مقالات

تنمية الريف والأمن الغذائي محور التعاون الصيني العربي لرسم خارطة طريق للتنمية المستدامة

تنمية-الريف-والأمن-الغذائي-محور-التعاون-الصيني-العربي-لرسم-خارطة-طريق-للتنمية-المستدامة

في القمة الصينية-العربية الأولى، طرحت الصين مبادرة «العمل المشترك في ثمانية مجالات للتعاون العملي بين الصين والدول العربية»، وكان من بينها العمل المشترك للأمن الغذائي. ويصادف هذا العام الذكرى الخامسة لطرح الرئيس الصيني شي جين بينغ هدف الدفع الشامل باستراتيجية للإصلاح والتنشيط الريفي. ومع تصاعد التحديات التي تواجه الأمن الغذائي العالمي اليوم، ووفقًا للمبدأ القائل إن «الغذاء هو أساس معيشة الشعوب»، بات تعميق التبادلات والتعاون التجاري والاقتصادي الدولي، ودفع عصرنة الزراعة وتحقيق التنمية المستدامة، أولوية قصوى.

ويتمتع التعاون الزراعي بين الصين والدول العربية بتاريخ طويل. ومع تزايد الاهتمام الدولي بقضايا الأمن الغذائي، أصبح العمل المشترك الصيني-العربي للأمن الغذائي نموذجًا يُحتذى به على الصعيد العالمي.

في السنوات الأخيرة، واصلت الصين والدول العربية تعزيز التبادل التجاري الزراعي، وتعميق التعاون في التقنيات الزراعية، مستفيدة من منصات وآليات متعددة مثل القمة الصينية-العربية، ومنتدى التعاون الصيني-العربي، ومعرض الصين-الدول العربية، ما أسهم في الارتقاء بالتعاون الزراعي بين الجانبين إلى مستويات جديدة. وحتى الآن، وقّعت الصين وثائق تعاون زراعي مع 11 دولة عربية، وأنشأت آليات عمل في هذا الإطار.

وفي مايو 2025، وخلال منتدى الصين-السعودية للصناعات الزراعية والتنمية المستدامة، وقّعت الشركات والمؤسسات الصينية والسعودية أكثر من 70 اتفاقية تعاون، بقيمة إجمالية تجاوزت 4 مليارات دولار أمريكي، شملت مجالات تطبيق التقنيات الخضراء، وتصدير المعدات الذكية، والبحث والتطوير في مجال التربية الحيوية، وسلاسل الإمداد العابرة للحدود. ويُعد ذلك مؤشرا على دخول التعاون بين الصين والسعودية في مجالات الزراعة والأمن الغذائي وحماية البيئة وسلاسل الإمداد الصناعية مرحلة جديدة.

وتتمتع الصين والسعودية بدرجة عالية من التكامل في القطاع الزراعي، مع إمكانات تعاون واسعة في مجالات بناء البنية التحتية، وإنتاج وتصنيع المنتجات الزراعية، والزراعة الذكية، وزراعة وتربية الأحياء الخضراء.

في أكتوبر 2025، أُطلق «مركز الصين–الدول العربية للابتكار في الزراعة الحديثة وصناعات الثقافة والسياحة» في منطقة نينغشيا، ويقع في حديقة بينغقو لصناعة العنب على مساحة عشرة آلاف مو ( نحو 666.7هكتار)

في حي شينغتشينغ بمدينة ينتشوان، مع مساحة تخطيطية إجمالية تُقدَّر بنحو 15 ألف مو ( نحو ألف هكتار ) ويتخذ المشروع من «البيت الصناعي العملاق الفائق الحداثة» محورًا رئيسيًا، حيث يدمج وظائف البحث العلمي في الزراعة الحديثة، والمعارض والتجارة، والإبداع الثقافي والسياحي، بما يعزز الاندماج العميق بين الصين والدول العربية في مجالات الزراعة الحديثة، والصناعات التحويلية، وصناعات الثقافة والسياحة.

ويُعد هذا المشروع خطوة مهمة لتنفيذ الاستراتيجيات الوطنية الصينية الخاصة بنهوض بالريف وتعزيز التعاون الصيني-العربي. فهو ليس فقط ممارسة ملموسة لمدينة ينتشوان في تنفيذ هدف تسريع بناء دولة قوية زراعيًا وتطوير قوى إنتاجية زراعية جديدة النوعية، بل يشكل أيضًا منصة محورية لبناء مجتمع صناعي صيني-عربي مشترك، ونموذجًا للتعاون الدولي والنهوض الريفي، بما يسهم في دعم بناء مجتمع مصير مشترك بين الصين والدول العربية.

لتحسين مستوى الأمن الغذائي في المنطقة العربية، لم تقتصر جهود الصين على القطاع الزراعي فحسب، بل اتخذت سلسلة من الإجراءات الداعمة. فعلى سبيل المثال، أُسِّس في عام 2023 المركز الصيني العربي للأبحاث الدولية للحد من الجفاف والتصحر وتدهور الأراضي كما عمّقت الهيئة الصينية للأرصاد الجوية تعاونها مع الدول العربية، مستندة إلى قمري الأرصاد الجوية «فنغيون» ومركز الأرصاد الجوية العالمي، ليشمل ذلك التنبؤ بالطقس، وتطبيقات الأقمار الصناعية للأرصاد الجوية، ومراقبة الكوارث الجوية والتنبؤ بها، إضافة إلى الإنذار المبكر، والوقاية من الكوارث والحد من آثارها، والتأثير الاصطناعي في الطقس، وبناء القدرات على مواجهة تغير المناخ.

وفي الوقت ذاته، أُنشئ مركز تعزيز صناعة تطبيقات نظام بيدو الصيني للملاحة لخدمة الجانب العربي في مجالات النقل، والزراعة الدقيقة، والبحث والإنقاذ وغيرها. كما درّبت الصين ما يقرب من عشرة آلاف مسؤول وفني زراعي من الدول العربية، ما أسهم في تسريع تطبيق التقنيات النموذجية ونشر المعارف والخبرات في المنطقة. وتتميز هذه الإجراءات بكونها متقدمة وعملية في آن واحد، وهي ثمرة خبرات صينية متراكمة  عبر ممارسات طويلة الأمد في الإنتاج الزراعي والتنمية الاقتصادية.

وقد انتقل التعاون الزراعي الصيني-العربي من إطار التبادل التجاري التقليدي إلى مرحلة جديدة من التعاون المنهجي الشامل، يرتكز على الأمن الغذائي والتنمية المستدامة. وتتحول الخبرات الصينية  الناضجة المتراكمة  في مجالات الزراعة الحديثة، والزراعة الذكية، والتقنيات الخضراء، والوقاية من الكوارث والحد من آثارها، من خلال نماذج تعاون متعددة المستويات ومؤسسية، إلى قدرات فعلية تعزز الأمن الغذائي والمرونة الزراعية لدى الدول العربية. واستشرافا للمستقبل، ومع تعميق مواءمة استراتيجية النهوض بالريف مع العمل المشترك الصيني-العربي للأمن الغذائي، يُتوقع أن يحقق الجانبان منافع متبادلة على نطاق أوسع وعلى مستويات أعلى، وأن يقدما نماذج تعاون قابلة للاستنساخ والتعميم في مجال حوكمة الأمن الغذائي العالمي وتحديث الزراعة في الدول النامية، بما يرسخ أسسًا متينة لبناء مجتمع مصير مشترك أوثق بين الصين والدول العربية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى