال متجذّرة في الثقافة العربية، وهو ما يمنح الحملات الاتصالية تأثيرًا أكبر، ويرفع مستوى التفاعل، ويُكسب العلامات التجارية حضورًا مؤثرًا في السوق.
احتفالات سنوية
وتستضيف المدن العربية سنويًا فعاليات متنوعة بمناسبة اليوم العالمي للغة العربية، تشمل الأمسيات الأدبية، وورش القراءة والكتابة، والمناقشات الثقافية التي تجذب مختلف الفئات العمرية، وتعمل على تعزيز الوعي اللغوي، وتنمية الشغف باللغة الأم، وإحياء الصلة بالتراث الأدبي والفكري الذي ساهم في تشكيل الهوية العربية عبر العصور.
كما تمنح المناسبة فرصة لإبراز اللغة العربية كلغة للعلم والمعرفة ومكانتها كلغة للقرآن الكريم، ما يضفي بُعدًا ثقافيًا وروحانيًا للاحتفال بها، ويعزز حضورها في التعليم والإعلام والإبداع الأدبي، ويقوي العلاقة بين المجتمع ولغته.
بيئات العمل
وعلى الرغم من أهمية اللغة العربية كلغة أم ورسمية في دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، واعتمادها أساسًا للتواصل داخل المؤسسات وبيئات الأعمال، إلا أنه لا تزال بعض الجهات تعتمد بشكل كبير على اللغات الأجنبية في تعاملاتها الرسمية.
وتشير شركة W7Worldwide للاستشارات الاستراتيجية والإعلامية، إلى أن الممارسات الحالية في العديد من القطاعات، خصوصًا الخدمية مثل الاتصالات والفنادق والمستشفيات، تُظهر حاجة ملحّة لتعزيز استخدام اللغة العربية في الاتصالات الرسمية والتعامل المباشر مع العملاء.
وتوضح الشركة أن انخفاض حضور اللغة العربية في إدارات العلاقات العامة داخل هذه المنشآت ينعكس على جودة المواد الاتصالية ومستوى التفاعل مع الجمهور، ولذلك تُوصي بضرورة توسيع اعتماد العربية لتعزيز الهوية الوطنية ورفع كفاءة التواصل، إضافة إلى اعتبار إجادة اللغة العربية شرطًا أساسيًا لشغل الوظائف التي تتطلب اتصالًا مباشرًا بالجمهور.
محتوى متخصص
شهد عام 2025 توسعًا كبيرًا في ظهور المحتوى العربي داخل الفضاء الرقمي، بالتزامن مع تطور أدوات الذكاء الاصطناعي وتنامي طلب الجمهور على المحتوى العربي المتخصص، وأصبحت اللغة العربية محورًا لصناعة محتوى متنوع يشمل النصوص، والصور، والفيديو، والبودكاست، وصولًا إلى التطبيقات التفاعلية التي تعتمد على تفضيلات الجمهور وسلوكهم.
وساهمت المؤتمرات والفعاليات المتخصصة في بناء منظومات مهنية تدعم صناع المحتوى، وتمنح اللغة العربية موقعًا استراتيجيًا داخل السوق الإبداعي، وهو ما يظهر بوضوح في منصات التواصل الاجتماعي، التي باتت تعتمد على اللغة العربية لصياغة رسائل مؤثرة ومقنعة، تتناغم مع القيم المحلية وتوجهات المجتمع.
نماذج عربية
حقق مجال الذكاء الاصطناعي تقدمًا كبيرًا خلال السنوات الأخيرة، من خلال إطلاق نماذج لغوية عربية ضخمة تراعي خصائص النحو والصرف واللهجات المتنوعة، ومن أبرز هذه المشاريع ALLaM وArabianGPT، التي طورت أدوات متقدمة للتلخيص وتحليل المشاعر وتوليد النصوص بجودة عالية.
كما برزت مبادرات مفتوحة المصدر مثل JAIS، التي توفر نماذج مدرّبة على مئات المليارات من الرموز اللغوية العربية، مما يمنح المؤسسات قدرات جديدة في التعليم والأعمال والإعلام، وأسهم هذا التطور في ظهور تطبيقات تعليمية ومساعدات صوتية وأدوات تحليل لغوي تعزز المهارات الأساسية كالقراءة والكتابة والتحدث، مع قدرة أكبر على فهم السياقات الثقافية والاجتماعية العربية.
مستقبل رقمي
وتعكس اتجاهات السوق والممارسات المؤسسية الحاجة إلى تعزيز حضور اللغة العربية في مختلف المجالات، وذلك من خلال رفع مستوى تعليمها في المراحل الدراسية، واعتمادها في تعاملات المؤسسات الخدمية والقطاعات ذات الاتصال المباشر مع العملاء، وتعزيز استخدامها في الرسائل الرسمية والمحتوى الرقمي الاحترافي الذي يعكس هوية المجتمع ويلبي توقعاته، مع دعم المبادرات التقنية التي تمنح اللغة العربية موقعًا متقدمًا في تطبيقات الذكاء الاصطناعي.
ويمثل اليوم العالمي للغة العربية 2025 محطةً هامة لتسليط الضوء على دور اللغة في تشكيل الهوية الثقافية والاجتماعية والرقمية للعالم العربي، وتمتد قيمتها إلى العلاقات العامة، وصناعة المحتوى، والتطبيقات التقنية الحديثة، باعتبارها لغة تواصل وتفكير وإبداع، ولغة قادرة على التطور وفتح آفاق جديدة للحوار والمعرفة.


